الاقتصاد الدائري: فرصة للاقتصاد والبيئة
الاقتصاد الدائري: فرصة للاقتصاد والبيئة
- حنين سلّوم
مع تزايد مخاطر التغير المناخي واستنزاف الموارد بسبب الأنشطة البشريّة والممارسات التجاريّة، اكتسبت الاستدامة أهميّة واسعة وبرز مصطلح الاقتصاد الدائري، أو الدائريّة، كأحد أبرز العوامل المؤدية إلى التنمية المستدامة.
وبخلاف الاقتصاد التقليدي السائد منذ الثورة الصناعيّة، والذي يرتكز على منهجيّة: صنّع، استخدم، وتخلّص. يقوم الاقتصاد الدائري على الحد من الهدر، ويهدف إلى الاستخدام المستمر للموارد لإنشاء حلقة مغلقة.
وفي ضوء ما تقدّم فإن اعتماد الدائريّة (الاقتصاد الدائري)، سيشكّل ثورة من حيث استخدام المواد الأوليّة وسيساهم بخفض الأضرار البيئيّة كما سيكون له انعكاسات ايجابيّة على الاقتصاد ككل. إذ من المتوقع أن تصل فوائده الاقتصادية إلى ما يوازي 2 تريليون دولار في الاتحاد الأوروبي وحده بحلول العام 2030 وفقاً لتقرير نشرته ماكينزي (في سبتمبر 2015)، كذلك من المرجّح أن يؤمّن نحو مليوني فرصة عمل. فضلاً عن ذلك، ستساهم الدائريّة بابتكار تقنيّات جديدة إذ ستخلق فرص استثمار للقطاع الخاص الذي بإمكانه توسيع نطاق تطبيق الحلول المبتكرة بفضل استطاعته التأثير على المستهلكين من جهة، وعلى الموردين من جهة أخرى، من خلال تعديل سلاسل التوريد.
ولكن، لتحقيق ما سلف، تجدر الإشارة إلى أهمية دور الحكومات في وضع التشريعات والقوانين اللازمة التي من شأنها تشجيع الدائريّة من خلال وضع حوافز مثل فرض الضرائب على المخالفين كضريبة الكربون مثلاً.
ما هو الاقتصاد الدائري؟
وبخلاف النظرية السائدة بأنّ الاقتصاد الدائري يقوم على إعادة التدوير فقط، إلا أنه في الواقع يقوم على مبدأ فصل عاملين لطالما كانا مرتبطين وهما خلق القيمة من جهة، واستهلاك الموارد من جهة أخرى بحيث تصبح المنتجات المصنّعة ذات قيمة إضافية أساسيّة، انتاجيّة أعلى، تصلح للتجديد وللاستخدام المستمر مع التخفيف من استهلاك الموارد. وتشكّل إعادة التدوير الحلقة الأقل جاذبيّة في الاقتصاد الدائري لأنّها أفضل من التخلص من المنتجات، لكنّها لا تضيف إلى قيمتها الأساسيّة.
في المختصر، إنّه الاقتصاد المتجدد بفضل تصميمه والذي يهدف إلى استخدام وإعادة استخدام الموارد والمنتجات بأكبر قدر ممكن من الكفاءة خلال دورة حياة (life cycles) المنتجات وهو قائم على ثلاثة أركان:
أولاً، التخلص والتخفيف من الهدر والتلوث: يهدف الاقتصاد الدائري إلى التخلص من الآثار السلبيّة للنشاط الاقتصادي بدلاً من التقليل منها فقط. وهو لا يقتصر فقط على الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتلوث بل يشمل أيضاً الحد من النفايات الهيكليّة (structural waste) مثل الازدحام المروري.
ثانياً، الاستخدام المستمر للمنتجات والموارد وذلك بدلاً من استهلاكها وتلفها: يدعم الاقتصاد الدائري الأنشطة التي تخلق القيمة وتحافظ عليها مثل تصميم منتجات ذات متانة، إعادة استخدامها أو ترقيتها (upgrade)، إعادة تصنيعها، وأخيراُ إعادة تدويرها.
ثالثاً، تجديد الأنظمة الطبيعيّة وتحسينها بدلاً من حمايتها فقط: يتجنّب الاقتصاد الدائري استخدام الموارد غير المتجدّدة كما يحافظ على الموارد المتجدّدة ويعزّزها مثل استخدام الطاقة المتجدّدة بدلاً من الاعتماد على الوقود.
لماذا التحول إلى الدائريّة؟
في حين لا يزال البعض يتساءل عن أسباب التحول إلى الاقتصاد الدائري، إلّا أنّها باتت عديدة ومصيريّة. فمع تزايد عدد السكان، ارتفع الطلب على المواد الخام في حين أنّ توريد هذه المواد الأساسيّة محدود (limited supply) وذلك فضلاً عن التأثير السلبي لاستخراجها على البيئة، فهو يزيد من استهلاك الطاقة وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ولعّل السبب الأبرز هو أنّ الدائريّة تشكّل أحد أبرز العوامل الضروريّة لتحقيق اتفاق باريس الذي يهدف إلى الحد من مخاطر وآثار تغير المناخ من خلال الحفاظ على متوسّط الزيادة في الحرارة العالميّة بمقدار درجتين مئويّتين.
العوامل الضروريّة للتحول إلى الاقتصاد الدائري
خلال النسخة الثالثة من المنتدى العالمي للاقتصاد الدائري الذي انعقد في شهر يونيو في فنلندا، أعرب المشاركين عن ضرورة اتخاذ عدّة خطوات لتسهيل التحول إلى الاقتصاد الدائري وكان أبرزها زيادة الاستثمارات في أعمال الاقتصاد الدائري، نشر وتبنّي التقنيات الجديدة وإجراء تغييرات تنظيمية مهمة تمكن الاقتصاد الدائري من الازدهار في جميع أنحاء العالم. كما أكّد المنتدى على ضرورة أن يتم هذا التحول بشكل منصف وشامل اجتماعيًّا واقتصاديًّا.
إنّ تحقيق هذا التحول المنهجي يتطلّب دعم من عدّة قطاعات منها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كما يحدث تغيّر اجتماعي ما سوف يساهم قي خلق أسواق جديدة للاستجابة إلى التحولات في أنماط الاستهلاك من الملكية التقليديّة نحو استخدام، إعادة استخدام، ومشاركة المنتجات.
وبما أنّ حجم التحديّات المناخيّة التي يواجهها العالم أجمع أصبحت ضخمة فهي تحتاج إلى حلول يمكن تطبيقها على نطاق واسع لمساعدة وتمكين التحول الدائري. ومن بين هذه الحلول نعدّد التاليّة:
أولاً، الابتكار: عوّل المشاركون في المنتدى العالمي للاقتصاد الدائري على أهميّة عنصر الابتكار ليس فقط لتطوير حلول دائريّة للتخفيف من التغير المناخي بل لجعل تأثير هذه الحلول مضاعف. يمكن للابتكارات أن تكون تكنولوجيّة مثل تطوير منتجات جديدة كالبلاستيك الحيوي لاستبدال البلاستيك المصنوع من البترول (petroleum-based) أو تطوير الصناعة والإنتاج لتصنيع الألبسة مثلاً دون مواد كيميائيّة. وقد يأخذ الابتكار شكلاً آخر ليكون على صعيد نماذج الأعمال مثل تطوير اقتصاد المشاركة (sharing economy) حيث يدفع المستهلك لخدمة استخدام المنتج بدلاً من امتلاكه. ولعّل الابتكار الجذري المنتظر والأكثر فعاليّة هو على الصعيد الاجتماعي ويكمن في إصلاح أو إعادة هيكلة النظام الضريبي ليكون وسيلة لمكافأة السلوك الجيّد وتثبيط السلوك الضار. أي على خلاف ما هو سائد حيث تفرض الضرائب بشكل كبير على العمالة وتبقى الأعمال التخريبيّة دون محاسبة. إن نظام ضريبي معدّل حيث تنخفض الضرائب على العمالة وتوضع الضرائب على أي سلوك يؤدّي إلى أضرار بيئيّة يشجّع السلوك الصديق للبيئة ويعزّز النشاط الاقتصادي.
القطاع الخاص يلعب دوراً أساسياً
في تطبيق الحلول الدائرية التي تؤمن له الفرص
ثانياً، مبادرات القطاع الخاص: يلعب القطاع الخاص دوراً أساسيًّا في توسيع نطاق تطبيق الحلول الدائريّة التي تحمل بدورها فرصاً له. فالشركات الخاصّة، منها متعدّدة الجنسيّات، تستطيع التأثير بشكل كبير على سلوك المستهلك خاصّة أن عمليّاتها تمتد على بلدان عديدة وتشمل سلسلة التوريد، شبكة التوزيع والملايين من المستخدمين. ومن جهة أخرى، إنّ ابتكار الحلول الدائريّة وتطبيقها بتطلّب ضخ استثمارات ضخمة. وعلى الرغم من أهميّة تمويل القطاع العام، إلّا أنّه ليس كافياً لترقية هذه الحلول إلى الحجم المطلوب لإحداث تغيير بشكل سريع. وبالنسبة للشركات الخاصّة، إن لتطبيق الحلول الدائريّة عوائد ايجابيّة مربحة على استثماراتهم وهو ما يشجّعها على تشجيع وتطبيق هذه الحلول. ولكن للحكومات أيضاً دوراً في تشجيع الشركات الخاصّة وذلك عبر وضع حوافز مثل تخفيض الضرائب، تقديم الدّعم، وإقامة الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP).
ثالثاً، التجارة العالميّة: إنّ ترابط الاقتصاد العالمي يشكّل أحد أبرز العوامل المؤدّية إلى توسيع نطاق الحلول الدائريّة. لا وبل أكّد المشاركون في المنتدى أنّه قد يكون شبه مستحيل أن تستطيع دولة بتطوير اقتصاد دائري بشكل مستقل وذلك لأن الدول لا تملك جميع الموارد ولا السوق الاستهلاكيّة لتكون مكتفية ذاتيًّا. لذلك، يتطلّب تطبيق الدائريّة التجارة الدوليّة وحريّة تنقّل السلع ورأس المال والعمالة. فعلى سبيل المثال، إنّ صناعة الهاتف الذكي تتطلّب شبكة عالميّة لتصميم، تجميع، انتاج، وتوزيع الهاتف حيث تدخل الدائريّة في كل مرحلة من السلسلة.
غداً الاقتصاد الدائري في الاتحاد الأوروبي والعالم العربي.
الأكثر قراءة
-
الملتقى الاقتصادي التركي - العربي الخامس عشر: لمزيد من التعاون المشترك بين تركيا والبلدان العربية
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال