هذا الليل الطويل

  • 2020-03-25
  • 09:00

هذا الليل الطويل

  • رشيد حسن

العالم في العناية حتى نهاية 2020

ليل الكورونا قد يكون طويلاً، وسياسات الاعتزال في المنازل أو الحجر وإقفال الحدود التي غطت العالم وقطعت أوصال الأسواق وجمّدت الطائرات والنشاطات قد تبقى معنا ربما إلى نهاية العام الحالي أو ما بعده، ومع استمرار سيطرة الخوف تتراكم الخسائر الاقتصادية وتتفاقم المديونيات وأزمة السيولة التي قد تعزز تراجع النشاط الاقتصادي وتدخل العالم في كساد غير مسبوق منذ العام 1929.


دول "العولمة" فوجئت بسرعة الوباء

وفشلت في توحيد جهودها ضد الفيروس

 

أحد أهم الأسباب التي تجعل العالم حائراً وخائفاً في مواجهة هذا الفيروس، هو أننا لا نعرف عنه إلا القليل، إذ إنه قد يكون طفرة تنتهي كما انتهى قبله عدد من الفيروسات الوبائية أو أنه قد يعيش بيننا أكثر وقد يتحول إلى فيروس موسمي مثل الإنفلونزا العادية، وفي هذه الحال، فإن الأمل في حياة طبيعية سيتوقف على نجاح القطاعات العلمية في إنتاج لقاح فعّال ضد الفيروس أو علاجات آمنة وفاعلة في الوقت نفسه. وحتى في هذا المجال، فإننا نتحدث عن فترة قد تمتد حتى نهاية الصيف أو نهاية العام الحالي، والسبب في ذلك هو أن أحد أهم مرتكزات وقف الانتشار الوبائي للفيروس في العالم هو أن يكون النجاح في احتوائه ووقف انتشاره شاملا لمختلف البلدان، إذ مهما كانت فاعلية بلد ما في احتوائه محلياً، فإن عودة الحركة إلى تدفقات الاشخاص والتجارة بين هذا البلد، ولنقل إنه الصين أو كوريا وبين دول العالم، تحتاج إلى تحقيق تقدم مماثل متزامن في احتواء الفيروس في جميع تلك البلدان والعودة إلى ما يشبه الوضع الطبيعي الذي كان قائماً قبل الأزمة، وهذا الأمر يبدو الآن صعب التحقيق لأن كل بلد من البلدان المصابة الرئيسية تبني سياسة لاحتواء الوباء مختلفة عن البلدان الأخرى وهناك الآن بلدان أفلت فيها الزمام مثل إيطاليا وإيران وربما دول أخرى في أوروبا مثل إسبانيا أو فرنسا، والتطورات اليومية تظهر أن الوباء في اتساع وأن احتواءه ليس قريباً. وفي هذه الحال، فإن مبدأ "عدم الاختلاط" وانكفاء كل مجتمع على نفسه سيبقى قائماً لأن الدول التي نجحت ستتمسك به لكي لا يعود الوباء إليها من النافذة بعد أن خرج من الباب، بينما الدول المصابة ستكون منشغلة بكليتها في مكافحة الوباء وهي في جميع الأحوال ستكون خارج الدورة الاقتصادية العالمية في معظم الفترة التي تحتاجها لتحقيق بداية السيطرة على الوباء.

لقد ساهمت العولمة في تحويل الاقتصاد العالمي إلى اقتصاد متكامل ومترابط بحيث لا يمكن لأي ضرر يقع على سوق من أسواقه، خصوصاً إذا كان كبيراً، مثل الصين أو الولايات المتحدة أو أوروبا ألّا يؤثر فوراً على العالم بأسره كأنما أصبح الاقتصاد الدولي اقتصاداً واحداً متداخلاً، ولا يمكن بالتالي الحؤول ألا يؤدي ضرر يقع على أي من أجزائه إلى إصابة سلبية للسوق الكونية.

والحقيقة، أن هذا التداخل الشامل بين المجتمعات والأسواق والانسياب اليومي للبضائع والأشخاص والأموال بينها، هو أكثر ما سهّل لفيروس كورونا الانتشار بهذه السرعة المذهلة بحيث لم يبق بلد واحد سليماً منه، لكن بالمعنى نفسه، فإن التخلص من فيروس بهذه الفعالية والقدرة على الاختباء والسرعة في تحقيق الإصابات، تتطلب جهداً عالمياً مركزاً وتمويلات هائلة وتعاوناً علمياً وتقنياً وطبياً، وكل هذه الشروط لم نرها، وهو ما يعتبر فشلاً ذريعاً للحكومات والقوى السياسية العالمية التي لم تتمكن من بلورة مواجهة شاملة لفيروس هو شامل ومتعدٍّ للحدود بطبيعته وآثاره، بل سارع كل منها في اختيار أسلوبه المحلي ومن دون اهتمام بالدعوة إلى تعاون على المستوى الدولي.

والمشكلة أنه في الوقت الذي كانت الصين وعدد من الدول الآسيوية مثل هونغ كونغ وتايوان وكوريا الجنوبية واليابان تقترب فيه من السيطرة على الفيروس، تحوّلت أوروبا التي تعتبر من أهم أسواق العالم إلى البؤرة الجديدة للوباء، وأفلت الفيروس تقريباً من سيطرة الدولة، ويعتبر امتداد الفيروس في أوروبا بهذه السرعة نتيجة طبيعية لحياة الانفتاح والرفاهية والحرية الشخصية التي يعتاد عليها الأوروبيون بحيث تم التقليل من أهمية الاحتياطات، وتلكأت الدولة في فرض القيود الشديدة المطلوبة خوفا من استثارة الرأي العام.

لكن هذا التفاوت في موقف كل بلد من الفيروس وتفاوت وتيرة انتشاره ومستوى خطورته واتجاهاته وأساليب المواجهة المتبعة كل ذلك سيتسبب لا محالة في تأخير الخروج المتزامن للعالم وفي وقت قصير نسبياً من الوباء وهذا ما سيؤدي إلى مدّ حالة الشلل داخل الاقتصادات الوطنية أم على النطاق العالمي فترة قد تمتد على الأقل حتى نهاية العام الحالي 2020 وربما إلى وقت يتعدّاه.

وحتى لو تمّ تحقيق تقدّم في اكتشاف علاج أو لقاح ناجح للوباء، فإن مرحلة إجراء الأبحاث على أي منهما، والتأكد من فعاليته ومن عدم تسببه بأعراض جانبية ثم تصنيعه على نطاق واسع، ربما تمتد أيضاً حتى نهاية الصيف أو ما بعده.