قمة شرم الشيخ: مشاريع المناخيين لا تزال تكبر ولا ممولين في الافق

  • 2022-11-10
  • 14:36

قمة شرم الشيخ: مشاريع المناخيين لا تزال تكبر ولا ممولين في الافق

  • رشيد حسن

 

خصصت صحيفة "نيويورك تايمز" في عددها الصادر الأربعاء مكاناً بارزاً لمقال حول ما اعتبرته "تحولاً بارزاً في الموقف الدولي من أزمة النماخ، أشارت فيه إلى أنه "وللمرة الأولى من ثلاثين عاماً، بدأت الدول الغربية تعترف بأن عليها أن تشارك في تغطية الأضرار الناجمة عن المناخ التي تصيب الدول النامية والفقيرة.

 

لكن إذا علمنا أن المبادرة المشار إليها لم تستطع أن تجمع أكثر من 86.8 مليون دولار من أربع دول أوروبية هي الدانمرك وبلجيكا والنمسا وإيرلندا ومن مقاطعة سكوتلندة البريطانية، فإننا ندرك أن المقال أراد أن يقدم مساعدة معنوية عاجلة لقمة المناخ في شرم الشيخ التي على العكس مما توصلت إليه الصحيفة الأميركية، أظهرت ضعف الالتزام العالمي، وخصوصاً الدول الغنية، في توفير التمويلات اللازمة للمساعدة على تحقيق "الحياد الكربوني" قبل العام 2050. وأكثر التمويلات المطلوبة يفترض أن تذهب إلى الدول النامية التي ليس فقط لا تمتلك الموارد اللازمة لتسديد فاتورة الطاقة النظيفة، بل تواجه أزمات ركود اقتصادي وفقر ومديونية، وهذه الحاجات الخيالية قدّرتها الأمم المتحدة بنحو 4.2 تريليونات دولار خلال ما تبقى من العقد، لكن لم توضح بصورة مقنعة من أين سيمكن الحصول عليها، ولاسيما أن الدول الغنية فشلت تكراراً خلال السنوات الخمس الماضية، في تأمين ولو 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول النامية على خفض الانبعاثات والانتقال التدريجي إلى الطاقة النظيفة.

بين الأوهام والواقع

الآن لنقارن الأرقام المقدمة من الأمم المتحدة مع المساهمات الهزيلة التي أفضى إليها الجهد الاولي لتعويض الدول النامية عن الأضرار المناخية التي يفترض أنها ناجمة عن التغير المناخي من خلال ما أطلق عليه صندوق تعويض "الخسائر والأضرار"، والذي يثير لأول مرة مسؤولية الدول الغنية عن التلوث العالمي والأضرار الطبيعية التي تصيب الدول الفقيرة من جراء التغيير المناخي مما يفترض أن يُحملّها مسؤولية المساهمة في تعويض هذه الأضرار. وقد اعتبرت رئاسة قمة المناخ بدورها إدراج هذا الموضوع لأول مرة على جدول أعمال المؤتمر "نجاحاً كبيراً" لقضية المناخ.

مشكلة ثقة

المشكلة التي قد تعطل انطلاق المبادرة الجديدة ومثيلاتها، وبالتالي استقطابها الأموال التي تحلم بها الدول النامية أو الفقيرة، هي أن أكثر الدول المانحة لا تثق بآليات الأمم المتحدة أو المؤسسات المتعددة الجنسيات في موضوع إدارة صندوق بهذا الحجم، وهي إدارة تتطلب توفير الإمكانات العلمية والميدانية لتقييم الحدث المناخي وتعيين الأضرار الناجمة مباشرة عنه، ثم تحديد نسب التعويض التي يمكن أن تدفع للدولة المتضررة، وغير ذلك من التفاصيل العملية.

لذلك، فإن دولاً عدة قررت إنشاء مبادرات أو تسهيلات خاصة بها تقوم بصورة مباشرة بمساعدة الدول النامية المعنية. فألمانيا مثلاً لم تشارك في صندوق" الخسائر والأضرار"، وأنشأت مؤسسة منحتها 170 مليون دولار لكي تقوم بتطبيق خبرات قطاع التأمين في التعامل مع الدول النامية "المنكوبة"، كذلك فعلت سويسرا التي تعقد اتفاقات مباشرة مع دول نامية مثل بيرو وغانا بهدف مساعدتهما على تمويل مشاريع لتوليد الطاقة النظيفة. وتطبّق سويسرا مبدأ التعامل مباشرة مع الدول المنكوبة وفق مبدأ "الدفع نقداً مقابل العمل"، كما حصل في معونتها الإغاثية لباكستان بعد السيول المدمرة التي تعرضت لها في آب/أغسطس الماضي، إذ قامت وكالة التنمية السويسرية بتشغيل نحو ثلاثةَ عشرَ ألف شخص كعمال مُياومين مع أسرهم، والذين تلقَّوا بسرعة ومن دون تعقيد، أموالاً عبر برنامج "الدفع نقداً مقابل  العمل"، وهي تعتبر أن هذا النهج في إصلاح آثار الكوارث المناخية عبر المساعدة الفورية بات هو المفضل لدى دول العون وإن كان يُطبَّق حاليّاً بصيغٍ مختلفة وبشكلٍ متزايد.

المثال السعودي

وتطبق المملكة العربية السعودية المبدأ نفسه في مساعداتها الإغاثية والإنسانية العاجلة للدول المنكوبة، وهي طبّقت هذا الأسلوب أخيراً في باكستان بعد الفيضانات الأخيرة هذا الصيف، إذ قدمت المساعدات العينية السخية وأعمال الإغاثة مباشرة على الأرض عبر الهلال الأحمر السعودي والمؤسسات المحلية. وتفضل المملكة هذا الأسلوب على اعتماد منظمات الغوث الدولية، بسبب ما تعتقد أنه ضعف الفعالية على الأرض والتكلفة العالية جداً لتلك المؤسسات بحيث تستهلك نسبة كبيرة من القيمة النقدية للمساعدات.

"أزمة المناخ" تعبير عشوائي

اللافت للانتباه في النقاش حول تعويض "الخسائر والأضرار" Loss and damage، هو أن هذا الاصطلاح لا يستند حتى الآن إلى أي أسس أو معايير علمية واضحة يمكن أن تميِّز بين الضرر الناجم عن المناخ، كما عرفته البشرية دائماً عبر العواصف والزلازل والجفاف والسيول أو غيرها، وبين الأضرار التي يمكن إثبات أنها نتيجة مباشرة للتغير المناخي، وقد أدى الاستخدام العشوائي لتعبيرات مثل "أزمة المناخ" و"حالة الطوارئ المناخية" إلى أن كل حادث مناخي عادي مثل العواصف وحرائق الغابات أو الاعاصير والزلازل (القديمة قدم البشرية) والثلوج وموجات الحر والبرد وحتى الأمطار أو التغير في كثافة الثلج القطبي، تعتبر فوراً "كوارث" سببها "التغيّر المناخي"، وأصبح المناخ في حدّ ذاته بالتالي كارثة مستمرة بدلاً من أن يكون من ظواهر الطبيعة التي على الإنسان الإفادة منها والتعايش معها كجزء من الحياة الطبيعية على الأرض.

وبالطبع لأن مثل هذه الحوادث تحصل كثيراً في العالم على مدار العام (لأنها جزء لا يتجزأ من المناخ الأرضي) وتمس الجميع بما فيهم الدول الفقيرة، فإن هذه الأخيرة باتت تعتقد أنها وجدت فرصة من هذا الباب للحصول على أموال لم تكن في حسابها من دول العالم الغنية والبنك الدولي وصناديق التنمية وغيرها.

مزايدات.. وعلم المناخ غائب

وفي الحقيقة يجرنا هذا الموضوع إلى ملاحظة أن الغائب الأكبر خلال أسبوع بكامله من قمة المناخ، هو علم المناخ نفسه الذي يفترض أنه الأرضية الصلبة للنقاشات والمشاريع والمواقف السياسية للحكومات التي يتداولها المؤتمر، إذ وجدنا خطابات سياسية وتصريحات درامية من صحفيين ووسائل إعلام وسياسيين ونقاشات تستند إلى تقارير وخلاصات وتوصيات أعدّتها اجهزة الأمم المتحدة البيروقراطية أو غيرها من المؤسسات غير الربحية المسيسة، وهذه التقارير حسمت أموراً عدة غير محسومة مثل درجة ارتفاع حرارة الأرض ومستوى ارتفاع مياه المحيطات أو انحسار الغطاء الجليدي للمنطقتين القطبيتين أو تزايد الأعاصير وحقيقة التغير المناخي عموماً ومدى العلاقة السببية بين تزايد نسبة الانبعاثات الكربونية وبين الأحداث المناخية مثل موجات الحر أو السيول أو غيرها.

المشكلة هي أن هذا الفيض من الإنذارات والتعبئة الشاملة تجاه "حالة طوارئ مناخية"، تطلق العنان لسيول من المبادرات والمطالب المالية التي لا تنفك تتضاعف يوماً بعد يوم في ما يتعدى حدود وقدرات الدول حتى الغنية منها، حتى وصلنا إلى صندوق للتعويض عن أضرار المناخ ينطلق بنحو 86 مليون دولار، وتعتبره صحيفة "نيويورك" تايمز حدثاً دولياً بينما تقدر الأمم المتحدة المبلغ المطلوب (والمحجوب) لمواجهة "أزمة المناخ" بأكثر من 4.2 تريليونات (ألف مليار) دولار يجب توفيرها قبل نهاية العقد الحالي!!

يبدو ان لوبي المناخ يواجه الآن طموحاته المضخمة لمسألة المناخ، وكذلك لحجم المطالب والتوقعات غير الواقعية التي تراكمت في ملفاته وبات مستحيلاً تلبية ولو جزء بسيط منها.