حرب الكورونا تمتحن كفاءة المجتمعات والحكومات

  • 2020-03-24
  • 09:48

حرب الكورونا تمتحن كفاءة المجتمعات والحكومات

الأسيويون نجحوا في احتواء الوباء من دون شلّ الاقتصاد وأوروبا تدفع ثمن ترددها

  • رشيد حسن

في المواجهة الشرسة مع أخطر فيروس عرفته البشرية ومع تهديد حقيقي للمجتمعات الحديثة، أثبتت البلدان الآسيوية القائمة على ثقافة التضامن المجتمعي والمسؤولية والدور المهيمن لسلطة الدولة، أنها أكثر فعالية في مواجهة كوارث من النوع الذي نعيشه الآن من المجتمعات الغربية، فالمجتمعات الآسيوية على الرغم من تقدمها الاقتصادي لا تزال تقوم على قوة الأسرة والمجتمع وعلى فكرة الدولة القوية الراعية بينما تقوم المجتمعات الغربية على نمط يُعلي الحرية الفردية والسلوك الشخصي، كما إنها تقوم على مبدأ الديمقراطية التي قد تصلح لحالات السلم وفترات الرخاء، لكنها قد تتسبب في إضاعة الوقت الثمين عند الحاجة إلى مواجهة كوارث مفاجئة بقرارات حاسمة وغير شعبية.

في الحرب على وباء الكورونا، قدمت الصين، بعد التردد، مثالاً نموذجياً في التحرك السريع ومن دون أي تهاون أو تساهل لمحاولة حصر الفيروس وقامت الخطة الصينية منذ البدء على مبدأ العزل الاجتماعي سواء بحجر مدن كاملة ومنع التجول فيها وإغلاق كل النشاطات أو حجر الناس في منازلهم بالقوة بما يحول دون أي احتكاك اجتماعي بين من قد يكونوا حاملين للفيروس وبين الأصحاء في المجتمع. تم استخدام تقنية الدرون لبث التعليمات والإرشادات للمارّة في الشوارع كما تم التركيز على إجراء أكبر قدر من الفحوصات لاكتشاف الإصابات المبكرة وتوفير مئات الآلاف من معدات الفحص وإقامة المستشفيات الميدانية والعمل على تطوير علاجات سريعة لإعانة المصابين على احتواء الهجوم الأولي للفيروس، وتعاملت السلطات الصينية مع الفيروس منذ البدء كما لو أنها في حالة حرب وكان هدف الحكومة الصينية المصيري هو عدم تمكين الفيروس من الإفلات إلى أنحاء الصين التي تضم نحو 1.2 مليار نسمة وبالتالي التحول إلى وباء شامل.

لكن من أجل ذلك، تطلب الأمر تطبيق أسلوب عسكري لا تهاون فيه، وقد نجحت الصين فعلاً في هذه الاستراتيجية، أي وأد الفيروس في المهد، قبل أن يفلت إلى المجتمع الواسع وأمكنها بسبب هجومها المبكر أن تربح الحرب على المستوى الوطني، وأن تعلن بعد أقل من ستة أسابيع أنها لم تعد تسجّل حالات جديدة للفيروس باستثناء الحالات الواردة من الخارج كما أمكنها أن تعلن أخيراً أن اقتصادها بدأ يعود إلى نشاطه الطبيعي.

بينما اتبعت الصين أسلوب محاصرة الفيروس في مكان ظهوره، فإن الدول الآسيوية الأخرى مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وهونغ كونغ، اتبعت أسلوباً يقوم على الانضباط الاجتماعي والفحص الواسع النطاق للمواطنين وعزل المصابين والتعرف على من احتك بهم ورعايتهم أو عزلهم في المنازل، إضافة إلى وضع حجر على التجمعات وعلى الحشود (مثل المباريات أو الاحتفالات وغيرها) وتمكنت هذه البلدان، من خلال نجاحها في رصد الحالات ومتابعتها، من وقف التطور الكبير في الإصابات والوفيات التي سجلتها في البداية وبالتالي السيطرة التدريجية على الوباء ووضع حد كبير للحالات الجديدة.

وعلى العكس من ذلك، فإن الدول الغربية التي تقوم على الديمقراطية وقدر كبير من فلسفة الحرية الشخصية والرفاهية الرأسمالية خافت بالغريزة من تطبيق النموذج الصيني في البداية لإدراكها أن الرأي العام يصعب عليه التخلي عن الرفاهية المعتادة والتواصل والتنقل، ويصعب عليه بالتالي الانضباط والقبول بأي نظام قاس للعزل الاجتماعي، وبدا واضحاً أن النزاعات السياسية بين الأحزاب وشبح الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الولايات المتحدة، كان لها أثرها الضمني في مواقف السياسيين. وبصورة عامة، سجلت مواقف من السياسيين الإيطاليين تستخف بالفيروس وترفع المعنويات، وقرر الرئيس الفرنسي حضور حفل أوبرا تبين بعده إصابة وزير الثقافة في حكومته بفيروس الكورونا، ووجد وفد صيني طلبت إيطاليا مشورته العاجلة في كيفية احتواء الوباء وضعًا فوضوياً وتسيباً وعدم التزام بالحد الأدنى من الاحتياطات المطلوبة لوقف الوباء، وبدا رئيس الوفد الصيني غاضباً تقريباً وهو يصف السلوك المستهتر للإيطاليين الذين استمروا في جلسات المقاهي والفنادق واستخدام النقل العام والتسوق وغيرها، مشيراً بوضوح إلى أن هذا النوع من السلوك هو الذي يفسّر إفلات فيروس الكورونا من السلطات الصحية وانفجار الوباء والحالات والوفيات بالشكل الذي نراه، وفي الولايات المتحدة أيضاً، التي مثل أوروبا ليست معتادة على السلوك الاجتماعي الشديد الانضباط، تأخرت إدارة الرئيس دونالد ترامب في إدراك خطورة الموضوع، وبقي الرئيس الأميركي يمني النفس بإمكان السيطرة على الوباء، أو على الأقل عدم تطوره بسرعة كبيرة تهدد حملته الرئاسية، لكنه (ترامب) ما لبث أن أدرك أن حملته الرئاسية كلها أصبحت معلّقة على حكم الأميركيين على الأسلوب الذي سيطبقه في إدارة الكارثة الصحية الوطنية بحيث باتت النجاحات الاقتصادية التي حققها في المرتبة الثانية، على الأقل، في سلم المعايير التي سيعتمدها الناخبون في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.