أين العرب من فرص الثورة الصناعية الرابعة؟
أين العرب من فرص الثورة الصناعية الرابعة؟
- د. مغاوري شلبي علي - القاهرة
هناك وافد جديد يكثر الحديث عنه في المحافل الدولية والعربية في السنوات الثلاث الأخيرة، يعرف بالثورة الصناعية الرابعة. وقد أصبحت جميع دول العالم، ومنها العربية، معنية بوضع الاستراتيجيات وتنفيذ السياسات والآليات اللازمة لمواكبة هذه الثورة، والعمل على مواجهة التحديات التي تفرضها على الاقتصادات وعلى مسيرة التنمية، وفي الوقت نفسه، الاستفادة من الفرص التي توفرها هذه الثورة لتحقيق التنمية المستدامة.
إن حساسية البعض في عالمنا العربي من كلمة "ثورة" جعلته يفضّل الابتعاد عن استخدام هذا المصطلح، والإشارة إلى ما يجري بأنه مجرد مرحلة جديدة من مراحل التطور في التقنيات الصناعية يتزايد فيها الاعتماد على الذكاء الصناعي وعلى الآلات ذاتية التشغيل والروبوتات. لكن بغض النظر عن الاختلافات حول المسميات والمفاهيم المرتبطة بهذه الثورة فإن الأمر الأهم في الدول العربية يبقى في كيفية مواكبة الوافد الجديد.
ينطلق الحديث عن الثورة الصناعية الرابعة من مجموعة تساؤلات يجب طرحها على راسمي ومتخذي القرارات في الدول العربية، تتعلق بأوضاع الاقتصادات العربية الراهنة ومدى مواكبتها للثورة الجديدة، ومدى استيعاب المجتمعات العربية، الصناعية والتجارية تحديداً، لهذه الثورة وما يرتبط بها من متغيرات وتحديات وفرص؟
الواقع والتحديات
لا شك أن المتابع للأوضاع الراهنة للاقتصادات العربية بقطاعاتها المختلفة، ومنها القطاع الصناعي يدرك بوضوح أن لحاق هذه الاقتصادات بقطار الثورات الصناعية لا يتم بشكل اتوماتيكي، بمعنى أن الاقتصادات العربية في تطورها الاقتصادي والصناعي ومواكبتها للثورات الصناعية الأربعة ليست كالطالب الذي ينتقل من المرحلة الابتدائية للمرحلة الإعدادية فالثانوية ثم الجامعية، حيث أن المراحل السابقة للثورة الصناعية (الأولى والثانية والثالثة) لم تصل إلى جميع القطاعات والمناطق في كل الاقتصادات العربية بنفس القوة والمستوى، فهناك تفاوت واضح بين هذه الاقتصادات، بل وتفاوت بين القطاعات الاقتصادية المختلفة داخل الدولة العربية الواحدة، وهذا بلا شك يخلق مزيد من التحديات والصعوبات أمام راسمي السياسات الاقتصادية والصناعية في البلدان العربية، وذلك لأنهم يحتاجون إلى استراتيجيات وسياسات من نوع خاص تتعامل مع قطاعات وصناعات متفاوتة وذات سرعات متعددة من حيث التكنولوجيا والانتاجية والدعم المطلوب لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة.
ثانياً، من المعروف أن القطاع الصناعي في الدول العربية يواجه العديد من التحديات أهمها: ضعف مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وضعف الوزن النسبي للصناعة في معدل النمو الاقتصادي، وضعف معدلات نمو الصناعات التحويلية، والتركيز على الصناعات المرتبطة بالنفط، كما أن هناك انخفاض واضح في مستوى الإنتاجية والكفاءة الاقتصادية في كثير من الصناعات العربية، وأهم تحدي هو انخفاض إنتاجية العامل في الصناعات التحويلية مقارنة بالصناعات الاستخراجية العربية، وذلك بسبب تدني كفاءة التكنولوجيا، وانخفاض مستوى تأهيل وتدريب العنصر البشرى في هذه الصناعات.
وإلى جانب التحديات الراهنة هناك تحديات جديدة التي بدأ القطاع الصناعي في الدول العربية يعاني منها ومن المتوقع تفاقمها خلال السنوات المقبلة - إذا ظلت الأمور على ماهي عليه – إذ تتركز المستجدات المصاحبة للثورة الصناعية الرابعة في استخدام الصناعات لإنترنت الأشياء، واستخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء الصناعي والروبوت، وتوفير البيانات الضخمة عن الصناعات المختلفة وزيادة الطلب على خدمات تحليل البيانات الصناعية، واستخدام المنصات الوطنية المتكاملة للصناعات، وتوفير الحماية للصناعات المختلفة من الهجمات الإلكترونية. وعليه فإن معظم الدول العربية لا يزال قاصراً ولا يملك الأساسات اللازمة للانتقال من الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد الرقمي.
الآثار المتوقعة والخلاصة
لا يمكن الجزم بأن مجمل أثار الثورة الصناعية الرابعة ستكون سلبية على الصناعة في الدول العربية، ولا يمكن التعميم في هذا المجال على كل الدول العربية، حيث أن الأثار ستكون مزيجاً بين الإيجابي والسلبي، كما انها ستكون متفاوتة بين دولة عربية وأخرى بحسب طبيعة الوضع الراهن للصناعة، ولكن بصفة عامة ستتمثل هذه الأثار على التكنولوجيا وكفاءة التشغيل في الصناعة إذ سيؤدي ذلك إلى تزايد الاعتماد على الروبوت وعلى المعدات ذاتية التشغيل وعلى التكنولوجيا المتقدمة وعلى الذكاء الاصطناعي، في معظم الصناعات إلى تراجع الطلب على التقنيات الصناعية التقليدية، كذلك سيتأثر عنصر العمل بشكل واضح بالثورة الصناعية الرابعة وبالتحول نحو الاقتصاد الرقمي، حيث سيؤدي هذا التحول إلى اختفاء بعض الوظائف خصوصاً البسيطة منها ومحدودة المهارات، في المقابل سيزيد الطلب على الوظائف ذات المهارات الرقمية، ووظائف تحليل البيانات، وبالإضافة إلى ذلك هنالك الآثار على التنافسية وتحقيق التنمية الصناعية العربية المستدامة، وهنا يؤكد العديد من المؤشرات أن الثورة الصناعية الرابعة ستؤدي إلى رفع التنافسية وزيادة فرص تحقيق الاستدامة في قطاع الصناعة من خلال التكنولوجيا الحديثة التي ستقدم منتجات جديدة ومنتجات ذكية، كما ستوفر فرصاً ذهبية لقطاع الصناعة في الدول العربية لاستخدام الطاقة التقليدية بمعدلات أقل، واستخدام طاقة نظيفة ومستدامة بتكاليف أقل، ما يحقق مراعاة البعد البيئي ويرفع القدرة التنافسية للمنتجات الصناعية
في المحصلة فإن متابعة تجارب الدول الفاعلة والرائدة في مجال التحول إلى الاقتصاد الرقمي ومواكبة الثورة الصناعية الرابعة تؤكد أن الدول العربية تحتاج إلى حزمة من المتطلبات لكي تحقق تقدّماً في هذا المجال، أهمها إنشاء أطر مؤسسية وطنية متخصصة للإشراف على تنفيذ السياسات والإجراءات الخاصة بالتحول إلى الاقتصاد الرقمي ومواكبة الثورة الصناعية الرابعة وتنسيق الجهود بين الجهات المعنية، ووضع استراتيجيات وطنية. كذلك تحتاج إلى العمل على إرساء إطار تشريعي يلاءم الاقتصاد الرقمي والصناعة الرقمية، لضمان عدالة المنافسة، وضرورة تشاور الحكومات العربية مع القطاع الخاص لتشجيع الصناعات على مواكبة الثورة الصناعية الرابعة من خلال حزمة من السياسات الصناعية والتجارية تشجع التحديث التكنولوجي والتحول الرقمي في الصناعات العربية.
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال