أعمال اليوم الأول لقمة المناخ تكشف الانقسام بين الدول النامية والغنية

  • 2022-11-08
  • 18:47

أعمال اليوم الأول لقمة المناخ تكشف الانقسام بين الدول النامية والغنية

السعودية والإمارات وعمان مهدت لحضور القمة بالتزام وقف الانبعاثات في حلول 2050

  • "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال"

 

رسم اليوم الأول لقمة المناخ المنعقدة في شرم الشيخ والكلمات التي قدمت للاجتماعات التالية صورة قاتمة عن التعاون الدولي في مواجهة التغير المناخي والمصالح العديدة المتعارضة التي يحاول بيروقراطيو المناخ في الأمم المتحدة التقريب بينها، لعل ذلك يعزز الحظوظ في تحقيق الأهداف المرسومة وخصوصاً الحدّ من الانبعاثات في الدول الغنية ومساعدة الدول النامية والفقيرة على المساهمة في المجهود الدولي وتحقيق التحول التدريجي إلى الطاقة النظيفة في اقتصادها.

الحدث الأبرز الذي رافق افتتاح أعمال مؤتمر شرم الشيخ كان نشر الأمم المتحدة لتقرير يؤكد أن الدول النامية في حاجة إلى تريليون دولار وذلك لتوفير التمويلات اللازمة لتنفيذ التزاماتها المتعلقة بمواجهة التغير المناخي والتحول إلى مصادر الطاقة النظيفة. وحسب التقرير، فإن هذه الأموال لا يمكن للدول النامية التي تنوء تحت أعباء الديون والعجز المالي أن توفرها، بل ينبغي وفق معاهدات المناخ الدولية أن تقدمها الدول الغنية والشركات المالية الدولية والمستثمرين الكبار وبنوك التنمية الدولية، والأهم من ذلك أن هذه الأموال يجب حسب تقرير للأمم المتحدة أن يتم توفيرها قبل نهاية العقد الحالي أي في غضون السنوات الثماني المقبلة.

ويمثل هذا الرقم في الحقيقة المجموع المتوقع في حال وفاء الدول الغنية بالتزامها توفير 100 مليار دولار سنوياً لدعم جهود الدول النامية في استيعاب آثار التحول المناخي، لكن كما هو معلوم، فإن هذه الأموال لم يتم عبر السنوات تسديد سوى جزء بسيط منها يقل عن 10 في المئة من التعهدات.

وقال تقرير الأمم المتحدة إن المجموع الفعلي للاستثمارات التي تحتاجها الدول النامية يقارب 2.4 تريليون دولار من الاستثمارات والمساعدات. وقال التقرير إن الزيادة الأكبر في التمويلات يجب أن تأتي من المصادر الخارجية على أن يأتي الباقي من القطاعين العام والخاص. ودعا التقرير إلى مضاعفة تقديمات بنوك التنمية 3 مرات وكذلك زيادة القروض السهلة لصناديق التنمية، وبالطبع يمثل تقرير الأمم المتحدة صورة عن الانفصال الواضح لبيروقراطية المناخ في المنظمة الدولية عن الواقع الحقيقي إذ إن هناك فارقاً كبيراً بين تقدير الحاجات وبين تقدير الوضع الدولي والآليات السياسية التي تحكم في النهاية قرارات الحكومات والقطاعات المالية في شأن التغير المناخي.

وفي تقرير يعكس مدى المراوحة والتباين بين التصريحات والخطب الرسمية وبين السياسات الفعلية اعتبر محللون ماليون أن الأمل بأن تسجل قمة المناخ في شرم الشيخ تقدماً فعلياً، في ما يتعلق بتوفير التمويلات لجهود المناخ ضعيفة للغاية، واعتبر هؤلاء أن من بين أهم أسباب الفشل المتوقع لقمة المناخ 27 الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة أسعار  الطاقة والتوترات المتصاعدة في العلاقات الدولية، وكلها عوامل بدلت في أولويات الحكومات العالمية وأعادت النقاش حول كبح التغير المناخي إلى مرتبة متدنية في ترتيب تلك الأولويات.

التمويل المفقود

في الوقت نفسه، بدا واضحاً أن التعويل على قيام الدول الفقيرة بالتضحية بالموارد القليلة التي قد تتوافر لها للاستثمار في احتواء التغير المناخي غير واقعي لأن الدول النامية في وضع صعب جداً وهي أعلنت بوضوح على لسان رئيس السنغال مثلاً أنها ليست مستعدة لتقديم أولويات المناخ على حاجتها للتنمية وللطاقة الرخيصة. وعبّرت كلمات الدول النامية كلها عن موقف مماثل، إذ ركزت على أنها لن تبادر إلى دعم المجهود المناخي ما لم تقدم الدول الغنية التمويلات اللازمة لتحقيق الانتقال إلى الطاقة النظيفة.  

هذا التشاؤم في إمكان التوصل إلى نتائج ملموسة بدا واضحاً أيضاً في تصريحات قادة المؤسسات المالية والمصارف الدولية الذين قالوا إنهم يحتاجون إلى سياسات حكومية واضحة تساعد المؤسسات المالية على وضع خططها بشأن التغير المناخي. 

نكوص أوروبي

وكان هؤلاء يشيرون إلى تراجع الدول الأوروبية عن العديد من التعهدات التي كانت التزمت بها في مؤتمرات سابقة، إذ لجأ بعض هذه الدول إلى اعتماد الفحم مجدداً لتوليد الطاقة الكهربائية وذلك كنتيجة لتوقف إمدادات الغاز الروسي، وهذا في عكس التوجه الذي دعا إليه مؤتمر المناخ السابق في غلاسكو بالتوقف التام عن استخدام الفحم كمصدر للطاقة. وقال خبراء حضروا المؤتمر إن المأزق الحالي يمكن أن يعزز التوجه العالمي نحو الطاقة النووية كمصدر للطاقة النظيفة خصوصاً مع التطور الكبير الذي شهدته هذه التكنولوجيا لجهة الفعالية وأنظمة التشغيل الآمن.

تركيز على الالتزام بالعهود

ونظراً إلى المصاعب التي تواجه أجندة المناخ، فقد حرصت الأمم المتحدة التي تتولى التحضير لقمة السنة الحالية على التركيز هذا العام على شعار "تطبيق الالتزامات القائمة" بدلاً من السعي للحصول على التزامات جديدة، كما تبنى رئيس منظمة الأمم المتحدة الجديد للمناخ وهو موظف حكومي سابق في جمهورية كاريبية صغيرة على تبني لهجة تتصف بشيء من الشدة في مخاطبة دول العالم الـ 194 المنضمين إلى معاهدة المناخ طالباً منهم أن يفوا بعهودهم.. وعلى العموم، فقد سلط مؤتمر شرم الشيخ الضوء على الهوة الكبيرة التي تفصل في موضوع المناخ الدول الغنية عن الدول الفقيرة وهي هوة لن يكون ممكناً تضييقها في المدى القريب بالنظر الى الظروف الدولية الجيوسياسية والاقتصادية.

يبقى أن دول الخليج سبقت حضورها لقمة شرم الشيخ بسلسلة من الإعلانات الإيجابية التي تبنت فيها أهدافاً متقدمة على صعيد وقف الانبعاثات أو سياسة (صفر انبعاثات) بحلول العام 2050، ولفت في هذا المجال إعلان المملكة السعودية تقديم موعد تحقيقها للحياد الكربوني أو صفر انبعاثات من العام 2060 إلى العام 2050 وهو ما يجعلها في صف واحد مع بقية دول الخليج كما إنه يظهر أن التسريع اللافت في مشاريع الطاقة النظيفة السعودية والزيادة الكبيرة التي استحدثت مؤخراً في الطاقة المخططة لمشاريع الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح) عززا ثقة القيادة السعودية بإمكان تحقيق الحياد الكربوني قبل حلول الموعد السابق (2060) وبالتحديد في حلول العام 2050.