قوة عربية صاعدة في الذكاء الاصطناعي

  • 2024-05-03
  • 12:05

قوة عربية صاعدة في الذكاء الاصطناعي

  • أحمد عياش
يجمع الخبراء في الذكاء الاصطناعي أنه سيقود مستقبل التكنولوجيا والتحول الاقتصادي في العالم. فمنذ طرح أول جهاز كمبيوتر في منتصف القرن العشرين وظهور أول جهاز هاتف ذكي من شركة: "آبل" وغيرها، أحدثت التكنولوجيا وتطوير البرامج المصاحبة لها، ثورة في عالمنا وحياتنا اليومية.

في هذا المضمار، تبحث النسخة الثانية من قمة دبي للتكنولوجيا المالية التي تعقد يومي 6 و7 مايو/أيار الحالي في مدينة جميرا بدبي، آخر الابتكارات والتحديات التي يشهدها القطاع، كما تستعرض ما توصلت إليه التكنولوجيا الحديثة، إذ تجمع القمة التي ينظمها مركز دبي المالي العالمي، عدداً كبيراً من صنّاع القرار والفاعلين في قطاع التقنيات المالية والمصارف.

وتأتي القمة في وقت يشهد فيه قطاع التكنولوجيا المالية العالمي نمواً متسارعاً، إذ يتوقع أن تبلغ قيمته 608 مليارات دولار عالمياً في حلول العام 2029، وفقاً لشركة موردور انتليجنس المتخصصة في أبحاث السوق والاستشارات، كما من المتوقع أن يسجل سوق التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا معدل نمو سنوياً مركباً يزيد على 8 في المئة خلال الفترة الممتدة ما بين العامين 2024 و2029 متحدياً اتجاه السوق المالي العالمي الهابط.
ماذا تعني القمة المرتقبة في دبي؟ في عددها الصادر في 25 نيسان/ابريل الحالي، وتحت عنوان "إلى المستقبل" كتبت "النيويورك تايمز" انه اذا نجحت المملكة العربية السعودية وجارتها دولة الامارات العربية المتحدة في جهود الذكاء الاصطناعي، "فسيدخلان في وسط منافسة عالمية متصاعدة بين الصين والولايات المتحدة ودول أخرى مثل فرنسا التي حققت اختراقات في الذكاء الاصطناعي التوليدي".

ويمضي التحقيق الذي نشرته الصحيفة الأميركية الى تسليط الضوء على جهود المملكة العربية السعودية التي "تنفق الكثير لتصبح قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي"، ومن تلك الجهود المؤتمر الضخم الذي عقد في آذار/ مارس الماضي في أحد مراكز المعارض، على بعد 50 ميلا خارج الرياض. وتجمع في المؤتمر الذي حمل اسم Leap  أكثر من 200 ألف شخص، بمن فيهم آدم سيليبسكي، الرئيس التنفيذي لقسم الحوسبة السحابية في أمازون، الذي أعلن عن نية الشركة استثمار 5.3 مليارات دولار في المملكة العربية السعودية لمراكز البيانات وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فيما تحدث أرفيند كريشنا، الرئيس التنفيذي لشركة آي بي إم، عما وصفه وزير حكومي "صداقة مدى الحياة" مع المملكة. أما الرئيس التنفيذي لشركة TikTok شو تشيو فقال خلال المؤتمر إن السعودية بلد عظيم مبشراً بنمو التطبيق في المملكة. ومن جهتهم، قدم المسؤولون التنفيذيون من شركة Huawei وعشرات الشركات الأخرى العروض والمداخلات التي أشارت إلى أهمية المملكة في هذا المضمار. وقد أثمر المؤتمر إبرام صفقات بأكثر من 10 مليارات دولار، وهي نتيجة تؤشر على سير المملكة في اتجاه تحقيق رؤيتها التكنولوجية في إطار خطتها لإنشاء مركز قوة جديد في صناعة التكنولوجيا العالمية.

أما بالنسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة فإنها تسعى لتكريس نفسها كسويسرا الخليج، وما يدل على ذلك عمليات الاستحواذ التي تقوم بها شركات التكنولوجيا العالمية في البلاد، ومنها صفقة مايكروسوفت التي استحوذت على حصة بقيمة 1.5 مليار دولار في شركة G42. وكجزء من هذه الصفقة سينضم رئيس Microsoft براد سميث إلى مجلس إدارة G42 ، فيما ستبيع المجموعة التي تبلغ قيمتها 3 تريليونات دولار نسبة محددة من السعة السحابية Cloud  إلى G42، وستحصل Microsoft على الكثير من صفقتها الجديدة التي تمنحها ميزة على المنافسة السحابية الأخرى مثل Amazon Web Services وغوغل. وفي المقابل يمكن لـ G42 استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها على منصات Microsoft، وذلك بحسب تقارير عدة تناقلتها وسائل إعلام مختلفة. 

ووفقاً لشركة الاستشارات ماكينزي، فإن هذه الصفقة يمكن ان تفتح الباب لمرحلة جديدة حيث يتوقع ان يستقطب قطاع التخزين السحابي من قطاع النفط والغاز وحده ايرادات قد تصل قيمتها لحدود 82 مليار دولار في حلول العام 2030.  

 

تصنيفات مؤشر الذكاء الاصطناعي


 أدّت التطورات التي شهدها العالم في الفترة الأخيرة إلى تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي في القطاعات العامة والخاصة بالاضافة إلى تعزيز مسيرة التحول الرقمي. ويُصنّف مؤشر الذكاء الاصطناعي 62 دولة بحسب قدراتها ومدى تطوّرها في هذا المجال مع رصد الاستثمارات التي تُكرّس لنمو الأعمال والمجتمع والحكومة فيها. ويعتمد المؤشر على سبع ركائز فرعية لتصنيف الدولة ضمن المؤشر وهي المواهب، البنية التحتية، البيئة التشغيلية، البحث والتطوير، الاستراتيجية الحكومية والتجارة. وقد احتلت الامارات والسعودية المرتبة الأولى بين الدول العربية في مؤشر الذكاء الاصطناعي، وحذت قطر حذو جارتيّها الخليجيتيّن.
وفي تفسير ذلك، فإن الابتكارات التي ظهرت أخيراً أدت إلى تنمية مجال الذكاء الاصطناعي على مستوى الدول العربية والشرق الأوسط وأفريقيا والعالم حيث أتت الحكومات بكل السبل لتعزيز مكانتها الرقمية وكيفية التعامل مع الحلول الجديدة وادارة المخاطر المحدقة ومعالجة الهجمات الالكترونية المحتملة.

تتميز بعض دول الشرق الأوسط، الخليجية منها على وجه التحديد، في سباقها نحو الذكاء الصناعي عن بقية الدول بأنها تتوفر فيها سبل النجاح من دعم مؤسساتي حكومي ومالي كبير، عكس دول الغرب التي قد تعاني بعض المراكز البحثية، رغم وفرة العقول، من شح الدعم المادي.

في المقابل، هناك تباين ملحوظ يتواجد بين الدول العربية في ما يخص مدى التقدم المحرز على صعيد الذكاء الاصطناعي والقطاعات والتقنيات المرتبطة به، ما بين دول ماضية في تحقيق طفرات واسعة وسريعة في هذا الصدد وتتطلع للمنافسة العالمية ومزاحمة الكبار مستقبلاً، ودول أخرى لا تزال تتحسس طريقها في هذا السياق.

وتتمتع دول عربية عدة بإمكانات تؤهلها للمنافسة، ما بين الوفورات المالية بالنسبة لبعض الدول، وكذلك العقول المُبدعة التي يتم الاعتماد عليها في شركات عالمية ويُمكن الاستفادة منها بشكل كبير، وبما يتطلب المزيد من التكامل العربي الجاد في هذه القطاعات التي تشكل أساس المستقبل.

ويبدو أن هناك محاولات عربية متنوعة ورغبة واضحة في اللحاق بموقع متقدم ضمن منافسات الذكاء الاصطناعي، وهو ما أظهره المؤشر الذي كشفت عنه جامعة "ستانفورد" حديثاً ويصنف مجموعة من الدول حسب قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي، ويتمحور حول محاور ثلاثة هي: التنفيذ والابتكار والاستثمار.

ومن الميزات الأخرى التي تتميز بها بعض دول شرق الأوسط، حسب ما صرح به الدكتور حاتم بقشان، رئيس مركز الابتكار الكبير في المملكة العربية السعودية، "أن الشباب يشكلون نسبة 50 في المئة من إجمالي عدد السكان في المنطقة، وهو عدد ضخم، لذلك إذا حاولنا الارتقاء بهذه الأجيال، فبعد 15 إلى 20 عاماً، سيكونون قادرين على اعطاء دفع كبير لتبني واستخدام تقنيات وتطبيقات الذكاء الصناعي". وتشير التوقعات الحالية أن تصل مكاسب دول الشرق الأوسط من استخدام التكنولوجيا في العام 2030 لحدود 230 مليار دولار.

بالعودة الى ما لفتت اليه النيويورك تايمز، يتبين حالياً، ان عبارة "قوة كبرى" كي نصف بها ما وصلت اليه السعودية والامارات في مضمار الذكاء الاصطناعي ليس من اعمال الخيال. هناك الأرقام والتحولات وهذا السباق المحموم على المستوى العالمي من اجل الفوز بحصة من هذا القطاع الناشىء في هاتيّن الدولتيّن العربيتيّن.