المهاجرون يقرعون أبواب أوروبا: فتّش عن المناخ!
المهاجرون يقرعون أبواب أوروبا: فتّش عن المناخ!
- أحمد عياش
قفزت حالياً وفجأةً إلى واجهة الاهتمام قضية اللاجئين الذين يطرقون أبواب القارة الأوروبية. هل يبدو طرح السؤال حول صلة ما، لهذه القضية، بقمة المناخ الدولية في غلاسكو الأخيرة، في محله؟ قبل الإجابة على هذا السؤال لاحقاً، لم تكن الصورة كذلك في الاتحاد الأوروبي بالأمس على الحدود البولندية مع بيلاروسيا حيث تصدّرت صور نحو 2000 مهاجر، فيما حشدت بولندا 15 ألف جندي للوقوف في مواجهة الموجة الجديدة من تدفق المهاجرين، واتهم الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة، على مدى أشهر زعيم بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، بإثارة أزمة لاجئين في أوروبا.
تشير صحيفة "النيويورك تايمز" الى ان أزمة الهجرة في العام 2015، عندما اندفع ملايين المهاجرين وطالبي اللجوء عبر حدود أوروبا، كادت أن تمزق الاتحاد الأوروبي، وقدّم العديد من الأعضاء اللجوء للاجئين؛ وآخرون، مثل بولندا والمجر، لم يرغبوا في أي جزء منه.
وكانت بداية الأزمة الجديدة في أواخر آب/أغسطس، عندما بدأت مجموعات متنامية من المهاجرين، ومعظمهم من الشرق الأوسط، في التجمع على حدود بولندا ولاتفيا وليتوانيا، التي رعتها بيلاروسيا هناك، وقد أصبحت هذه الحركة الآن أكبر بكثير، حيث حوصر ما لا يقل عن 4000 رجل وامرأة وطفل في البرد القارس، من دون مأوى أو مراحيض مناسبة، بين بيلاروسيا وجيرانها.
لكن هل أزمة المهاجرين الجدد كامنة في السياسة؟ أم أن هناك تفسيراً آخر؟
بالطبع ومن دون القفز فوق مبدأ "أن أهل مكة أدرى بشعابها"، لا بدّ من الانتباه إلى أن هؤلاء البائسين العالقين في ظروف لا إنسانية على تلك الحدود في أوروبا، قد وصل معظمهم إليها، كما سلف، من الشرق الأوسط، وتحديداً من العراق وسوريا حيث تصاعدت المخاوف من موجة جفاف بدأت تطلّ بوجهها القاسي في هذه المنطقة. فقد حذّر مسؤولون عراقيون من أن نقص المياه في البلاد كما إن قلة الأمطار، بخاصة في المحافظات الجنوبية، أضرّت بشدة بالزراعة، مما يشكل خطر اندلاع نزاع دموي على مياه الري. ويواجه العراق موجات جفاف غير مسبوقة، وتقول السلطات إن المشكلة تفاقمت بسبب بناء سدود المنبع، مما أدى إلى انخفاض كبير في حجم مياه الأنهار التي تتدفق إلى العراق من تركيا وإيران.
وفي الأردن، تسبّب جفاف سد الوالة بتدمير الكثير من المحاصيل الزراعية ونفوق الكثير من الأسماك التي تُربى في المنطقة، الأمر الذي أثّر على سكان المناطق المحيطة الذين يعتمدون على مياهه للزراعة وتربية الماشية والأسماك.
أما في سوريا، وفي تقرير أوردته صحيفة "التايمز" تحت عنوان: "حروب المياه في مهد الحضارة: المأساة السورية المقبلة"، ورد أن نهر الخابور المتصل بالفرات، والذي كان يفيض بالمياه قبل بضع سنوات لدرجة أنه كان بمثابة خط أمامي لا يمكن اختراقه في الحرب بين الدولة الإسلامية والأكراد والمسيحيين قد اختفى الآن، ويضيف أن السكان الذين فرّوا خلال الحرب لم يعودوا لزراعة الأرض وأن الصحراء تنتشر مع انتشار جفاف مدمر في جميع أنحاء سوريا.
وفي تقرير صادر عن وكالات الإغاثة في آب/أغسطس الماضي، أن خمسة ملايين شخص في سوريا وسبعة ملايين في العراق "يفقدون" الوصول إلى المياه، وينهار إنتاج القمح في كلا البلدين. وحذّرت هذه الوكالات، من أن هروب المزارعين من الأرض سيؤدي في النهاية إلى أزمة لاجئين جديدة، حيث يبحث السكان عن فرص للعيش في أماكن أخرى، ليصبحوا بذلك "أمثلة حية للهجرة الناتجة عن تغير المناخ".
وقال كارستن هانسن، المدير الإقليمي لمجلس اللاجئين النرويجي لـ"التايمز": "مع استمرار نزوح مئات الآلاف من العراقيين وما زال كثيرون في سوريا يفرون للنجاة بحياتهم، ستصبح أزمة المياه التي تتكشف، كارثة غير مسبوقة تدفع الى المزيد من النزوح".
في مقال كتبه المعلق المعروف توماس فريدمان في "النيويورك تايمز" حول قمة الأمم المتحدة للمناخ في غلاسكو، قال إنه واجه هناك "مشاعر مختلطة للغاية"، ويضيف: "بعد أن كنت في معظم مؤتمرات القمة المناخية منذ بالي (أندونيسيا) في العام 2007، شعرت بالرعب من طاقة جميع الشباب في الشوارع مطالبين بأن نرقى إلى مستوى تحدي الاحترار العالمي وبعض الإصلاحات التكنولوجية والسوقية الجديدة المدهشة التي يقترحها المبتكرون والمستثمرون".
وخلص الى القول: "كان هناك سؤال واحد يحوم حول كل وعد يخرج من هذه القمة: عندما ترى مدى صعوبة جعل الحكومات مواطنيها يضعون قناعاً في المتاجر، أو يحصلون على التطعيم، لحماية أنفسهم وجيرانهم وأجدادهم من التعرض للأذى أو القتل على يد كوفيد-19، كيف سنحصل في العالم على أغلبية كبيرة للعمل معاً على الصعيد العالمي وتقديم تضحيات نمط الحياة اللازمة للحدّ من الآثار المدمرة المتزايدة للاحترار العالمي - التي توجد علاجات لها ولكن لا يوجد لقاح لها؟ هذا هو التفكير السحري، وأنه يتطلب استجابة واقعية".
على هامش قمة غلاسكو، برز صوت عالم نظام الأرض يوهان روكستروم، مدير معهد "بوتسدام لأبحاث التأثير المناخي"، فقد لاحظ روكستروم تطوّر مجموعة أدوات مذهلة للحفاظ على درجات الحرارة، من تقلب حار جداً أو بارد جداً، والحفاظ على الحياة في هذا المناخ، ما جعله جنة عدن التي استمتع بها البشر على مدى السنوات الـ 11000 الماضية أو نحو ذلك - والتي مكنتها من بناء الحضارة.
واستدرك قائلاً:"كوكبنا يمكن أن يذهب من نظام التبريد الذاتي، الاعتدال الذاتي إلى نظام الاحترار الذاتي. وإذا حدث ذلك، فإن التكيف سيكون كفاحاً يومياً من أجل البقاء لمئات الملايين من الناس".
واختتم روكستروم حديثه بالقول: "لدينا أدلة أكثر وأكثر على أن الكوكب أكثر هشاشة مما كنا نعتقد".
مرة أخرى، نعود الى أزمة المهاجرين الجدد التي تقض حالياً مضجع الاتحاد الأوروبي. قبل أعوام كانت الحروب، ولاسيما في سوريا وراء تدفق مئات الآلاف من اللاجئين على القارة الأوروبية. لكن لا بدّ من الإقرار اليوم أن حرباً أشد ربما اسمها تبدل المناخ تدفع الى الهجرة من جديد.
الأكثر قراءة
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال
-
صندوق النقد الدولي يحذر من النمو المتسارع للديون العالمية: لإجراءات عاجلة تكبح نموها
-
"بيورهيلث القابضة" الإماراتية تسجل صافي أرباح بقيمة 1.4 مليار درهم في 9 أشهر