الأدوية والمستلزمات الطبية السعودية: صناعة مستدامة
الأدوية والمستلزمات الطبية السعودية: صناعة مستدامة
قطاع واعد تحميه التشريعات وتعززه الاستثمارات
- سليمان عوده
شهدت صناعة المستلزمات الطبية والأدوية تقدماً ملموساً في المملكة العربية السعودية خلال السنوات القليلة الماضية، مستفيدة من استثمارات كبرى جرى ضخها في القطاع، فضلاً عن الاتجاه الرسمي إلى ضبط الأطر الناظمة لها، وترقية المعايير التي تحكم عمل المنتجين. وقد نجحت هذه الصناعة في تعزيز حضورها، مستفيدة من التطور السريع الذي أصاب القطاع الصحي المحلي، والذي يحتل صدارة أولويات أهداف المملكة لتحقيق "رؤية 2030". يقول ماهر الغنام، المدير التنفيذي في شركة أڤالون فارما السعودية: "تتصف صناعة المستلزمات الطبية والأدوية بالاستدامة، إذ تشهد في السعودية طلباً متواصلاً عليها بحكم التوسع المستمر في الخدمات الطبية، من هنا تأتي أهمية التوسع بها وتعزيزها وتنظيمها".
إدراكًا من المملكة لأهمية القطاع الصحي، بات يحتل المرتبة الثالثة بعد التعليم والدفاع من حيث حجم الإنفاق في الموازنة العامة. وتستفيد هذه الصناعة من اتساع قاعدة الإنفاق الصحي بالإجمال، إذ يعد القطاع الصحي السعودي الأكبر في دول الخليج من حيث الإنفاق الحكومي، طبقاً لتقرير صادر عن شركة "أردينت أدفايسوري أند أكاونتنغ". ويكشف التقرير أن السعودية تستحوذ على نحو 48 في المئة من إجمالي إنفاق الحكومات الخليجية على الرعاية الصحية بحسب أرقام العام الماضي، فيما الإمارات ثانية بنسبة 26 في المئة. وقد بلغ مجموع ما خصص لقطاعات الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية في موازنة 2019 نحو 48 مليار دولار، وتضمنت الموازنة استكمال إنشاء وتجهيز مستشفيات ومراكز للرعاية الصحية الأولية في جميع مناطق المملكة، في حين يجري حالياً تنفيذ وتطوير 35 مستشفى جديداً بطاقة استيعابية تناهز تسعة آلاف سرير. ويأتي ذلك بعد أن شهدت السنوات الخمس الماضية تسليم 30 مستشفى جديداً، بطاقة استيعابية تناهز سبعة آلاف سرير.
تعزز هذه الأرقام الفرص الاستثمارية في قطاع صناعة الدواء والمستلزمات الطبية، بحيث باتت السعودية تمثل الجهة الوازنة بين دول مجلس التعاون الخليجي في حقل صناعات الدواء والمستلزمات الطبية. وتمثل الصناعات الدوائية السعودية 80 في المئة من إجمالي سوق الإنتاج الخليجية بحسب التقرير، وتحقق نمواً سنوياً يبلغ 12 في المئة سنوياً، في حين أن المصانع السعودية تغطي خُمس حاجة السوق المحلية من الأدوية والمستلزمات الطبية، ويذهب الباقي للتصدير.
تجارب ناجحة
تتعدد الشركات التي تعمل في هذه الصناعة التخصصية في السعودية، ومن أبرزها "الشركة السعودية للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية" (سبيماكو الدوائية). تأسست سبيماكو الدوائية كشركة مساهمة سعودية في العام 1986 وتنشط والشركات التابعة لها في إنتاج الأدوية والمستلزمات الطبية، وبما يشمل صناعة وإنتاج وتطوير وتسويق وبيع وتوزيع الأدوية والمستحضرات الطبية والصيدلانية. يقول صالح الشلهوب، مدير العلاقات العامة في سبيماكو الدوائية: "أنشئت الشركة لتكون نواةً لصناعة الدواء في السعودية بحسب أحدث المعايير والتقنيات العلمية والصناعية، وهي تحتل موقعاً متقدماً في سوق صناعة الدواء في المملكة، مما يمكنها من المحافظة على معدلِ نموٍ راسخ، وينعكس على تواجدها القوي والحيوي في الأسواق الخارجية إيجابياً".
يقع مصنع الدوائية في المنطقة الصناعية في القصيم، ويمتد فوق مساحة تصل إلى 150 ألف متر مربع، تغطي المساحات المبنية 60 ألف متر مربع، ويقوم على تشغيل المصنع 500 فني. يقول الشلهوب: "ساهم الموقع المتوسط للمصنع في سهولة وصول منتجات سبيماكو الدوائية إلى كل أطراف المملكة العربية السعودية وإلى الكثير من بلدان الشرق الأوسط. كما أن الدوائية تستخدم أحدث التقنيات مع أحدث الآلات والمعدات المتقدمة لتصنيع والحفاظ على معايير الجودة العالية". وينتج المصنع مروحة واسعة من المنتجات الدوائية والمنتجات الطبية ذات الاستخدام الواحد.
أسماء راسخة
مثال سعودي ناجح آخر تقدمه "شركة ميس السعودية للمنتجات الطبية" في الرياض. تأسست هذه الشركة في العام 1994 في السعودية، برأسمال قدرة مئة مليون ريال سعودي، وهي تشغِّل حالياً نحو ألف موظف في مصنعها الرئيسي في الرياض وباقي فروعها ومستودعاتها المختلفة المنتشرة في المملكة. انطلقت رحلة الشركة مع التصنيع الطبي ابتداءً من العام 2000، وذلك بعدما حازت كل التصاريح اللازمة لمزاولة عملها، وبعد استيفائها المعايير المحلية والأوروبية في عمليات التصنيع. وقد لاقى إنتاجها رواجاً في الداخل السعودي، وبدأت بتصدير منتجاتها إلى الأسواق الخارجية ابتداءً من العام 2005. يقول نوفل زريق، مدير المبيعات الخارجية في شركة ميس السعودية للمنتجات الطبية: "النجاح داخلياً وفي الخارج شجع الشركة في مرحلة لاحقة على تعميق تخصصاتها الإنتاجية، وسرعان ما جرى تأسيس عدد من الشركات الرديفة المتخصصة بفروع إنتاج محددة، ينتظر بعضها التراخيص والموافقات المحلية والأوروبية لكي ينطلق في رحلة الإنتاج الفعلي".
تنتج شركة ميس السعودية للمنتجات الطبية المستهلكات الطبية ذات الاستخدام الواحد، أي التي يتم التخلص منها بعد استعمالها، مثل الأبر والأقنعة الطبية الواقية والأقنعة الخاصة بأجهزة التنفس وأنابيب التنفس والأنابيب التي تستخدم في العمليات الجراحية، وغيرها. وتصنع هذه المنتجات بسهولة في السعودية، خصوصاً أن مكوناتها الأولية مشتقة من البلاستيك، المتوافرة المواد الأولية لتصنيعه في المملكة بوفرة، وتوفره في السوق شركة "سابك". وتغطي الشركة عشرة في المئة من احتياجات السوق السعودي من المستهلكات الطبية، وهي توزع منتجاتها في كل أسواق دول الخليج العربي، وكانت تصدر في السابق إلى سوريا واليمن، لكن بسبب الظروف الاستثنائية هناك توقفت أعمال التصدير إلى هذين السوقين. وللشركة فروع في باكستان والجزائر والسودان، وتصدر إلى أسواق شمال أفريقيا بنسبة محدودة.
رواج لافت
نجاح المصنِّعين الأوائل الذين اقتحموا هذه السوق، دفع شركات أخرى كثيرة إلى خوض غمار التصنيع المحلي. تأسست أڤالون فارما في العام 1998، وتتخذ من الرياض في السعودية مقراً، وهي تنتج مروحة واسعة من المنتجات والمستلزمات الطبية. وتصنع الشركة المنتجات الطبية الخاصة بالبشرة، وتحتل في هذا القطاع المرتبة الثالثة محلياً. كذلك، تصنع المنتجات الطبية الخاصة بأمراض الجهازين التنفسي والعضلي. وتمثل المنتجات الطبية الخاصة بالبشرة 40 في المئة تقريباً من إجمالي ما تصنعه الشركة من المنتجات الطبية. وتوزع منتجات الشركة في السوق السعودية الداخلية من خلال المستشفيات ومراكز العناية الصحية والصيدليات والعيادات الخاصة، وتملك أڤالون فارما شركة الشرق الأوسط للتوزيع، التي أسَّستها حديثاً لتعمل كذراع لتوزيع منتجات الشركة. يقول الغنام: "توزع أفالون فارما منتجاتها في الوقت الراهن على 30 سوقاً حول العالم، من بينها صربيا وبنغلادش والبوسنة والهرسك ونيجيريا وغيرها".
بدورها، اقتحمت شركة ديماس قطاع تصنيع المستلزمات الطبية قبل بضعة أعوام. وكانت الشركة تأسست في العام 1980 كشركة متخصصة في المنتجات الزراعية، قبل أن تعمد حديثاً إلى إنشاء ذراع خاص بتصنيع المنتجات والمعدات الطبية. يقول أحمد المهايني، المدير العام في ديماس: "في البداية، باشرنا بتصنيع المنتجات الأولية الخاصة بالقطاع الصحي، لكن سرعان ما لاحظنا أن هامش الربحية المتأتي منها ضئيل، فانتقلنا إلى صنع منتجات أكثر تعقيداً، يعتبر هامش الربحية منها أعلى بالطبع". وتنتج الشركة راهناً الأقنعة والمستبدلات الطبية وغيرها مما يستخدم في المرافق الصحية على اختلافها. وتبيع ديماس ما يتراوح بين 500 إلى 600 طن من المستلزمات الطبية في السوق السعودية شهرياً.
دعم حكومي
تحظى صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية في السعودية بدعم رسمي واسع. وتحفز المملكة القطاع الخاص على الاستثمار في الصناعات الدوائية من خلال تقديم القروض والإعفاءات والحوافز، وإقامة شركات بالمشاركة مع القطاع الخاص للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية، وذلك في مسعى لتعزيز المساهمة المحلية في سوق الأدوية والمستلزمات الطبية. وتعمل هيئة تنمية الصادرات السعودية كحلقة وصل بين المصنعين والمستخدمين النهائيين. يقول الغنام: "المستحضر السعودي يحظى بسمعة طيبة في الأسواق المحلية والإقليمية، ويرجع الفضل في ذلك إلى وزارة الصحة السعودية وباقي الهيئات الناظمة للقطاع، التي تفرض من خلال آلياتها وهيئاتها التنظيمية معايير عالية، تساعد المنتج حين خروجه من المصنع على إيجاد القبول من الجهات المستهلكة".
وتفيد الشركات أيضاً من واقع أن المناقصات في دول الخليج تتأتى عبر المجلس التنفيذي التابع لمجلس التعاون الخليجي، ومقره الرياض. وتعطى الشركات السعودية والخليجية أفضلية في المناقصات، وبهامش تفضيلي يبدأ من عشرة بالمئة، ويصل إلى 15 في المئة وأحياناً إلى عشرين في المئة، بحسب كل مناقصة على حدة. وتعطى العقود لمدة سنة أو سنتين، وأحياناً، في الإمارات خصوصاً، قد يمتد العقد لمدة ثلاث سنوات. يقول زريق: "بالنظر إلى وجود العديد من المنافسين الكبار في السوق، تقوم شركة ميس السعودية بتصدير جزء من إنتاجها إلى خارج المملكة، خصوصاً أن ذلك يتلاءم مع توجهها للتوسع والتواجد في الأسواق الخارجية. ويجري توجيه معظم الإنتاج الفائض إلى دول الخليج العربي الأخرى".
التصدير إلى الخارج
يتمتع المصدرون بالعديد من الحوافز التي تقدمها هيئة تنمية الصادرات في السعودية. تغطي الهيئة نسبة 90 في المئة من كلفة استدعاء المشترين المباشرين إلى المملكة، وتغطي نسبة 50 في المئة من نفقات المشاركة في الجناح السعودي داخل المعارض المتخصصة في الخارج، فضلاً عن تغطية 70 في المئة من نفقات الإعلان خارج البلد، إلى جانب حوافز أخرى عديدة. ويشجع ذلك الشركات على تعزيز صادراتها إلى الخارج. يقول الشلهوب: "تتميز سبيماكو الدوائية بامتداد نطاق خدماتها لتغطية السوقين المحلية والخارجية بكفاءة عالية، تساعدها الحوافز التي تقدم للقطاع عموماً".
بدورها، تصدر ديماس قسماً كبيراً من إنتاجها إلى مصر وأسواق الخليج العربي، في حين ترسل شركة ميس السعودية للمنتجات الطبية إلى أسواق الخليج وتتطلع راهناً إلى التوسع في أفريقيا. يقول زريق: "أفريقيا سوق نامية، حيث تصل نسبة النمو فيها إلى معدلات تتراوح بين 7 في المئة و10 في المئة سنوياً، لا سيما في بلدان مثل رواندا وبلدان غرب أفريقيا. وتشهد المبيعات إلى مثل هذه الأسواق نمواً سنوياً قد يصل إلى 30 في المئة في بعض الأحيان".
من جانبها، نجحت أڤالون فارما في إيصال منتجاتها إلى 16 سوقاً خارج المملكة، يقع أغلبها في الخليج العربي ودول الشرق الأدنى ودول أفريقيا. يقول محمد المنياوي، مدير التصدير في الشركة: "نصدر منتجاتنا إلى كل البلدان العربية، كما نجحنا في تصدير منتجاتنا إلى منطقة البلقان، وبالتحديد إلى صربيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك وألبانيا، وأيضاً إلى أفريقيا، حيث دخلنا أسواق أثيوبيا والكاميرون وساحل العاج وجنوب السودان وأوغندا وتنزانيا". يضيف: "خلال الفترة المقبلة، من المنتظر أن ننجح في دخول أسواق 100 دولة على مستوى العالم".
تحديات الصناعة
تعاني صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية السعودية العديد من المشكلات. تتميز صناعة الدواء بالإجمال بأنها صناعة ذات كلفة مرتفعة، بالنظر إلى المعايير الخاصة التي تتطلبها وارتفاع تكلفة التقنية المستخدمة في صناعة الدواء، فضلاً عن احتكار عدد محدود من الشركات العالمية الكبرى لهذه التقنية والشروط التي تفرضها على الدول والشركات التي ترغب في صناعتها، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة المواد الخام ومراقبة الجودة، والحاجة إلى مراكز للبحث العلمي لتمكين الشركات من الابتكار المتواصل والمنافسة أمام الشركات العالمية.
تعاني هذه الصناعة من الافتقار إلى اليد العاملة الماهرة. يقول زريق: "تجبر الشركة على إجراء دورات تدريبية للعاملين، فيجري إخضاعهم لتدريب قد يستمر أشهراً ثلاثة قبل دخولهم حقل الإنتاج الفعلي، الأمر الذي يرتب تكاليف مرتفعة على شركة تعمل في حقل يعتمد على اليد العاملة الكثيفة". ويعني التدريب المطول أيضاً وقتاً مهدوراً وإنتاجاً فائتاً.
ويلاحظ الغنام أن هذه الصناعة تواجه أيضاً ضعف الابتكار، باعتبار أن معظم الشركات تنتج الأدوية المغفلة الاسم، وبالتالي فهي تتنافس على شريحة محدودة من السوق، وهي شريحة تتميز بعائداتها المنخفضة بالإجمال. كذلك، يتطلب القطاع إدخال تكنولوجيات جديدة في عملية التصنيع، حتى يستطيع المنتج السعودي أن يحضر بفعالية أكبر في السوق المحلية. يقول: "حتى الساعة، لا تزيد حصة المنتج السعودي في السوق عن ثلاثين بالمئة من الإجمالي، في حين تذهب النسبة الباقية، وهي الأكبر، إلى المنتجات المستوردة. ويتعين، بغية تعزيز القطاع وتنميته، تطوير المنتج المحلي وإدخال منتجات جديدة إلى السوق".
نظرة مستقبلية
مستقبل صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية واعد في السعودية، وفي كل بلدان الشرق الأوسط عموماً، لا سيما بالنظر إلى التوسع المنتظم في القطاع الصحي، حيث نجد أن تركيز الحكومات في المنطقة يتوجه بشكل عام إلى الصحة والنقل والتعليم. ويعني هذا ارتفاعاً منتظماً في نمو السوق عاماً بعد آخر. ويبلغ سوق المستهلكات الطبية في السعودية نحو مليار ونصف المليار ريال سنوياً، بحسب بيانات صادرة عن شركة "ميس السعودية للمنتجات الطبية". وتسجل هذه السوق نمواً سنوياً بنسبة 5 في المئة. يقول الغنام: "بدأت السوق تشهد تحسناً ملموساً ابتداءً من العام 2019، وذلك بالمقارنة مع أرقام العام 2018. ويعطي هذا تأكيداً على أن القطاع يسير في الطريق الصحيح، لا سيما بعد أن واجه في السنوات السابقة ركوداً".
شركات
الأكثر قراءة
-
الملتقى الاقتصادي التركي - العربي الخامس عشر: لمزيد من التعاون المشترك بين تركيا والبلدان العربية
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال