رائد بكيرات لـ "أوّلاً": المشاريع الصغرى والمتوسطة ضرورة

  • 2020-02-09
  • 08:01

رائد بكيرات لـ "أوّلاً": المشاريع الصغرى والمتوسطة ضرورة

لقاء خاص مع مدير عام "مجلس صناعات الطاقة النظيفة" في أبوظبي

  • أبوظبي - سليمان عوده

تمثل الطاقة النظيفة حجر زاوية في مشاريع الطاقة الخليجية، حيث يتنامى الاتجاه إلى بناء محطات كبرى لإنتاج الطاقة النظيفة هي الأضخم عالمياً، وبتعرفة هي الأدنى على الإطلاق في القطاع. كيف يقيم مدير عام “مجلس صناعات الطاقة النظيفة” رائد بكيرات الدور الذي تلعبه الطاقة النظيفة في مشهد الطاقة الخليجي، سواء على مستوى الاستثمار أو الوظائف أو التمويل، وكيف ينظر إلى التحديات التي يواجهها؟ 

 

ما هو التحدي الأبرز الذي يعترض اقتصادات المنطقة في مجالات الطاقة البديلة؟ 

تنسجم الجهود التي تبذلها بلدان المنطقة في مجال الطاقة النظيفة مع التوجهات العالمية في هذا المجال، إذ تجاوز حجم المشاريع التي جرى وصلها بالشبكات على مستوى العالم الـ 120 ألف ميغاواط في العام 2019، في حين أن الاستثمارات في هذا القطاع بلغت 300 مليار دولار خلال السنة الماضية. ويمكن القول إن التحدي الأساسي عربياً يكمن في المقاربة التي تعتمدها بلدان المنطقة لتعزيز وتطوير قطاع الطاقة البديلة. فالانتقال من توليد الطاقة باستخدام مصادر الطاقة التقليدية من نفط وغاز إلى توليد الطاقة باستخدام مصادر نظيفة بديلة يمثل من جهة تحدياً كبيراً واستثنائياً، فيما يمثل من جهة أخرى فرصة استثمارية واقتصادية عظمى، ينبغي على دول الخليج العربي أن تغتنمها سريعاً. ينبغي على هذه الدول أن تطلق مشاريع طاقة بديلة تنافسية. إن الأمر يتعدى العمل على مشاريع توليد الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، ليمتد إلى مواجهة التغير المناخي بفعالية. إن العالم بأسره، وفي القلب منه العالم العربي، يواجه معضلات التغير المناخي بصورها الأكثر حدة راهناً. الاحتباس الحراري مشكلة فعلية تحاصر دولنا. لقد بات مشهد الفيضانات التي تجتاح مدننا وعواصمنا العربية مشهداً مألوفاً يتكرر بصورة سنوية، في ظاهرة لم تكن تحدث قبل بضع سنوات فقط. يتسبب ذلك بإحداث خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات، كما أن هناك أرواحاً تهدر. 

 

فرص استثمارية

وما الجهود المطلوبة من القطاعين العام والخاص في سبيل لجم مثل هذه الظواهر؟ 

إن ضرورات محاربة التغير المناخي تتطلب منا ليس فقط توليد الطاقة الكهرباء من مصادر نظيفة، بل النظر في أسلوب حياتنا بطريقة متكاملة. يتطلب ذلك إعادة النظر في طريقة استهلاكنا للكهرباء، سواء أكانت مولدة باستخدام طاقة الشمس أو الرياح، كما يتطلب إعادة نظر شاملة في بنى وهيكلية قطاع النقل، لا سيما على صعيد استخدام المركبات، وضرورة تشجيع المركبات العاملة بالطاقة الكهربائية. ينسحب الأمر أيضاً على نوع الطعام الذي نتناوله، فكما تعلم، تحمل اللحوم بصمة كربونية عالية جداً، وهناك أيضاً منتجات زراعية ذات بصمة كربونية عالية. 

 

هل من عائد اقتصادي ينتج عن اعتماد مثل هذه المقاربات؟ 

بالتأكيد. إنَّ الاتجاه إلى تبني الحلول المستدامة يولد فرصة لإيجاد قطاعات اقتصادية جديدة في المنطقة. يعني ذلك إيجاد شركات جديدة، لا سيما على مستوى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير فرص عمل جديدة وخلق خبرات ومهارات يحتاج إليها الاقتصاد المعاصر بقوة. هذه المهارات والخبرات وما ستنتجه من تطبيقات وحلول ومنتجات، إن لم نقم بصنعها بأنفسنا الآن، فسنجد أنفسنا مجبرين على استيرادها مستقبلاً. 

 

أثر ناقص

هل تجد أننا في العالم العربي مؤهلون، سواء على مستوى القطاع الخاص أو على مستوى الأطر التنظيمية، للمباشرة ببناء القاعدة التي يمكن أن يشيد عليها “الاقتصاد النظيف” إن جاز التعبير؟ 

تختلف الجاهزية من دولة إلى أخرى، مثلما تختلف من سوق إلى آخر. لكنها في أفضل الأحوال جاهزية محدودة. التركيز حالياً في دول الخليج على بناء مشاريع الطاقة الكبرى، والتي تبنى بنظام المناقصات. يسعف هذا الاتجاه دولنا في الحصول على أفضل تعرفات الكهرباء عالمياً، وبأسعار متدنية جداً، أي بواقع 2 سنت و3 سنت لكل كيلوواط/ساعة، لكنها لا تساعد في إمكانية إيجاد أثر اقتصادي مستدام لتطوير قطاع طاقة محلي منافس. 

 

لماذا؟

لأننا نتحدث عن مشارع عملاقة. مشروع الظفرة الكهربائي في أبوظبي مثلاً، وقد جرى منذ ثلاثة أسابيع تقريباً تسلم العروض الخاصة ببنائه، سيشيد بقدرة 2000 ميغاواط. في مثال آخر، نجد أن الهيئة الاتحادية للكهرباء والماء (فيوا) في الإمارات قد أعلنت قبل أسبوعين عن مناقصة لتنفيذ مشروع طاقة شمسية كهروضوئية في أم القيوين بقدرة 500 ميغاواط. إن عدد الشركات القادرة على التعامل مع هذا النوع من المشاريع الهائلة الحجم وقدرتها على استقطاب التمويل اللازم للتشييد والتشغيل هو عدد قليل جداً. 

 

عمالقة من الخليج

لكن هناك شركات محلية كبرى تنطبق عليها هذه المواصفات مثل "مصدر" و"أكوا باور"؟ 

صحيح."مصدر" و"أكوا باور" باتتا من الشركات ذات الحجم الدولي، وتمتازان بالقدرة على تنفيذ هذا النوع من المشاريع، وقد تؤول العروض في نهاية المطاف إليهما، أو قد تسهمان بتطويرهما كمطور رئيسي. لكن الفكرة أنك إذا درست هذا النوع من المشاريع، وبعضها قد طبق بالفعل ودخل حيز التشغيل، ستجد أن المشروع قد يصل إلى الجدوى الاقتصادية التي كانت منتظرة منه في الأساس، وبالتأكيد سيصل إلى تعرفة متدنية جداً مقارنة بالأرقام العالمية، لكن فائدته في خلق وظائف مستدامة ستظل بالغة المحدودية. القطاع الذي يجب دراسته ودعمه هو القطاع المتعلق بالشركات الصغرى والمتوسطة، أي تلك التي تعمل في قطاع كفاءة الطاقة وتركيب الألواح الشمسية على الأسطح في المنازل والمدارس والمصانع وما يماثل ذلك. وهناك أمثلة رائعة على الجهد المبذول في هذا الجانب على المستوى الخليجي، لا سيما في دبي، خصوصاً من خلال مشروع شمس دبي، الذي يعتمد على نموذج صافي القياس، وهو النموذج المعتمد أيضاً في لبنان (Net metering) والأردن (نظام العبور). إن حجم سوق صافي القياس في دبي يتجاوز الألف ميغاواط كما تقول الدراسات، لكن بالرغم من أن مشروع شمس دبي انطلق من ست سنوات، إلا أن حجم المشاريع المدرحة تحته لا يتجاوز حتى الساعة 150 ميغاواط. في المقابل، فإن الأثر الاقتصادي لهذه المشاريع، سواء من حيث عدد الوظائف أو من حيث عدد الشركات، يوازي في أهميته الأثر الاقتصادي لمحطة إنتاج كهروضوئية توازي ألف ميغاواط نفذتها شركة كبرى. على هذا، يمكن القول إن التركيز في الخليج يقتصر على كيفية الوصول إلى أكثر تعرفة انخفاضاً، من دون دراسة الأثر الاقتصادي والاجتماعي والوظيفي والتمويلي لمثل هذا النوع من المشاريع. وفي النهاية، نجد أن مقاولاً أجنبياً قد فاز بالعقد فنفذه، وقضي الأمر، وهذا النوع من المشاريع العملاقة لا يولد أي خبرات أو وظائف مستدامة أو شركات تنافس على المستوى العالمي. 

 

لا يمكن إنكار حقيقة أن للمشاريع الكبرى أهميتها... فتوفير الطاقة بكلفة زهيدة مسألة حيوية للاقتصاد بكل مفاصله وقطاعاته! 

طبعاً بالتأكيد. فالأثر الاقتصادي الإيجابي للمشاريع الكبرى موجود. لست ضد المشاريع الكبرى، فأثرها إيجابي وهذا أمر لا يحتاج إلى نقاش، سواء على مستوى ضخ طاقة نظيفة على الشبكة، أو على مستوى الجدوى الاقتصادية من هذه المشاريع. لكنني أتحدث عن فرصة اقتصادية ضائعة يمكن إذا أفدنا منها أن نطور اقتصاداتنا ونسهم في تنميتها وتطويرها وجعلها أكثر استدامة. في مقلب آخر، فإن حجم سوق الكهرباء في العالم العربي محدود. لن نستطيع أن نمضي قدماً في طرح مشاريع بقدرات إنتاجية ضخمة إلى ما لا نهاية، لأن السوق ستصل، عاجلاً أم آجلاً، إلى الإشباع. بالتالي، علينا أن ننكب في السنوات العشر القادمة على طرح مشاريع تراعي الشروط البيئية من جهة، وفعالة في توطين المعرفة والتكنولوجيا والوظائف على صعيد الطاقة الخضراء من جهة أخرى. 

 

السعودية رائدة

كيف تقيم السوق السعودي على مستوى الطاقة النظيفة؟

يعد سوق الطاقة السعودي من أكبر الأسواق العربية، وحجم الحمل الكهربائي في المملكة يوازي ٦٥ ألف ميغاواط، في حين تصل قدرات الإنتاج لدى شركة الكهرباء السعودية إلى ٧٠ ألف ميغاواط. ويمتاز السوق السعودي بأنه سوق ناضج إجمالاً، وهو مفتوح على المشاريع الكبرى في مجال طاقة الرياح والطاقة الشمسية. وقد بادر مكتب تطوير مشاريع الطاقة المتجددة الذي يتبع وزارة الطاقة قبل فترة وجيزة إلى طرح المرحلة الثالثة من حزمة المشاريع الشمسية بقدرة 1200 ميغاوطا، في حين سيتم قبيل انتهاء الشهر الجاري استلام العروض الخاصة بالمرحلة الثانية، وتشمل مشاريع بقدرة ١٥٠٠ ميغاواط. أما بالنسبة إلى المرحلة الأولى، فهي وضعت بالفعل قيد التشغيل، وتشمل مشروعي سكاكة بقدرة 300 ميغاواط ودومة الجندول بقدرة 400 ميغاواط. إن للسوق السعودية في نظر المستثمرين أهمية قصوى، ويستقطب كبار المطورين. 

 

هل ترى أن دولنا العربية استنفدت كل قدراتها في مجال توليد الطاقة النظيفة، أم ما زال بالإمكان الاستعانة بمصادر جديدة إلى جانب طاقة الشمس وطاقة الرياح؟

يشهد الشرق الأوسط حالياً نمواً في إدراك القدرات الكامنة لتخزين الطاقة. فعلى سبيل المثال، تعمل هيئة كهرباء ومياه دبي (ديوا) على إرساء عقود لمحطة لتوليد الكهرباء بالاستفادة من المياه المخزنة، التي تستخدم الطاقة الشمسية لضخ المياه إلى السد الموجود في جبال حتا، بما يتيح توليد الطاقة الكهربائية عند الحاجة. ومن الأهمية بمكان الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة على المستوى العربي بالتحديد. فالاستثمار في هذا المجال يسهم في الحد من استهلاك موارد النفط والغاز الطبيعي لتوليد الطاقة، ويحرر هذه الموارد للتصدير. لهذا نلاحظ أن السعودية مثلاً بدأت تتجه إلى التوسع في إنتاج الطاقة الشمسية والطاقة المتجددة من خلال مبادرات عدة أطلقتها مؤخراً، بالرغم من كفايتها النسبية من الطاقة، وهو ما من شأنه التخفيف من تكاليف صناعة تحلية المياه. وتنتج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو 38 بالمئة من المياه المحلاة في العالم، وتعد السعودية على وجه الخصوص السوق الأوسع لإنتاج المياه المحلاة، بل إنها المنتج الأول عالمياً من دون منازع للمياه المحلاة، حيث تستهلك ما يقدر بـ3.3 مليون متر مكعب من المياه المحلاة يومياً من محطات تحلية يستلزم تشغيلها 1.5 مليون برميل من النفط يومياً. 

 

أين يقف الأردن من الطاقة المتجددة مقارنة بباقي المنافسين إقليمياً؟ 

تحظى المملكة بمكانة رائدة على المستوى الإقليمي في مجال الطاقة المتجددة، حيث يُسجل هذا القطاع معدلات نمو غير مسبوقة. ويستفيد القطاع من التشريعات الناظمة التي تعد من بين الأكثر تقدماً في المنطقة العربية، فضلاً عما تمتاز به المملكة من مقومات طبيعية تسمح بازدهار قطاع إنتاج الطاقة المتجددة، لا سيما منها الطاقة الشمسية. ومن المهم جداً أن يركز قطاع الطاقة الشمسية في الأردن على قيمة الطاقة وعلى جودة التقنيات المقدّمة. وقد نجحت شركة شمس معان لتوليد الطاقة في تحقيق ذلك، وباتت تمتلك الآن محطة توليد طاقة عالمية المستوى مع أداء يفوق التوقعات، حيث تفوق طاقتها الإنتاجية 52 ميغاواط. 

وما المجلس؟

في الختام سؤال كان يجب أن يكون افتتاحياً: كيف يمكن التعريف بـ "مجلس صناعات الطاقة النظيفة"؟ 

"مجلس صناعات الطاقة النظيفة" هو عبارة عن مؤسسة غير ربحية، مسجلة في مدينة "مصدر"، تعنى في المقام الأول بتوطيد التواصل ما بين القطاع الصناعي، والقطاع الخاص عموماً، مع القطاع الحكومي أو القطاع العام. يبلغ عمر المجلس ثمانية سنوات، ويغطي منطقة الشرق الأوسط، ويتوزع أكثر فعالياته بين دبي وأبوظبي وعُمان ولبنان والأردن. يتولى المجلس تنظيم ورشات عمل ومحاضرات وندوات. يضم المجلس حالياً ثمانين عضواً، معظمهم من القطاع الخاص. يشمل ذلك البنوك ومطوري المشاريع والممولين، فضلاً عن شركات صغرى ومتوسطة تعمل في مجالات التصنيع والخدمات وغيرها. 

 

ما هي أبرز آليات عمل المجلس؟ 

يركز المجلس في عمله راهناً على إنشاء وإدارة مجموعات العمل المتخصصة، ويندرج عملها في المقام الأول في المجالات الخاصة بالطاقة البديلة. عل سبيل المثال، يتركز عمل إحدى هذه المجموعات حول دور النساء في مجال الطاقة النظيفة. ثمة مجموعات أخرى يتركز عملها حول شركات كفاءة الطاقة، وهو كما تعلم مجال هام وجديد في المنطقة، وقد بلغ مرحلة متقدمة في الإمارات، ويتقدم سريعاً في السعودية من خلال شركة “ترشيد”، في حين أن الآفاق أمامه واسعة ورحبة في الأردن ولبنان. هناك أيضاً ورشة عمل تتمحور حول الاستثمار في المشاريع التي تعنى بمكافحة التغير المناخي، فضلاً عن الاستثمار في مشاريع النقل الأخضر وبالتحديد النقل باستخدام الطاقة الكهربائية.