الضريبة الرقمية: تشريعات قانونية ستغيّر وجه أوروبا والعالم!

  • 2020-01-16
  • 13:45

الضريبة الرقمية: تشريعات قانونية ستغيّر وجه أوروبا والعالم!

مشروع أوروبي قيد البحث ودول تسعى إلى زيادة إيراداتها المالية

  • أدهم جابر

مع الفورة التي يشهدها عالم الأعمال المتجه بسرعة نحو المزيد من الاعتماد على التعاملات الالكترونية، بدأت في أوروبا أخيراً عمليات بحث جدية في إمكانية فرض ضريبة رقمية على التجارة الالكترونية. كما ترّوج دول كالهند وجنوب أفريقيا لفكرة فرض تعرفة جمركية على التجارة الالكترونية بهدف تحصيل إيرادات مالية من تجارة يقدّر حجمها السنوي بـ 255 مليار دولار، لدعم اقتصادها. وتخوض هذه الدول معركتها انطلاقاً من الدعوة إلى وقف العمل بالاتفاق الدولي المعمول به منذ 20 عاماً والقاضي بفرض حظر على مثل هذه التعرفة، وهي معركة تجابه بموقف دول أخرى رافضة للطرح أهمها الصين وكندا اللتين تعملان على تمديد الحظر المذكور الذي انتهت مدة صلاحياته نهاية العام الحالي، لمدة 6 أشهر إضافية.

وبغض النظر عن مواقف الدول المختلفة، فإن ازدهار التجارة الالكترونية شكّل حافزاً ليس للدول فحسب، وإنما للخبراء الاقتصاديين الذين يرون أن اعتماد هذه الضريبة بات أمراً واقعاً لا بدّ منه، خصوصاً في ظل الاتجاه السائد في أوروبا لاعتمادها.

الحرب التجارية الحاصلة دولياً
تؤسس وتروّج لهذا النوع من الضريبة

 

وفي هذا السياق يؤكد الخبير الاقتصادي الاماراتي نايل الجوابرة أن "ظروف الحرب التجارية الحاصلة دولياً، بدأت تؤسس وترّوج لفكرة الضريبة الرقمية"، مشيراً إلى أنه "لا مانع من اعتماد هذه الضريبة وتضمينها في القوانين الضريبية الجديدة، باعتبار تفوق التجارة الالكترونية على التقليدية، وذلك بهدف تحقيق مداخيل وإيرادات مالية للخزينة العامة لكل دولة، ونظراً لأثرها الإيجابي على المساهمة في تحقيق نمو في الناتج المحلي الإجمالي للدول".

وإذا كان الجوابرة يستبعد تطبيق مثل هذه الضريبة في دول الخليج تقريباً، إلا أنه يوضح أن أوروبا شرعت بمثل هذه الخطوات في إطار ردها على ضرائب أميركية تمّ فرضها في هذا السياق من ناحية الولايات المتحدة الأميركية، مشيراً إلى أن الأوروبيين يركزون على مواقع التواصل الاجتماعي.

العوائق والتحديات

إن فرض "ضريبة رقمية" على التجارة الالكترونية يبقى دونه الكثير من التحديات التي قد تجعل من هذه الخطوة أمراً بالغ الصعوبة، وهي تحديات لها أشكال مختلفة تتطلب جهوداً كبيرة وتعديلات قانونية وتشريعية. ويؤكد الخبير القانوني والاقتصادي عضو لجنة التحكيم في "البوليتكنيك" محي الدين الشحيمي أن تطبيق هذه الضريبة ونظامها قد يواجه صعوبات وتحديات لنظم الضريبة التقليدية لأسباب بينها عدم سهولة تحديد المكان الذي ينشأ منه "المنتج الرقمي"، فالوجود المادي لشركات التجارة الالكترونية شبه منعدم، فعلى سبيل المثال إن شركات مثل "أمازون" و"فايسبوك" وعمالقة الابتكارات الذكية في وادي السيليكون يمكن أن يكون لديها وجود اقتصادي كبير في البلدان، لكن وجودها المادي محدود، وهذا يصعّب فرض ضريبة رقمية على أنشطتها، من منطلق أن الضريبة التقليدية تتطلب الانتظام المكاني وهي تفرض بحسب قواعده، وهذا ليس متوفراً في التجارة الالكترونية التي تتميز باللامكانية. والسبب الثاني يتمثل بغياب مبدأ العدالة في التداول، فيما يتعلق الثالث بصعوبة إثبات التعاملات والعقود التي تتم الكترونياً بالاستناد إلى صعوبة تأمين وحماية البيانات والمستندات الالكترونية، بالإضافة إلى ضخامة حجم التعاملات عبر الانترنت وصعوبة حصرها تمهيداً لإخضاعها للضريبة، واختفاء الوثائق الورقية للتعاملات الالكترونية.

الشحيمي: علينا التنبه للقواعد والقيود
والاعتبارات المرتبطة بتدفق المعلومات

"التعقيدات السالفة تفرض على المشرعين ورجال القانون التنبه إلى أن هناك مجموعة من القواعد والقيود والاعتبارات المرتبطة بتدفق المعلومات وكميتها الكبيرة، كذلك ضرورة الأخذ بالاعتبار العلاقة بين الأنظمة التكنولوجية والمعلوماتية والتشريعات والقوانين التقليدية، وذلك في إطار مزيج من القرارات الفردية والنظم المؤسساتية والتي تؤسس لأنواع مختلفة من المسؤوليات القانونية والاجتماعية والأسواق التكنولوجية". يقول الشحيمي. لذا قد تحتاج هذه الضريبة أيضاً إلى دمجها في اتصالات المستثمرين الذين يرغبون في معرفة تفاصيل الضرائب المشار إليها وما إذا كانت ستؤدي إلى خفض الأرباح إذا ما دخلت حيز التنفيذ. وعليه، يضيف الشحيمي: "إن بعض الشركات بدأ بالفعل تضمين مثل هذه الضريبة في استراتيجياته من باب الحاجة إلى مواجهة أي طارئ على هذا الصعيد.".

المشروع الأوروبي

واستناداً إلى ما تقدّم، بدأت دول أوروبية بالعمل على نماذج لـ "الضريبة الرقمية" تنطلق أساساً من وضع تشريعات ناظمة، ووفق الشحيمي المستشار في مركز الدراسات للثورة الصناعية الرابعة (المنتدى الاقتصادي العالمي) واللبناني الوحيد في الفريق الأوروبي الذي يعمل على التشريعات الرقمية، "فإن النماذج التي يجري العمل عليها هي هدف متحرك في الوقت الحالي، والاتفاق حول كيفية المضي قدماً بها يهدد بترك مشهد ضريبي مربك يتكون من خليط من السياسات الضريبة المختلفة"، غير أن ذلك لم يمنع البحث في المشروع الأوروبي لهذه الضريبة، والذي يستند بحسب الشحيمي، إلى "عملية رصد وضبط البيانات للمكلف والشخص صاحب النشاط بشكل مباشر، عن طريق حصره لممارسة نشاطه من خلال تطبيقات إلزامية ومضبوطة من حيث الشكل من دون خرق الخصوصية في الأعمال، وإنما من باب معرفة ما إذا كان هذا الشخص يقوم ببعض النشاطات التي تجعله ممتثلاً لدفع الضريبة وعندها يتم اقتطاع الضريبة بشكل آلي ورقمي لدى انتهائه من نشاطه الرقمي بالاعتماد على صحيفته الالكترونية التي توضح طبيعة عمله"، موضحاً "أن هذه التشريعات ستغير، بسبب فعاليتها، وجه أوروبا والعالم وستلعب دوراً كبيراً في الحد من عمليات التهرّب الضريبي".

ومن القوانين والتشريعات التي بدأت أوروبا العمل عليها، يشير الشحيمي إلى التوزيع المباشر (Business To Consumers) ، والتوزيع بين الشركات  (Business To Business) ، والتوزيع المغلق بين الشركات ولكن مغلق ومحدود (Intra -Business) ، موضحاً أن أول القوانين التي اعتمدت للحماية الأولية وللتحكم في عمليات التجارة الإلكترونية كانت متعلقة بقوانين حماية المستهلك، لكنها وبالنظر إلى تطورها الكبير، ستكون قاصرة حكماً ولا تفي بالغرض. ولتدارك القصور المذكور، يقول الشحيمي إنه يجري العمل على مسائل عدة لتنظيم التجارة الالكترونية أهمها: التنظيم القانوني لإبرام وتنفيذ العقود الالكترونية، (Electronics Contracts) ، التنظيم القانوني للتوقيع الرقمي (Digital Signature) ، التنظيم القانوني لتسجيل مواقع الانترنت (Internet Sites) التنظيم القانوني لتسجيل اسم وعنوان مجال domain التنظيم القانوني لإيداع  وتسجيل  الوثائق الالكترونية والتصديق عليها (Electrics Certification Notarizarion) التنظيم القانوني لسداد ثمن السلع و الخدمات عن طريق الانترنت (Online payments) التنظيم القانوني لتسليم السلع والخدمات في الصفقات  الالكترونية (Delivery Of Goods And Setvice) التنظيم القانوني للتعامل  بالأوراق المالية عن طريق الانترنت اي (Stock Market Transactions) ، التنظيم القانوني والضريبي والجمركي للمعاملات الالكترونية (Taxation And Customs).

وعلى الرغم من المسار الذي تسلكه التشريعات المتعلقة بالضريبة الرقمية، فإن هناك جملة أسئلة قد لا تجد لها أجوبة مهما بلغت التشريعات والقوانين ذات الصلة، إذ كيف يمكن وضع تعرفة على البايت؟ وكيف يمكن التقاط ملايين البيانات العابرة للحدود والمتدفقة من مصادر متعددة في الدقيقة الواحدة؟، ليختم الشحيمي قائلا: "إن التشريع الضريبي الذي تمت صياغته بحسب التعاملات التجارية التقليدية يواجه قصورا في معالجة وضبط انتظام المعاملات الرقمية والنشاطات الذكية وهنا لدينا فجوة تشريعية تحتّم إعادة تقييم للقوانين والأنظمة التشريعية السائدة والعمل على إجراء التعديلات الضرورية والحازمة وصياغة تشريعات جديدة تتوافق وطبيعة التطور والاحتياجات الراهنة للعالم الرقمي."