قطار التخصيص السعودي ينطلق بعد تمهيد الطريق بالإصلاحات المطلوبة
قطار التخصيص السعودي ينطلق بعد تمهيد الطريق بالإصلاحات المطلوبة
القطاع العام خزان هائل للقيمة، حان وقت توظيفه في عملية التحول الوطني
- رشيد حسن
التطورات التي توالت منذ مطلع العام الحالي تعزز الانطباع بأن قطار التخصيص في المملكة السعودية انطلق بزخم غير مسبوق بعد أن رفعت من طريقه العديد من العقبات وتمّ تمهيد الطريق أمامه بسلسلة من الإصلاحات الأساسية التي تناولت أولاً إطلاق المركز الوطني للتخصيص واستكملت في مارس الماضي بإصدار الحكومة لنظام التخصيص الذي يعزز صلاحية مركز التخصيص ويوفر الإطار القانوني الواضح والشفاف لإعداد ملفات التخصيص ورفع الكثير من العقبات التي كانت قائمة من قبل.
وكانت عمليات التخصيص التي أنجزت وأهمها تخصيص المطاحن السعودية بمثابة تجربة مهمة أظهرت للمسؤولين على مدى سنوات نوع العقبات والعوامل التي يمكن أن تعترض التنفيذ السلس لصفقات التخصيص، وساهمت بالتالي في تطوير الخبرات اللازمة لاجتذاب المستثمرين والتفاوض وبلورة الصيغ التي تؤمن الإنجاز الفعال لهذه العمليات. وفي هذا السياق، يمكن فهم التصريح الذي أدلى به الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للتخصيص ريان نقادي والذي قال فيه:
" لقد أصبحت الصورة أكثر وضوحاً لنا مما كانت عليه قبل عامين أو ثلاثة أعوام وبات لدينا الآن لائحة متكاملة بمشاريع للخصخصة يمكننا البدء بجلبها إلى السوق بعد ترتيب الأولويات بينها".
لكن، وأخذاً في الاعتبار أن أحد أهداف خطة التخصيص هو اجتذاب المستثمرين الخارجيين، فقد عملت الحكومة السعودية في الوقت نفسه على استكمال الإصلاحات البنيوية لبيئة الأعمال والاستثمار في المملكة بما يعزز جاذبية الاقتصاد (وعمليات التخصيص) للاستثمارات الخارجية، وتناولت تلك الإصلاحات بصورة خاصة توحيد التشريعات المدنية والتجارية وإنشاء قضاء مدني وتجاري مستقل وتحقيق قفزات في تحسين بيئة الأعمال وتطوير قانون العمل وإلغاء نظام الكفيل وتعليق العمل بنظام نطاقات في بعض الحالات، أضف إلى ذلك مبادرات الانفتاح والتطوير الواسع النطاق للمدن الرئيسية مثل الرياض وجدة والخبر والمشاريع العملاقة الجديدة. ويعتبر اجتذاب مستثمرين أجانب أساسيين إلى عملية تخصيص المطاحن مؤشراً على وجود شهية لدى الشركات العالمية لمحاولة أخذ حصص في عمليات التخصيص المقبلة وتأمين وجود مباشر لها في أكبر أسواق المنطقة العربية والعالم النامي.
لم يكن صدفة لذلك أن تبع الإعلان عن إنجاز صفقة المطاحن سلسلة من الأنباء عن عمليات كان من بينها أضخم عملية استثمار أجنبي في قطاع النفط السعودي تمثلت بصفقة تأجير لشبكة أنابيب أرامكو لكونسورتيوم دولي حققت منه الشركة نحو 12.4 مليار دولار.
في الوقت نفسه بات من المتوقع أن يتم هذا العام بيع حصة في محطة «رأس الخير» وهي أكبر مجمع لتحلية المياه في العالم وتوليد الطاقة الكهربائية، ثم تنفيذ عمليات خصخصة بقيمة 4 مليارات دولار في قطاع البنية التحتية مع توقع تنفيذ عمليات عدة لخصخصة أصول حكومية عبر شراكات بين القطاعين العام والخاص خلال العامين 2022 و2023.
إضافة إلى قطاعي النفط والغاز والبنية التحتية انطلقت عمليات استثمار أجنبي واعدة في قطاعي المياه والطاقة المتجددة مع توقيع المملكة لاتفاقات مع شركة ماروبيني وشركة كهرباء فرنسا لبناء محطات لتوليد الطاقة الشمسية ثم دعوة شركة مياه السعودية المملوكة بالكامل من صندوق الاستثمارات العامة مؤسسات القطاع الخاص للمشاركة في بناء 114 من محطات تكرير مياه الصرف في مختلف مناطق المملكة. وأعاد وزير المالية السعودية محمد الجدعان التأكيد على نية الدولة السعودية بيع حصص في 13 من مؤسسات القطاع العام في غضون السنوات الخمس المقبلة مع توقع أن تحقق هذه العمليات مداخيل بنحو 13.33 مليار دولار.
خزان ضخم
يمثل القطاع العام السعودي خزّاناً هائلاً للقِيم تجمعت فيه جهود الدولة السعودية التنموية والاستثمارية عبر عقود طويلة من الزمن، إذ أخذت الدولة على عاتقها مسؤولية تطوير البنى التحتية والقطاعات الأساسية مثل المياه والكهرباء والاتصالات والمواصلات والقطاع النفطي وقطاعات التعليم والصحة ومختلف الخدمات الحكومية، وكان النمو المتواصل في المصالح والمؤسسات الحكومية يلخص نموذجاً للدولة الراعية وهذا النموذج جُعِل ممكنا بفضل الثروة النفطية الهائلة المتوافرة للمملكة والتي ما زالت تمثل المصدر الأهم لتمويل الإنفاق بوجوهه الاستثمارية والتجارية كافة.
لكن لهذا السبب بالذات، فإن هذا النموذج يستند إلى الاقتصاد النفطي ويكرس بالتالي اعتماد الاقتصاد السعودي على مورد ناضب، وقد تضاءلت مع الوقت قدرة هذا المورد على القيام بأعباء الاقتصاد بسبب النمو السكاني والحضري وتعاظم متطلبات الإنفاق في وقت تشهد أسعار النفط ميلاً أطول أمداً نحو الانخفاض في ظل تبني المزيد من دول العالم لسياسات طويلة الاجل للحدّ من الانبعاثات الكربونية والاستثمار في مصادر الطاقة البديلة، لذلك فإن حجر الزاوية في رؤية 2030 هو جعل الاقتصاد غير النفطي والقطاع الخاص المرتكز الأساسي للاقتصاد السعودي.
ومن أهم الوظائف التي يقدمها التخصيص السعودي هو أنه يرفع عن الدولة أولاً نسبة كبيرة من مسؤوليات الإنفاق ويوسع قاعدة الاقتصاد ويوفر قناة رئيسة لاستقطاب الاستثمار الأجنبي، إلا أن نقل الدور الأول في الاقتصاد إلى القطاع الخاص يتجاوز بنتائجه بكثير الأثر الكمي المباشر وهو خفض أعباء الإنفاق الحكومي وتحقيق موارد ضخمة للدولة إلى التمهيد لإحداث تحولات نوعية كبرى في الاقتصاد من أهمها زيادة حيوية الاقتصاد وكفاءاته وقدرته التنافسية وتعظيم القيمة الحقيقية للمؤسسات المخصخصة وبالتالي للثروة الوطنية، فضلاً عن خلق شركات قيادية كبرى تمهد بدورها للموجة التالية من النمو واتساع قاعدة الأعمال والمهارات الوطنية.
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال