السعودية والنجاح في رئاسة قمة العشرين وسط جائحة غير مسبوقة

  • 2020-11-22
  • 09:22

السعودية والنجاح في رئاسة قمة العشرين وسط جائحة غير مسبوقة

إدارة القمة اعتمدت بدرجة كبيرة على مبادرات عالمية وكفاءة التنظيم وتطور منظومة التعامل الرقمي لمواجهة الجائحة وآثارها

  • رشيد حسن

 

اقتربت السعودية من تتويج سنة كاملة تولت خلالها رئاسة مجموعة العشرين والتي تمثل أقوى 20 اقتصاداً في العالم، وتشير كل الدلائل وشهادات الدول الأعضاء والمشاركين إلى أن المملكة التي تعتبر أول بلد عربي يستضيف قمة الـ 20، أظهرت كفاءة كبيرة في إدارة أعمال هذه الدورة التي تحولت إلى تحد استثنائي بسبب جائحة كورونا وما تسببت به من انقطاع وشلل غير مسبوقين في التواصل بين الاقتصادات والمجتمعات والأفراد.

وعلى الرغم من تسمية هذا الحدث السنوي بـ "قمة الـ 20"، فإنه يتكون عملياً من عدد كبير من الاجتماعات الوزارية واجتماعات الخبراء واللجان وممثلي المجتمع المدني والهيئات الاقتصادية التي تمتد على مدار العام وتعمل في إطار الأجندة المقررة للانعقاد الدوري، وهي تمثل العمل الفعلي الذي ينتهي إلى بلورة التوصيات والقرارات التي ترفع إلى القمة لإقرارها والعمل بها للسنوات الأربع التالية. ولهذه الأسباب، فإن رئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين التي بدأت في أول كانون الأول/ديسمبر 2019 ليست فخرية أو بروتوكولية فهي رئاسة تنفيذية بكل معنى الكلمة حيث تتولى الدولة المضيفة رعاية تطبيق الأجندة المتفق عليها ورئاسة الاجتماعات الوزارية ومجموعات العمل واللجان المتخصصة والمشاركة في صياغة التوصيات التي ترفع إلى الرؤساء لإقرارها ضمن خطة العمل للسنوات التالية، كما تتولى الدولة المترأسة للدورة الاهتمام باستقبال الوفود وخدمتهم وتوفير برامج للتعرف على البلد المضيف والتفاعل مع المجتمع والقوى الفاعلة، فالقمة تمثل بهذا المعنى فرصة كبرى للدولة المضيفة للتعريف بالتطورات والإنجازات التي تحققها والتحاور مع الشركات والمؤسسات الدولية المشاركة في فعاليات القمة.

 

قمة بالصيغة الافتراضية

وكما إن السعودية كان لها نصيب استضافة الدورة الـ 15 لقمة الـ 20، فقد كان لها نصيب استضافة أول قمة للمجموعة في ظرف كوني غير مسبوق هو جائحة كورونا التي حدت كثيراً من إمكان عقد الاجتماعات، وفرضت تبني أسلوب الاجتماعات الافتراضية باستخدام  تطبيقات الاجتماع عن بعد، وخاضت السعودية أول تجربة في تاريخ قمة الـ 20 لقيادة فعاليات ونشاطات القمة بالصيغة الافتراضية، وهي نجحت نجاحاً كبيراً في ذلك بسبب البنية التحتية المتطورة وخصوصاً البنية التحتية الرقمية والأمن الرقمي المتوافر لديها، لذلك، وعلى مدى العام، انعقد في إطار فعاليات القمة أكثر من 100 اجتماع للجان الوزارية أو لجان الخبراء كما انعقدت قمة أولى لقادة المجموعة في مارس الماضي للبحث في سبل التعاون لاحتواء جائحة الكورونا وتمّ افتتاح القمة الختامية لقادة الدول العشرين يوم أمس في مدينة الرياض.

تعديلات

ونظراً إلى التحديات الطارئة التي ولّدتها جائحة الكورونا، فقد تم في ظل القيادة السعودية للمجموعة إدخال تعديلات مهمة على جدول الأعمال الذي كان في الأصل متركزاً حول الاستثمار في فرص المستقبل وحماية المناخ وتمكين القوى البشرية، إلا أنه اضطر الى تخصيص جهود أكبر وقسم كبير من اللقاءات للتشاور في سبل التعاون بين دول المجموعة للتعامل المباشر مع الوباء واحتواء آثاره الاقتصادية وفي الوقت نفسه مساعدة الدول النامية التي خسرت جزءاً كبيراً من مداخيلها ولا يتوافر لديها الموارد اللازمة للتعامل مع الوباء وتوفير الحماية الكافية لمواطنيها. وأطلق قادة مجموعة الـ 20 في هذا السياق مبادرتين أساسيتين الأولى ترمي لمساعدة الدول الفقيرة على تأجيل تسديد ديون خارجية بقيمة 14 مليار دولار وسيستفيد منها 43 دولة، كما تم تخصيص مبلغ 21 مليار دولار لتدعم الجهود العلمية لتطوير سبل اكتشاف المرض ومعالجته، وبالإضافة إلى الاتفاق على استراتيجية مشتركة لمواجهة وباء كورونا، يتوقع للمؤتمر أن يتخذ سلسلة من القرارات المهمة في مجالات عدة من تمكين المرأة إلى مواجهة تحديات التلوث والتغير المناخي إلى تعزيز أنظمة الرعاية الصحية والتعليم فضلاً عن وضع أسس مبدئية للتشارك بصورة عادلة في اللقاحات التي يتم تطويرها، عندما يحين وقت إجازة استخدامها في نطاق التصدي للفيروس.

السعودية كانت مستعدة

إن القيام بمسؤولية رئاسة قمة الـ 20 كان تحدّياً هائلاً للسعودية التي تمر بمرحلة انتقال من الاقتصاد المعتمد على النفط  إلى اقتصاد متنوع ودولة حداثة وانفتاح على العالم، لكن السعودية واجهت تحدي قمة الـ 20 بالحماسة نفسها التي تعاملت بها مع برامج التحول الوطني ومشروع النهضة التي أطلقه الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد محمد بن سلمان منذ الإعلان عن رؤية المملكة 2030، وهذا النوع من الطموح الحماسي كان واضحاً في أداء مختلف الجهات الحكومية والخاصة التي تولت الإعداد لقمة مجموعة العشرين، وقد ولّدت التحولات والإنجازات التي تحققت للمملكة في مرحلة قصيرة نسبياً حالة جديدة من الثقة بالنفس، كما إن ربط التطور الوظيفي في أي مكان وعلى أي مستوى بالأداء والإنجاز جعل السعوديين يتسابقون لتحمّل المسؤولية بل والتميّز في عملهم وهذا ما ساعد الماكينة الضخمة، التي كلفتها الحكومة السعودية بضمان نجاح الحدث، على التعامل معه بقدر كبير من الثقة والفعالية، لكن الرئاسة السعودية لقمة الـ 20 كانت تقطف الثمار الطيبة لنجاح المملكة في توفير بنية تحتية حديثة وتطوير الاقتصاد وأنظمة التعامل الرقمي وأمن المعلومات والبيانات والمهارات المحلية في التشغيل وفي التعامل مع المشاركين والحل الفوري للمشكلات التي قد تبرز في سياق الاجتماعات الافتراضية.

أسباب النجاح

بهذا المعنى، فإن السعودية تمكنت من إدارة القمة بنجاح لأنها تمكنت قبل ذلك وبنجاح من إدارة شؤونها وإداراتها ومؤسساتها، ولأن النهضة السعودية قفزت في وقت قصير بالوعي العام في المملكة وبقدرات وكفاءة إداراتها وهي بدلت ثقافة العمل الحكومي فيها من ثقافة الامتيازات أو "الحق في الوظيفة" أو قانون أقل مجهود إلى ثقافة الإنجاز والمسؤولية والمساءلة.

السعودية في مرحلة انتقال حافلة بالتحولات، وبالنسبة الى هذا البلد المنهمك في أحد أهم التحولات التي شهدتها البلدان النامية منذ منتصف القرن الماضي، فإن تنظيم قمة الـ 20 كان ولا شك امتحاناً كبيراً تمكنت المملكة من اجتيازه بثقة، كما إن القمة نفسها كانت مناسبة ليرى العالم عن قرب حجم وعمق التغيير السعودي.

يذكر أخيراً أن مجموعة الـ 20 تتكون من الاتحاد الأوروبي و19 دولة هي الولايات المتحدة الأميركية والصين وألمانيا واليابان والهند وكوريا الجنوبية وبريطانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا وأستراليا والمملكة العربية السعودية والبرازيل والأرجنتين وجنوب أفريقيا وتركيا وإندونيسيا وقد دعيت  دول من خارج المجموعة إلى اجتماعات 2020، وتمثل مجموعة الـ 20 نحو 85 في المئة من الناتج المحلي العالمي و80 في المئة من التجارة الدولية وثلثي عدد السكان ونحو نصف مساحة اليابسة على الكرة الأرضية.