السعودية في صدارة موردي النفط الى الصين: القصة أكبر
السعودية في صدارة موردي النفط الى الصين: القصة أكبر
- أحمد عياش
البيانات الصادرة قبل أيام عن الادارة العامة للجمارك في الصين تستحق التأمل، فهي تشير الى ارتفاع واردات النفط السعودية 53 في المئة عن العام السابق إلى 8.06 ملايين طن بما يعادل 1.96 مليون برميل يومياً، وهذه البيانات تؤكد على صدارة المملكة لموردي الخام الى الصين للشهر التاسع على التوالي في أغسطس (آب)، وذلك مع تخفيف كبار المنتجين تخفيضات الإنتاج.
أين الأهمية التي تكمن في هذه المعطيات خارج سياق التعاملات التجارية بين الدول؟
وفق المعطيات التي تشير اليها التقارير والملفات الإعلامية، تتطلع الصين الى نفط الشرق الأوسط كمورد أساسي لإقتصادها العملاق الذي يضعها في موضع نديّ مع الولايات المتحدة الأميركية التي تصنّف الصين بلداً منافساً على كل المستويات ما يفتح العلاقات بين العملاقيّن على مواجهات مختلفة، وسيكون الشرق الأوسط إحدى ساحاتها الرئيسية.
في تحقيق نشرته صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية حمل عنوان "المزيد من الصين، أقل من أميركا"، اشار الى "معركة القوى العظمى وكيف تضغط على الخليج العالق بين واشنطن وبكين"، مشيراً الى "ان دول الشرق الأوسط تكافح لتحقيق التوازن في العلاقات." فهل هذا يعني ان إعتماد الصين على نفط المنطقة وفي مقدمها المملكة سيندرج ضمن ساحات المواجهة بين واشنطن وبكين؟
في التقرير السنوي الصادر عن الكونغرس الأميركي حول الصين يضع موضوع إستيراد الصين لحاجاتها النفطية من العالم عموماً والشرق الأوسط خصوصاً في هذا السياق الاستراتيجي، ووفق جدول ورد في التقرير (صورة عنه مرفقة بالمقال) يضع المملكة العربية السعودية على رأس قائمة الموردين وفق إحصاءات العام 2019، وقد تبدّلت هذه الأرقام اليوم صعوداً ما يشير الى تطور الحاجات الصينية الى وقود المنطقة.
على ما يبدو، لم تقف دول الخليج العربي مكتوفة الايدي حيال هذا التجاذب بين الولايات المتحدة والصين وعملت ونجحت حتى الآن في نزع صفة المواجهة والانحياز عن التبادلات في سوق النفط عموماً والعلاقات بين الصين والخليج خصوصاً. من هنا جرى ربط تطور صادرات المملكة النفطية الى الصين بسياق روتيني بالأسواق العالمية ولاسيما عندما قررت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها، في إطار مجموعة أوبك+، في تموز/يوليو تخفيف تخفيضات الإنتاج وزيادة الإمدادات مليوني برميل يومياً إضافيين، وذلك برفع الإنتاج 0.4 مليون برميل يومياً كل شهر من آب/أغسطس إلى كانون الأول/ديسمبر. وفي تموز/يوليو، زاد إنتاج أوبك 640 ألف برميل يومياً إلى 26.66 مليون برميل يومياً. واستقرت واردات الصين من النفط الخام الروسي عند 6.53 ملايين طن في آب/أغسطس، بما يعادل 1.59 مليون برميل يومياً، مقابل 1.56 مليون برميل يومياً في تموز/يوليو. ولذلك يرجع الفارق الكبير وراء الإمدادات السعودية إلى قرار بكين خفض حصص واردات النفط الخام لشركات التكرير المستقلة التي تفضل مزيج إسبو الروسي.
بالعودة الى تحقيق الفايننشال تايمز، فإنه و"على مدى عقود، كان زعماء الخليج ينظرون إلى واشنطن باعتبارها الضامن لأمنهم، في حين كانت الولايات المتحدة تنظر إليهم باعتبارهم موردين موثوقين للطاقة العالمية، لكن واردات الولايات المتحدة من نفط المنطقة انخفضت بشكل ملحوظ على مدى السنوات العشر الماضية نتيجة لطفرة الغاز الصخري في أميركا الشمالية. وعلى النقيض من ذلك، ارتفع الطلب على النفط في آسيا، ومع تعميق العلاقات الاقتصادية، ازدهرت العلاقة بين الصين والخليج لتصبح علاقة اليوم أكثر بكثير من مجرد النفط الخام".
تجدر الإشارة الى تراجع أسعار النفط خلال تعاملات بداية هذا الأسبوع الجاري، لتواصل الخسائر من الأسبوع الماضي، بعد أن قفز الدولار الأميركي إلى أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع وزاد عدد منصات الحفر الأميركية، وذلك رغم أن ما يقرب من ربع إنتاج الولايات المتحدة في خليج المكسيك ظل متوقفاً بعد إعصارين.
غير إن "شبهة" تبدل الظروف التي تحيط بالعلاقات ما بين دول الخليج العربي في كل من الولايات المتحدة والصين صارت واضحة وفق ما ذكرت الفايننشال تايمز، وهذه "الشبهة" ظهرت "منذ أن بدأت الصين في توسيع نطاق تواجدها الاقتصادي والسياسي في جميع أنحاء الشرق الأوسط قبل عقدين من الزمن... وهو اتجاه تزامن مع التصور السائد في الخليج بأن المؤسسة السياسية الأميركية عازمة على فك الارتباط بالمنطقة، وهو شعور تفاقم بسبب انسحابها الفوضوي من أفغانستان في آب/أغسطس"، وفق الصحيفة البريطانية.
ربما يجدر القول، إن "الارتياب" الذي ظهر في تحقيق الصحيفة البريطانية يمثل وجهة نظر، إنما في الصورة الكبيرة، هناك معطيات إقتصادية وعلاقات عادية بين الدول، أشارت اليها مبكراً ورقة أصدرتها الحكومة الصينية بداية العام 2016 تنص على "المبدأ الموجه لتطوير العلاقات الصينية-العربية، وتقدم خطة للتعاون الصيني العربي متبادل المنفعة ،" فتحت عنوان "التعاون في مجال الطاقة الإنتاجية،" جاء في الورقة: "وفقاً لمبدأ التشغيل التجاري الموجه نحو السوق والذي تعمل فيه الشركات كلاعب رئيسي والحكومة كميسر، سنجمع بين ميزة الصين في القدرة الإنتاجية ومطالب الدول العربية، وننفّذ مع الدول العربية التعاون المتقدم والمناسب والفعال والموجه نحو العمالة والصديق للبيئة، وندعم الدول العربية في جهودها لتحقيق التصنيع".
كما ورد في الورقة الصينية تحت عنوان "التعاون في مجال الطاقة" الآتي:"سنقوم بالتعاون على أساس المعاملة بالمثل والمنفعة المتبادلة، وتعزيز ودعم التعاون الاستثماري مع الدول العربية في مجال البترول والغاز الطبيعي، وعلى وجه الخصوص، التعاون الاستثماري في التنقيب عن النفط واستخراجه ونقله وتكريره، وتعزيز التآزر بين خدمات تكنولوجيا هندسة حقول النفط، وتجارة المعدات، والمعايير الصناعية. وسنعزز التعاون في مجال الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهرمائية، وسنبني معاً مركز التدريب الصيني العربي الواضح على الطاقة ونطور التعاون الشامل في المجالات ذات الصلة".
قد لا يكون سهلاً تخليص العلاقات العادية بين الدول من شباك الصراع الناشب حالياً بين أكبر إقتصادين في العالم اليوم، لكن ما بين الخليج والولايات المتحدة قصة أكبر من أرقام في الصادرات النفطية من الخليج الى الصين. وفي الوقت نفسه، فإن ما بين الخليج والصين اليوم حقائق تعكس مبدأ سيادة الدول التي تعرف كيف تنأى بالمصالح عن حقول الغام السياسة.
واردات الصين من النفط الخام العام 2019
البلد | الحجم (ألف برميل في اليوم) | نسبة إجمالي الواردات |
السعودية | 1669 | 16% |
روسيا | 1555 | 15% |
العراق | 1037 | 10% |
أنغولا | 949 | 9% |
البرازيل | 804 | 8% |
سلطنة عمان | 678 | 7% |
الكويت | 454 | 4% |
الإمارات | 306 | 3% |
إيران | 296 | 3% |
كولومبيا | 263 | 3% |
دول أخرى | 2120 | 21% |
الإجمالي | 10131 | 100% |
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال