لم يتحقق ما خطط له العالم في اتفاقية باريس من الأهداف التي تم التوصل إليها في COP21 في العام 2015، للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة. لكن ذلك لم يمنع من إحراز تقدم يتعلق بالسيطرة على انبعاثات الغازات الدفيئة، وتحديداً ما يتعلق بغاز ثاني أوكسيد الكربون، ما فتح الباب أمام العمل لكبح اضرار غاز الميثان. وهذا هو بالتحديد ما ينتظره العالم من قمة المناخ COP28 التي انطلقت أعمالها في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر في دولة الامارات العربية المتحدة. ولم تكتف الدولة المضيفة بالقيام بواجبات رعاية فعاليات قمة الأمم المتحدة فحسب، وانما أعلنت عن مبادرة هي في صلب تحقيق الأهداف النهائية للقمة.
تحت عنوان "صندوق إماراتي يستثمر مليارات الدولارات في شركات أميركية لمشاريع مناخية"، كتبت النيويورك تايمز انه من المتوقع أن يستثمر صندوق أبو ظبي ما لا يقل عن 30 مليار دولار في مشاريع المناخ مع بعض أكبر الأسماء في التمويل في أميركا الشمالية.
وأتت هذه الخطوة في الوقت المناسب لكي تقول الإمارات العربية المتحدة، انها بالإضافة الى كونها دولة منتجة رئيسية للنفط، تستطيع العمل وفق التزام ثابت بمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري.
وبدأت لونيت كابيتال، وهي شركة مالية جديدة تشرف عليها أبوظبي، قبل أشهر فقط بأصول لا تقل عن 50 مليار دولار، وهي ماضية في إنشاء صندوق المناخ الجديد مع مجموعة من مديري الأصول البارزين بما في ذلك TPG و BlackRock و Brookfield Asset Management ، حسبما قالت الجهات الثلاث.
وسيخصص 20 في المئة على الأقل من الأموال لمشروعات في العالم النامي حيث يصعب بشكل خاص تمويل مشروعات الطاقة النظيفة لأن أسعار الفائدة مرتفعة ويحجم المقرضون عما يعتبرونه استثمارات محفوفة بالمخاطر.
في حين أن الإمارات العربية المتحدة هي واحدة من أكبر منتجي النفط في العالم، إلا أنها تستثمر بكثافة في الطاقة المتجددة. وعلى الرغم من ان رئيس شركة النفط الحكومية الإماراتية، سلطان الجابر، هو أيضاً رئيس مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ.
وفي حين أن مبلغ 30 مليار دولار هو مبلغ كبير، إلا أنه لا يمثل سوى جزء بسيط من رأس المال الذي يقول الخبراء إنه ضروري لمساعدة الدول على إبطاء تغير المناخ والتكيف مع عالم سريع الاحترار.
في الواقع، هناك مطلوب كمية الأموال اللازمة لتحويل العالم بعيداً عن الوقود الأحفوري وبناء اقتصاد نظيف ضخم بشكل مذهل - نحو 3.8 تريليونات دولار سنوياً في السنوات القليلة المقبلة فقط، وفقاً لمجموعة بوسطن كونسلتينج جروب، كذلك مطلوب تريليونات عدة أخرى بعد ذلك، ولا يتم حالياً تلبية سوى جزء بسيط من هذه الحاجة.
ولكن مع مرور كل شهر، يضخ المزيد من مديري الأصول في جميع أنحاء العالم الأموال في استثمارات تهدف إلى الحدّ من انبعاثات الاحتباس الحراري الناتجة عن حرق النفط والغاز والفحم.
والآن، ماذا يمكن توقعه في محادثات الأمم المتحدة حول المناخ؟ تجيب الفايننشال تايمز: "من بين عشرات الآلاف من الأشخاص الذين حضروا إلى دبي، هناك المفاوضون الذين سيمضون حتى 12 كانون الأول/ديسمبر الحالي ساعات طويلة في المساومة حول كيفية الحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري. غالباً ما تكون محادثات مؤتمر الأطراف منقسمة. ومن المتوقع أن يتجادل الدبلوماسيون هذا العام حول ما إذا كان ينبغي التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري ومن يجب أن يساعد الدول الفقيرة على دفع ثمن الأضرار المناخية".
ووفق الصحيفة البريطانية "يشعر العلماء بقلق متزايد بشأن الاحترار السريع والظواهر الجوية المتطرفة المتكررة التي يدفعها، ولكي يحقق العالم أهداف اتفاقية باريس، يقول علماء من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة الآن إن انبعاثات غازات الدفيئة يجب أن تنخفض بنسبة 43 في المئة في حلول العام 2030 مقارنة بعام 2019. ونتيجة لذلك، فإن جزءاً مهماً من جدول أعمال COP28 هو "التقييم العالمي" للتقدم الذي أحرزته البلدان نحو خفض الانبعاثات. ومن المتوقع أن توضح قمة هذا العام، أن العالم ليس على المسار الصحيح للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بالقدر المتفق عليه في باريس، وأن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود".
كذلك، من المتوقع أن يوقع المشاركون العالميون في COP28 على وثيقة تقيس مدى تقدم العالم في الحدّ من الانبعاثات بما يتماشى مع هدف اتفاقية باريس المتمثل في الحد من الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية. وستحتاج البلدان بعد ذلك إلى الاتفاق على مسارات للسيطرة على الانبعاثات، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة الصادر هذا الشهر، يتجه العالم إلى ارتفاع درجة الحرارة بين 2.5 درجة مئوية و 2.9 درجة مئوية ويجب عليه اتخاذ إجراءات عاجلة".
وعلى الرغم من أن ما يقرب من 200 دولة وعدت بوضع خطط لصافي انبعاثات صفرية، فإن العديد منها يضع أهدافاً بحلول العام 2050. وقال تقرير الأمم المتحدة إن العالم "ليس على المسار الصحيح".
وستتاح لدولة الإمارات العربية المتحدة، الفرصة، بصفتها الدولة الرئيسة لتشكيل نتائج هذه المحادثات. ووافقت الدول على إنشاء صندوق لمساعدة العالم النامي على معالجة ويلات تغير المناخ عندما اجتمعوا في مصر العام الماضي، ولكن في COP28، سيتعيّن على الحكومات إنشاء الصندوق فعلياً وملئه بالنقد. كانت المحادثات حول الصندوق قبل COP28 محفوفة بالمخاطر، مع تصاعد التوترات بين الدول المتقدمة والنامية حول من يجب أن يدفع فيه، ومن يجب السماح له بالمطالبة بالأموال منه. وقد جادلت البلدان النامية بأن العالم المتقدم، المسؤول عن نحو 80 في المئة من انبعاثات الكربون، يجب أن يدفع للصندوق، وقد رفضت الولايات المتحدة وغيرها الاقتراح القائل بضرورة إلزام أي دولة بالدفع.
وينص اتفاق أولي متفق عليه، على أن صندوق الخسائر والأضرار "سيدعو إلى تقديم مساهمات مالية مع استمرار الأطراف من الدول المتقدمة في أخذ زمام المبادرة لتوفير الموارد المالية"، ولكن هذا سيحتاج إلى دعم من جميع البلدان البالغ عددها 200 بلد تقريباً واعتماده في مؤتمر الأطراف. وتظل الأسئلة مفتوحة بشأن مقدار الأموال التي سيتم التبرع بها للصندوق ومن يدفع فيه. وقال جون كيري، مبعوث المناخ الرئاسي الأميركي، إن الولايات المتحدة ستلتزم "بملايين عدة من الدولارات"، وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم "مساهمة كبيرة".
في أي حال، ستتعرض الدول الغنية لضغوط للوفاء بالتعهدات الحالية لمساعدة البلدان الفقيرة على التكيف مع ظاهرة الاحتباس الحراري - بما في ذلك الالتزام الذي تم التعهد به في COP26 في غلاسكو بإنفاق 40 مليار دولار سنوياً في تمويل التكيف بحلول العام 2025. ووجد تقرير حديث للأمم المتحدة أن البلدان النامية تحتاج إلى ما يصل إلى 387 مليار دولار سنوياً للتكيف مع تغير المناخ. ولكن هناك "فجوة" تبلغ نحو 360 مليار دولار بين الأموال المطلوبة والمبلغ الذي يتم إنفاقه.
ماذا عن غاز الميثان وغازات الدفيئة الأخرى؟ اتفقت الولايات المتحدة والصين قبل COP28 على حشد الدول الأخرى لعقد قمة حول الميثان، وهو غاز قوي للاحتباس الحراري، كما اتفقت واشنطن وبكين على إدراج مجموعة أوسع من انبعاثات غازات الدفيئة في جولتهم التالية من الأهداف المناخية.
وعلى الرغم من أن الصين رفضت حتى الآن الانضمام إلى تعهد الميثان العالمي - وهو اتفاق واسع ما بين 150 دولة لخفض انبعاثات الميثان بشكل جماعي بنسبة 30 في المئة بحلول العام 2030 - فقد أعلنت أنها ستتبع وتقلل من انبعاثات الميثان. ومع ذلك، لم تحدد أي أهداف أو جداول زمنية. ويقول المسؤولون الأميركيون إنهم يأملون في الإعلان عن تمويل إضافي لمعالجة انبعاثات الميثان في COP28.
وعلى طريقة "روما من فوق وروما من تحت"، اطل الموقف البريطاني في قمة المناخ في الامارات. فقد ناشد الملك تشارلز الثالث قادة العالم إحراز تقدم في جدول أعمال المناخ العالمي.
وقال الملك، الذي قضى معظم حياته البالغة في حملة حول البيئة: "لقد حذر العلماء لفترة طويلة، ونحن نشهد الوصول إلى نقاط تحول مقلقة"، محذراً من أن الفشل في كبح جماح الانبعاثات سيؤدي إلى كارثة.
وبدت تصريحات تشارلز، الذي يعتبر دوره كرئيس لبريطانيا شرفياً إلى حد كبير، متعارضة مع حكومته. فقد تراجع رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الذي كان من المتوقع أن يعلن في COP28 عن 1.6 مليار جنيه إسترليني في تمويل المناخ، عن العديد من الإجراءات المحلية التي وضعتها الحكومات السابقة لمساعدة البلاد على تحقيق أهدافها لعام 2050 الصافية الصفرية.
في المقابل، نشرت الأمم المتحدة مسودتها الأولى لما يمكن أن يكون بمثابة نموذج لاتفاق نهائي من قمة COP28. وتقدم المسودة "لبنات بناء" لنتيجة سياسية وتتضمن خيارات عدة لمعالجة واحدة من أكثر القضايا الشائكة في القمة: تحديد ما إذا كان ينبغي للوقود الأحفوري أن يلعب دوراً في المستقبل وإلى أي مدى.
يتضمن أحد الخيارات تضمين التزامات بالتخلص التدريجي أو التخلص التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري، والإقلاع عن طاقة الفحم ومضاعفة قدرة الطاقة المتجددة ثلاث مرات في حلول العام 2030.
ومن المطروح أيضاً للمناقشة ما إذا كان سيتم الإلغاء التدريجي لدعم الوقود الأحفوري، الذي بلغ مجموعه نحو 7 تريليونات دولار في العام الماضي، وما إذا كان سيتم تضمين أحكام لتكنولوجيا احتجاز الكربون وإزالته.
هل من آمال يمكن عقدها منذ الآن على ما يمكن ان تنتهي اليه قمة المناخ الحالية؟
اعطت التطورات الأخيرة بصيصاً من الأمل. فقبل أسبوعين، اتفقت الولايات المتحدة والصين، أكبر ملوثيّن في العالم، على تسريع الجهود لتكثيف مصادر الطاقة المتجددة لتحل محل الوقود الأحفوري، على الرغم من أنهما لم يقدما جدولاً زمنياً أو تفاصيل أخرى. وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هذا الشهر إن الدول الغنية ربما تكون قد أوفت أخيراً بتعهدها بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول النامية على التكيّف مع تغير المناخ، وإن كان ذلك متأخراً أربع سنوات.
كان سليم الحق عالماً بنغلاديشياً، حضر كل مؤتمر على الإنترنت منذ الحدث الافتتاحي في برلين في العام 1995، وقد ساعد السيد حق في دفع فكرة أن البلدان الغنية يجب أن تساعد البلدان الفقيرة على التعافي من الكوارث المناخية من مفهوم أخلاقي إلى واقع سياسي.
لكن السيد حق كان لا يزال ينتظر إحراز تقدم على هذه الجبهة عندما توفي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي عن عمر يناهز 71 عاماً.
وفي مقال افتتاحي نشر بعد وفاته، دعا السيد حق قادة العالم إلى مضاعفة جهودهم في دبي. وجاء في المقال: "بينما يستعد العالم لـ COP28، يقع العبء على قادة العالم والشركات والأفراد للارتقاء إلى مستوى المناسبة والدفاع عن قضية العدالة المناخية".
على ما يبدو، ان رئيس قمة المناخ سلطان جابر كان يجيب بطريقة ما على ما طرحه العالم البنغلاديشي الراحل، عندما حث في افتتاح اعمال القمة الدول على العمل مع شركات النفط للتوصل إلى أرضية مشتركة.