صناعة الفخار في لبنان إلى الانقراض برغم الإقبال المستجد

  • 2020-11-20
  • 07:00

صناعة الفخار في لبنان إلى الانقراض برغم الإقبال المستجد

  • كريستي قهوجي

صناعة الفخّار من أقدم الصناعات الحرفية التي عرفها لبنان منذ آلاف السنين والتي شكّلت جزءاً أساسياً من استخدامات اللبنانيين اليومية في مجالات مختلفة. ولقيت هذه الصناعة رواجاً واسعاً التي توارثها صنّاعها من آبائهم وأجدادهم، وباتت منتجاتها المتنوّعة منافساً قوياً للصناعات التقليدية والحرفية الأخرى وحاضرة على مختلف الموائد، وانتشرت صناعة الفخّار في عدد كبير من المناطق اللبنانية ولاسيما في طرابلس، راشيا الفخّار، بيت شباب، جسر القاضي، الغازية، دير كوشة وغيرها حيث تنافس أهلها في ما بينهم على إنتاج الفخار وزخرفته وإضافة لمساتهم الفنية عليه.

ومع التطوّر التكنولوجي الذي عرفته مختلف الصناعات وبسبب الأزمات المتتالية التي ضربت لبنان، بدأت صناعة الفخّار بالتراجع تدريجياً لصالح صناعات أخرى حلّت مكانها في معظم منتجات الاستخدام اليومية وباتت بالتالي من الصناعات النادرة المهددة بالانقراض في البلاد، لكن كل ذلك لم يمنع عودة بعض اللبنانيين، في ظل الأزمة الحالية، إلى منتجات الفخار.

 

منتجات متنوّعة

 

اشتهرت صناعة الفخّار بتنوّع وجودة منتجاتها التي شملت الأواني، والأباريق، والأكواب، والجرار الكبيرة لتخزين المياه والزيت، بالإضافة إلى رؤوس النرجيلة وأدوات الزينة في المنازل وغيرها من المنتجات التي ساهمت بإغناء المنازل اللبنانية وإضفاء لمسة خاصة إليها.

 

إقرأ: 
سوق الإعلان في المنطقة تتراجع بأكثر من 50 في المئة

 

تعود صناعة الفخّار إلى أكثر من 10 آلاف سنة ويمكن إيجاد قطع فخارية متنوّعة في الغابات وفي الاستكشافات الأثرية القديمة. وفي هذا السياق، يشير صاحب مصنع للفخار في بلدة راشيا الفخار بجنوب لبنان أديب الغريب في حديث إلى "أولاً- الاقتصاد والأعمال" إلى أن صناعة الفخّار قديمة جداً حيث لا يمكن تحديد تاريخ معيّن لأول انسان بدأ بهذه المهنة، لافتاً النظر إلى أنها موجودة في كل بلدان العالم وتختلف بتصاميمها وزخرفاتها من بلد إلى آخر، موضحاً أن مادة الفخار هي عبارة عن تراب يتم جبله بطريقة معينّة وتجفيفه من الرطوبة وحرقه في أفران خاصة.

ويقول الغريب إنه ورث هذه المهنة عن جدّه ووالده منذ صغره حيث كان يساعدهما في العمل خلال العطل المدرسية، مضيفاً أنه أحب هذه المهنة بشغف كبير حتى أصبح معلّماً فيها يتقنها بمهارة وحرفية نادرتين منذ أكثر من 60 عاماً.

 


أديب الغريب: الفخار صناعة عالمية وتختلف من بلد إلى آخر

 

مراحل متنوّعة في عملية التصنيع

 

تمر المنتجات الفخارية بمراحل مختلفة خلال تصنيعها بحسب أنواعها، إذ إن الأباريق والجرار تحتاج لـ 3 مراحل للانتهاء من تصنيعها فيما تحتاج القطع الصغيرة والجرار الخاصة بالزراعة إلى مرحلة واحدة عبر صبّها مباشرة. ويشرح الغريب طريقة تصنيع الفخار مشيراً إلى أنه يحصل على تراب الفخار من أراضٍ محددة ويقوم بتصويله  ويتركه كي يجفّ من المياه والرطوبة، ومن ثم يقوم بعجنه وتنفيذ التصاميم على دولاب خاص. ويضيف أنه يتم تجفيف الفخار مرّة ثانية ليقوم بعدها بإضافة رسومات على الأواني والفخاريات المتنوعة قبل أن يتم إدخالها إلى الفرن لإحراقها وتصبح بشكلها النهائي.

تراجعت صناعة الفخّار بشكل كبير خلال السنوات الماضية نتيجة الأزمات المتتالية التي مر بها لبنان، بالإضافة إلى دخول طرق تصنيع جديدة حلّت مكان الطرق البدائية للفخار، ما أثر بشكل كبير على العمال وعائلاتهم وأغلق عدداً كبيراً من الورش والمعامل الصغيرة التي كانت تعتاش من هذه الصناعة في مختلف المناطق اللبنانية. ويشير الغريب في هذا الصدد، إلى أن صناعة الفخار كانت منتشرة في عدد كبير من المناطق ولاسيما في طرابلس والغازية وبيت شباب وجسر القاضي، موضحاً أن بلدة راشيا الفخار وحدها كانت تحتوي على أكثر من 35 معملاً لإنتاج الفخّار، وكانت توظف عمالاً من القرى المجاورة وتنعش الاقتصاد في منطقة حاصبيا – مرجعيون، لافتاً النظر إلى أن البلدة كانت تصدّر منتجاتها إلى سورية وفلسطين ومصر، مضيفاً أن كل ما حصل في السنوات الأخيرة أدى إلى إقفال عدد كبير منها في البلدة وبقي وحده مع شخص آخر من آل إسبر يعملان في هذه الحرفة حتى يومنا هذا.

 

صعوبات كثيرة

 

وحول المشاكل التي تواجهها هذه الصناعة، يوضح الغريب أن انتشار ودخول مادتي البلاستيك والزجاج في الصناعات اللبنانية، شكّلا عقبة كبيرة أمام استمرار صناعة الفخّار وبالتالي إلى تراجع انتاجه، بالإضافة إلى صعوبة تنفيذه وعدم اتقانه من عدد كبير من الناس وعدم توفيره مداخيل مالية عالية، الأمر الذي ساهم في اندثار هذه الحرفة من لبنان.

تتجه صناعة الفخّار في لبنان اليوم نحو مستقبل قاتم في ظل غياب التشريعات اللازمة حول دعم وتعزيز الصناعات الصغيرة والمتوسطة، في ظل غياب دعم الدولة المادي والمعنوي لهذا القطاع، ويتوقع الغريب أن يتوقف عن العمل خلال السنة المقبلة خصوصاً في ظل الأوضاع الصعبة التي يمرّ بها لبنان، وذلك على الرغم من الإقبال المستجد على هذه الصناعة من قبل بعض اللبنانيين لأسباب مختلفة. 

في المحصّلة، شكّلت صناعة الفخّار وجهاً متقدّماً من وجوه الصناعة الحرفية في لبنان على مرّ التاريخ وعزّزت متانتها من خلال جودة منتجاتها والطلب القوي عليها خلال الفترات السابقة. ومن هذا المنطلق، على الدولة اللبنانية ممثلة بوزارة الصناعة ومؤسسات القطاع الخاص أن تبادر لدعم هذه الصناعة وتوفير الأطر والتنظيمات اللازمة لحمايتها وتأمين مدى استمراريتها من أجل مستقبل أفضل، لا أن تتعامل معها بلامبالاة وتتركها في عزّ الأزمة بأسلوب "فخار يكسّر بعضو".