أزمة الطاقة في أميركا وأوروبا قد تضعف وحدة الموقف المناخي في شرم الشيخ

  • 2022-11-08
  • 15:02

أزمة الطاقة في أميركا وأوروبا قد تضعف وحدة الموقف المناخي في شرم الشيخ

  • رشيد حسن

 

يمكن تلخيص الوضع الذي يميز قمة المناخ (COP 27) المنعقدة حالياً في شرم الشيخ بجملة بسيطة وهي أن حاجات الاقتصاد القريبة أصبحت متقدمة (بعد الحرب الروسية- الأوكرانية ومفاعيلها وبروز التضخم) على الأهداف البعيدة للمناخ، وأن المشاريع الطموحة لمعالجة أزمة مناخية، لا يجمع علماء المناخ والفيزياء الكبار كافة على مداها، تصطدم تكراراً بالواقع الاقتصادي الصلب والمصالح القومية والمتباينة، كما تصطدم بصورة خاصة بالمصالح الهائلة والحسابات المختلفة للدول القوية الآسيوية والعديد من دول أفريقيا وأميركا اللاتينية. فلا يوجد رغم العناوين البراقة والأهداف العامة "الملتزم" بها، إجماع حقيقي حول هذا الملف بل اختلافات تعكس التباين الكبير في مصالح اللاعبين.

قمم المناخ حدّدت الأهداف المناخية

وفشلت في تأمين الالتزام بها

وكان يكفي اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية لنشهد تصدّع الوحدة المزعومة حول أولويات المناخ وبروز أولويات اقتصادية ملحة دخلت في تناقض مع تلك أهداف وحسابات "لوبي" التغير المناخي. 

ومثل القمم المناخية السابقة، فإن المسار المتوقع لقمة شرم الشيخ لن يكون مختلفاً عن القمم السابقة في وضع أو تكرار الأهداف والإعلانات الرسمية من قبل كل دولة عن أهدافها ومساهمتها المتوقعة في الجهد الدولي لاحتواء التغير المناخي، لكن قمة شرم الشيخ قد تكون أول مؤتمر مناخي يشهد تبدل أجواء المؤتمرين من التفاؤل والحماس إلى أجواء التحفظ والتشاؤم أمام الفشل المتكرر للمجتمع الدولي ولاسيما الدول الغنية في تنفيذ الالتزامات، ولاسيما التمويلية منها، التي انتهت بها مؤتمرات المناخ التي تنعقد سنوياً على أعلى المستويات الرسمية التي منذ معاهدة باريس في العام 2016. 

وعلى سبيل المثال، فإن تعهد الدول الصناعية بتوفير 100 مليار دولار سنوياً لدعم جهود الحدّ من التغير المناخي في الدول النامية أصبح مثل "قصة إبريق الزيت" كما يقال في المثل العربي إذ لم ينفذ من هذه الالتزامات سنة بعد سنة  إلا نزر يسير، كما إن الدول الغنية فشلت أيضاً في توفير التمويلات اللازمة  للتعويض عن الكوارث المناخية خصوصاً تلك التي تصيب الدول الفقيرة أو للتعويض عن حالات التضرر المناخي الدائم كما في حالات ارتفاع مستوى البحر وإغراقه للمواقع السكنية والزراعية.

نتيجة لهذا الفشل، فإن مؤتمر المناخ في شرم الشيخ لن يبحث في وضع أهداف جديدة بل سيركز هذا العام على موضوعين أساسيين وهما: أولاً توفير الموارد المالية اللازمة لتنفيذ السياسات المقررة، وقد أصبح واضحاً أن العالم لا تنقصه أهداف ومعاهدات بل تنقصه رغبة الدول الصناعية المتقدمة على توفير الأموال اللازمة لتحقيقها من قبل الدول النامية التي لا تملك القدرات للقيام بذلك.

وفي الواقع يمكن رد الفشل المتكرر للدول الصناعية التي تتزعم التوجه نحو الأهداف الطموحة مثل التوصل إلى الحياد الكربوني بحدود العام 2050 إلى الفوارق الكبيرة الاقتصادية والاجتماعية والسكانية التي تفصل بين هذه الدول وبين الاقتصادات الناشئة الباقية في العالم ولاسيما الصين والهند والاقتصادات الآسيوية أو الأميركية اللاتينية أو اقتصادات الخليج وهذه الدول التي قدمت متأخرة إلى قطار التنمية العالمية والتطور الاقتصادي والرخاء تحتاج إلى استخدام مصادر الطاقة الأحفورية الرخيصة مثل النفط والفحم والغاز لتشغيل الصناعات الكبرى وشبكات النقل البحري والبري وشبكات الكهرباء وغيرها ولا يوجد لديها بالتالي خيارات عملية واقتصادية للانتقال في وقت قصير إلى مصادر الطاقة المتجددة التي مازالت مكلفة جداً ويصعب تعميم انتشارها خارج مجالات معينة ومحدودة، إذ لا تمثل هذه في قطاع الكهرباء أكثر من 13 في المئة إضافة إلى الكهرباء المولدة من السدود المائية والتي تؤمن 16 في المئة من الطاقة الكهربائية في العالم. وبالنظر لهذه الفروقات الكبيرة في مسار التنمية، فإن دولاً مثل الصين والهند وبعض الدول النامية الصاعدة رفضت الالتزام بالقيود التي وضعتها معاهدة باريس أو ربطت تحقيق تلك الأهداف بآجال بعيدة في الزمن تتجاوز غالباً الهدف المحدد في معاهدة باريس وهو العام 2050. 

وقد كرر ممثلو الدول النامية وعلى رأسهم الدولة المضيفة لمؤتمر مناخ 27 وهي مصر التأكيد على أنهم لن يتمكنوا من المساهمة في الجهود الرامية لاحتواء أزمة الطاقة إذا لم يتم مدهم بالتمويلات اللازمة، وشدد هؤلاء على أن الخسائر الكبرى التي مني بها اقتصادهم من جراء جائحة الكورونا وارتفاع اسعار النفط والسلع وأسعار الدولار والفوائد وشبح تفاقم عبء خدمة الدين تحدّ كثيراً من الموارد التي يمكن لهذه الدول توجيهها لاحتواء أزمة المناخ مما يعني أن تعاون هذه الدول النامية في ملف المناخ سيبقى مرهوناً بتوفير الدعم المالي والتسهيلات التمويلية من الدول الغنية والمؤسسات الدولية مثل البنك الدولي.

لكن إلى المشكلات الاساسية التي رافقت الجهود الدولية لمواجهة أزمة المناخ، فإن مؤتمر شرم الشيخ يواجه هذا العام عواصف عاتية اقتصادية وسياسية غير مسبوقة تهدد مظهر الإجماع أو التوافق (ولو الشكلي) الذي كان يميز قرارات وتوصيات مؤتمرات المناخ السابقة، وهذه العواصف تتمثل بصورة خاصة بالحرب الروسية على أوكرانيا وما أدت إليه من اضطرابات شديدة في الاقتصاد العالمي وسلاسل الإمداد ومعدلات التضخم المالي في العالم.

كما أدت الحرب وذيولها إلى أزمة طاقة عالمية أصابت الولايات المتحدة الأميركية  والاتحاد الأوروبي وتسببت بارتفاعات غير مسبوقة في اسعار الوقود وفي معدلات التضخم، وأدى قطع الغاز الروسي عن دول الاتحاد الأوروبي إلى أضرار فادحة للصناعات الأوروبية ولاسيما الألمانية وإلى احتمال شتاء أوروبي قارس في ظل انعدام مصادر التدفئة لعشرات الملايين من السكان الذين كانوا يعتمدون على النفط الروسي وتحول الكثير منهم إلى قطع الغابات وخزن الحطب لتأمين الدفء خلال الشتاء. 

أزمة الطاقة تصدَّع التضامن المناخي

أدى استخدام روسيا لسلاح الغاز إلى اشتعال أسعار الوقود وتعرفات الكهرباء وإلى توقف 70 في المئة من إنتاج الاسمدة الكيماوية في دول الاتحاد كما خلق ضغوطاً شديدة على الصناعات الكيماوية وصناعات الأسمدة والزجاج والصلب في الدول الأوروبية. 

والجانب الأهم لأزمة الطاقة الحالية في أوروبا هو في أنها ستضعف كثيراً من التزام دول القارة بالأهداف المناخية، وقد تؤدي إلى اختلافات في مواقف هذه الدول التي سيسعى بعضها لتقديم مصلحته الوطنية على الاتفاقات الدولية وتقديم الضرورات والحاجات المباشرة لاقتصادها على الأهداف البيئية البعيدة الأجل، وقد أدت أزمة الطاقة الحادة في أوروبا حتى الآن إلى ثلاث ضربات مهمة للاتفاقات المناخية:

  1. أدت أزمة الغاز إلى عودة بالجملة إلى استخدام الفحم الحجري من قبل الدول الأوروبية، فقفز استيراد الاتحاد الاوروبي من فحم الوقود بين مطلع العام وشهر أغسطس الماضي بنسبة 35 في المئة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام 2021. ويستخدم فحم الوقود حالياً لتوليد ثلث الطاقة الكهربائية التي تحتاجها ألمانيا بينما يقف البولونيون بالصف للحصول على حاجتهم من فحم التدفئة لموسم الشتاء.
  2. أدت الأزمة أيضاً إلى قرار جمهورية التشيك تمديد صلاحية معامل إنتاج الكهرباء من الفحم ومتابعة استخراجه، كما قررت بلجيكا تأجيل إقفال محطتين لإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية، وأعلنت دول أوروبية عدة نيتها العودة إلى الفحم أو النفط. ورغم تأكيد سلطات الاتحاد الأوروبي بأن هذه التحولات مؤقتة، فإن أفق العودة إلى وضع ًطبيعي للطاقة في أوروبا يبدو بعيدا.
  3. نتيجة للقفزات الكبيرة في استخدام الفحم والنفط في العام الماضي، فقد شهد العالم أعلى ذروة لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، ورغم عقود طويلة من التفاوض على خفض هذه الانبعاثات، فإن الوقود الأحفوري مثل النفط والفحم لا يزال يمثل 80 في المئة من الإمداد الأساسي بالطاقة لدول العالم.

وبالطبع، فإن الاتحاد الأوروبي الذي يتبنى عادة سياسات مناخ راديكالية سيبدو الآن فاقداً للمصداقية بسبب عودة دوله بالجملة إلى استخدام الفحم لتأمين حاجاتها من الطاقة، أضف إلى ذلك، أن خروج الغاز من سلة وقود الاتحاد الأوروبي سيضع الدول الأوروبية في مأزق لجهة مدى الامتثال للمعايير المناخية لأن الغاز مصنف كـ "وقود انتقالي" يسمح باعتباره ضمن سلة الطاقة النظيفة، أما الآن فإن الغلبة المتزايدة للفحم في سلة الطاقة الأوروبية ستقيد قدرة أوروبا على تنفيذ التزاماتها المناخية المحددة للعام 2030. 

العامل الآخر الذي سيضعف قدرة الاتحاد الأوروبي على الوفاء بالتزاماته المناخية هو التكلفة المالية الهائلة التي تتكبدها دول الاتحاد الأوروبي لدعم أسعار الطاقة ووقود التدفئة والتي تجاوزت الـ 300 مليار دولار خلال السنة الأخيرة، حتى إن اليونان تخصص 4 في المئة من ناتجها المحلي وإيطاليا 3 في المئة منه لتمويل برامج دعم الكهرباء للمواطنين، ويتوقع لهذه الأرقام أن تتفاقم خلال أشهر الشتاء المقبل. في موازاة هذه السياسات المكلفة، فإن معدل الدين العام إلى الناتج المحلي اقترب في منطقة اليورو من 100 في المئة، بينما تستمر معدلات التضخم على ارتفاعها غير العادي.

وكانت دول الاتحاد الأوروبي تتحمل ثمناً باهظاً لدعم البرنامج المناخي للاتحاد بدليل أن اللجنة الاقتصادية للاتحاد قدرت أن تحقيق أهداف المناخ المرسومة للعام 2030 يتطلب استثمارات إضافية بنحو 260 مليار يورو في العام وهذا المبلغ يضاف إلى مئات مليارات اليورو المرصودة في ميزانية الاتحاد لدعم أهداف التحول المناخي في العالم.

إذا أخذنا في الاعتبار أيضاً أزمة الطاقة التي شهدتها الولايات المتحدة والتي فرضت على الإدارة الأميركية استخدام الاحتياط الاستراتيجي للنفط، فإن من الممكن القول إن تطورات هذا العام كشفت أن العالم لا يزال معتمداً بقوة على مصادر الطاقة التقليدية وأن هدف الانتقال إلى مصادر بديلة ومشاريع الوصول إلى الصفر الكربوني تبدو في ضوء الوضع الاقتصادي الدولي ودرجة التطور التكنولوجي في صناعة الطاقة المتجددة صعبة التحقيق في الأفق الزمني رغم الآمال العريضة لمؤتمرات المناخ.