قيادة التغيير: أربعة توجهات تُحدّد مستقبل التنقل
قيادة التغيير: أربعة توجهات تُحدّد مستقبل التنقل
- جوني بايفا
نائب الرئيس لمنطقة أفريقيا والشرق الأوسط والهند وأوقيانوسيا في شركة "نيسان موتور"
يشكّل الدخول إلى سنة مالية جديدة فرصة مناسبة أمام الروّاد في مجال السيارات للتفكير في الوضع الحالي لهذا القطاع، مع الأخذ في الاعتبار الأهداف المرسومة خلال السنوات المقبلة. ومع ذلك، يبقى الاستفسار القائم: "ماذا بعد؟" سؤال معقد ينبغي الإجابة عليه، ولا يمكن تناوله بمعزل عن غيره. وقد أظهر العامان الماضيان، خصوصاً، أن التغيير الرئيسي الثاني لقطاع السيارات كان مدفوعاً بثلاثة عوامل، وهي العملاء، شركات التصنيع والأسواق.
وقد وجدنا أن كلاً من هذه العوامل يُبرز تأثيره بصورة مستقلة، حيث يواصل العملاء المتمكنون التأثير على قرارات الأعمال، فيما تُعزز شركات تصنيع السيارات مرونتها لتعزيز عروض منتجاتها وخدماتها في الوقت الفعلي، وتلتزم الأسواق بإجراءات مستقبلية جادة تتعلق بالتنقل والاستدامة. ومع ذلك، يعتمد تطور منظومة التنقل على هذه العوامل التي تعمل معاً بالتوازي وصولاً إلى مستقبل أكثر تطوراً واتصالاً.
ومع بقاء التوجهات الكبرى، مثل التحول نحو الكهرباء والقيادة الذاتية متصدّرة لقائمة المصطلحات الرنانة المرتبطة بصناعة السيارات، فإن الأمر يتطلب مزيداً من التفكير العميق في طريقة تحويل هذه التوجهات إلى إجراءات تترك أثراً حقيقياً.
وفي ما يلي نظرة على التوجهات المؤثرة على قطاع السيارات في الوقت الحالي، وما يمكن أن تفعله العلامات التجارية للسيارات لتحقيق أقصى الفوائد الممكنة منها:
أوّلاً: علاقة صناعة السيارات بالاستدامة
تشهد هذه العلاقة تحولاً مهماً نتوقع استمراره. في العام الماضي، وجدنا أن شركات تصنيع السيارات وشركات الطاقة والحكومات على حدّ سواء تتجاوز مستوى الاعتراف السلبي بالالتزامات القوية تجاه الاستدامة، واتخذ بعضهم بالفعل خطوات مبدئية تضع هذه الخطط موضع التنفيذ. وعلى سبيل المثال، أعلنت "نيسان" عن هدفها المتمثل في حيادية الكربون عبر عمليات الشركة ودورة حياة منتجاتها بحلول العام 2050، ودعمت ذلك باستثمارات كبيرة على مستوى الشركة، وعبر تحالف 2030 مع رينو وميتسوبيشي موتورز. ولم يعد التأكيد على أهمية إزالة الكربون كافياً، حيث يريد العملاء رؤية الشركات تضع أموالها في خدمة طموحاتهم.
كما تتوجه الحوارات أكثر فأكثر حول الاستدامة إلى ما هو أبعد من الانبعاثات الكربونية وصولاً إلى رؤية أكثر شمولاً، بدءاً من مراحل التصميم والهندسة، وحتى التصنيع والشحن، وكيفية تشغيل المركبات وخدمتها، وما يحدث لها بعد انتهاء دورة حياتها، ويأتي ذلك منسجماً مع التوجهات الناشئة للمستهلكين حول الاستهلاك الواعي، والطلب على حلول التنقل التي تدعم المجتمعات التي يعيشون فيها. ولذا، ستحتاج شركات السيارات إلى الاستمرار في إعادة تقييم عملياتها، وإعادة تصميمها لترسيخ دائرة استخدام بصورة أفضل.
ثانياً: الكهربة هي الطريق نحو الاستدامة
شهد التحول نحو الكهرباء طفرة لا يمكن تجاهلها في الآونة الأخيرة، على الرغم من أن هذا التوجه ليس أمراً جديداً، ومن المتوقع أن تنمو مبيعات السيارات الكهربائية العالمية إلى 11.2 مليون مركبة في العام 2025، وأن تصل إلى 31.1 مليون بحلول العام 2030. وعلى الرغم من أن هذه المبيعات ما زالت في إطار الطموحات، إلا أن العلامات التجارية مثل "نيسان" تتصدر القدرة على توفير السيارات الكهربائية بتكلفة معقولة وإتاحتها للجميع، بعد أن أثبتت نجاحها بالفعل مع سيارة "ليف"، التي تشكل منطلقاً لطرح 23 طرازاً جديداً بنظام قيادة كهربائي، بما في ذلك 15 سيارة كهربائية جديدة بحلول العام 2030. وتعمل "نيسان" أيضاً على تسريع كهربة السيارات من خلال استثمار 15.6 مليار يورو على مدى السنوات الخمس المقبلة، إضافة إلى الاستثمارات الحالية البالغة 7.8 مليارات يورو.
وإضافة إلى تكثيف إنتاج السيارات الكهربائية، تحتاج العلامات التجارية للسيارات أيضاً إلى التفكير في ابتكار أنظمة دفع ومحركات. ويرتبط ذلك بجهود الاستدامة، فضلاً عن تثقيف العملاء بفوائد السيارات الكهربائية مع إتاحة انتقال أكثر سلاسة إلى المنتجات التي تعمل على الكهرباء. ونحن في "نيسان"، نشهد نجاح هذا النهج مع نظام e-POWER الذي يعمل بمحرك كهربائي بنسبة 100 في المئة، ويقدم تجربة القيادة العالية الأداء للسيارة الكهربائية بالكامل نفسها، من دون الحاجة إلى عملية شحن.
وعلى المستوى التنظيمي للسوق، ينبغي أن تتم مطابقة ابتكارات المنتجات والتكنولوجيا من خلال التعاون ضمن قطاع السيارات، والشراكات بين القطاعين العام والخاص، ووضع أطر السياسات الداعمة والحوافز، كما يجب التأكيد على كل هذه المبادرات بجهود منسجمة لزيادة التوعية حول المركبات الكهربائية بين عامة الناس، بهدف تسهيل التحولات الطويلة الأمد في سلوك المستهلك، بما يعالج المخاوف المتعلقة بالسيارات الكهربائية، ومنافستها من حيث السعر، والعوائق المحتملة الأخرى التي تحول دون اعتمادها من قبل المستهلكين.
ثالثاً: تزايد رواج السيارات الذكية
كان إنتاج السيارات منذ عقود يركز بشكل أساسي على العناصر الوظيفية الرئيسية مثل المحرك، التعليق والعجلات. والآن، يتوجه التركيز نحو "دماغ" السيارة، حيث انتقلت العلامات التجارية للسيارات إلى مجال تكنولوجيا السيارات بقوة، واجتذبت المواهب والشركات الناشئة والمبتكرة. ونجد أن هذا التوجه مُركّز بشكل أكبر في السنوات المقبلة مع تزايد إمكانات التكامل التكنولوجي التي تسهم بدور رئيسي في التمييز بين العلامات التجارية للسيارات المنافسة. ويهدف ذلك بشكل أساسي إلى الارتقاء بالدور التقليدي للسيارة كوسيلة للتنقّل، وجعلها جزءاً محورياً من الحياة الرقمية للناس، وخصوصاً بين القاعدة المتنامية من العملاء المتمرسين في مجال التكنولوجيا.
وسيركّز رواج السيارات الذكية على إنشاء ارتباطات جديدة مع القدرات والتقنيات الأساسية للسيارة، بما يوفر تفاعلات سلسة بين السائق والمركبة. وقد بدأنا بالفعل رؤية تقنيات مساعدة السائق مثل تقنية ProPILOT من "نيسان" والقيادة الذاتية التي لم تعد تقتصر على العلامات التجارية الفاخرة، بل تم دمجها أيضاً ضمن خيارات السيارات بشكل شامل في السوق.
رابعاً: التركيز على العملاء هو المفتاح
أصبحت القاعدة المطلوبة الآن تأمين تجربة شراء مريحة وسلسة، ولم يعد الناس يظهرون أي تسامح في حال التأخير أو توفر عقبات في عملية الشراء. ولم يعد المستهلكون يلجؤون إلى طرق مختلفة للتعامل مع العلامة التجارية فحسب، بل قد يلجؤون إلى تغيير العلامات التجارية التي يتعاملون معها إذا لم يحصلوا على تجربة منسجمة عبر مختلف القنوات، ويتخلون عن رحلة التسوق في حال واجههم أي تأخير في عملية الشراء.
ولتسهيل الريادة في تجارب العملاء المتعددة القنوات، وتبسيط المشاركة المؤثّرة عبر نقاط الاتصال المادية والرقمية، ينبغي على العلامات التجارية للسيارات أن تتابع الابتكار في خدماتها وتعمل على تحسينها باستمرار. وتُواصل صالات العرض لدينا أداء دور مهم في شراء السيارات منذ اللحظة التي يبدأ فيها الناس مرحلة الاستكشاف والتفكير في الشراء عبر منصتنا Shop@Home على الإنترنت. ولذا، يجب الاستفادة من التكنولوجيا بطريقة تُمكّن العملاء من تولي مسؤولية تجاربهم الخاصة في التسوّق، والانتقال بسلاسة عبر الإنترنت أو الوسائل الأخرى بالطريقة التي تناسبهم.
ويُسهم توافر التقنيات المتقدمة وتبنيها في تغيير طريقة تصنيع السيارات وتشغيلها ودمجها في المجتمع. ومع العديد من التغييرات الاقتصادية الكبرى، والمتغيرات في القطاعات التي تؤثر على الصناعة في وقت واحد، ينبغي على صانعي المعدات الأصلية أن يحافظوا على مرونتهم لمواكبة التغيرات المستمرة في عالم السيارات. وهذا المسار دقيق للغاية، حيث يجب توجيه الابتكارات نحو مواجهة التحديات العالمية وتلبية احتياجات العملاء، مع الحفاظ على الجدوى الاقتصادية وتخفيف الضغط على سلاسل التوريد الحالية.
وستحتاج العلامات التجارية للسيارات إلى اتباع نهج شامل وموجّه لتحوّل حركتها، مع تحمل مسؤولية أكبر من قبل الصناعات والمستهلكين على حد سواء. وسيتطلب منها ذلك توفير كفاءات أكبر، وجعل عملياتها أكثر مرونة لملاءمة المستقبل. وفي السنوات القليلة المقبلة، فإن كيفية تولي العلامات التجارية لمسؤولياتها ستُسهم في تأهيلها للدخول إلى فصل جديد ومبهر في هذا القطاع. ولطالما تعاملنا في "نيسان" مع التحديات، وتجرأنا على فعل ما يتردد به الآخرون، وعلينا الآن الانتظار لنكتشف المرحلة التالية في تجارب التنقل.
الأكثر قراءة
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال
-
صندوق النقد الدولي يحذر من النمو المتسارع للديون العالمية: لإجراءات عاجلة تكبح نموها
-
"بيورهيلث القابضة" الإماراتية تسجل صافي أرباح بقيمة 1.4 مليار درهم في 9 أشهر