حرب الغاز: أوروبا بلا امدادات، روسيا تستعدّ لشتاء قاس
حرب الغاز: أوروبا بلا امدادات، روسيا تستعدّ لشتاء قاس
- أحمد عياش
عندما كان الصيف يبدأ، كانت أوروبا هذه الأيام تحسب حساب الشتاء الذي سيكون قاسياً جداً نتيجة وقف تدفقات الغاز الروسي الى القارة. لا جدال، في أن السبب هو حرب أوكرانيا التي بدأت في 24 شباط/ فبراير الماضي، لكن وبعد دخول هذه الحرب شهرها الخامس، صار جلياً أن هناك سلسلة حروب أخرى في طريقها الى الميدان، وظهرت طليعتها في قطاع الغاز.
في تحليل حمل عنوان "نفاد الغاز: إصلاح خط الأنابيب الروسي يثير قلق أوروبا" كتبت رويترز تقول: "قبل أن تغلق روسيا الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 للصيانة في تموز/يوليو المقبل، بدأت أوروبا تشعر بالقلق من أنها لن تعيد تشغيله مرة أخرى. وقد خفضت روسيا قبل أيام تدفقات الغاز إلى أوروبا إلى 40 في المئة من طاقة خط الأنابيب، وألقت باللوم على تأخر إصلاح المعدات، ما ترك ألمانيا ودولاً أوروبية أخرى تتسابق لإيجاد إمدادات بديلة لتجنّب خطر التقنين عندما يأتي الشتاء". وخلصت رويترز الى القول: "والآن، تخشى أوروبا من أن يستخدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برنامج صيانة مقرر لخط الأنابيب في الفترة من 11 إلى 21 تموز/ يوليو لتحويل البراغي، ما يضع حداً للجهود المبذولة لإعادة ملء المخزونات رداً على العقوبات البعيدة المدى بسبب غزو موسكو لأوكرانيا".
في المقابل، تقول موسكو إن روسيا لا تزال مورداً موثوقاً للطاقة و"تفي بدقة بجميع التزاماتها" تجاه أوروبا، وألقت باللوم في انخفاض الإمدادات على "العقوبات التي أخرت إعادة المعدات المخدومة من كندا إلى شركة غازبروم الروسية الموردة للغاز".
هل من نهاية لحرب الغاز، خارج تبادل الاتهامات؟
هناك خشية في المانيا، من ان نهاية هذه الحرب ليست قريبة. فتحت عنوان "نحن في أزمة غاز، ألمانيا ترفع مستوى الطوارئ"، كتبت ميليسا ايدي وستانلي ريد في النيويورك تايمز حول حالة الطوارئ التي تسود المانيا حالياً، حيث أطلق وزير الاقتصاد الألماني المرحلة الثانية من خطة طوارئ بعد أسبوع من تقليص روسيا الغاز إلى أوروبا، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وأثار مخاوف من حدوث نقص. وقد حذرت ألمانيا السكان والشركات يوم الخميس في 23 حزيران/يونيو الحالي من أن البلاد تمرّ بأزمة غاز طبيعي قد تتفاقم في الأشهر المقبلة. وقال روبرت هابيك، وزير الاقتصاد الألماني: "الوضع خطير، والشتاء سيأتي. حتى لو كنت لا تشعر بذلك بعد: نحن في أزمة غاز". الغاز سلعة نادرة من الآن فصاعداً. الأسعار مرتفعة بالفعل، وعلينا أن نكون مستعدين لمزيد من الزيادات، وهذا سيؤثر على الإنتاج الصناعي ويصبح عبئاً كبيراً على العديد من المستهلكين".
وحذت السويد والدانمارك حذو ألمانيا والنمسا وهولندا في الإعلان عن المرحلة الأولى من خطط الطوارئ للحفاظ على إمدادات الغاز لكن أياً من تلك الخطط الوطنية لم تشمل بعد التقنين.
في روما، برزت فكرة بأن يفرض الاتحاد الأوروبي سقفاً على أسعار الغاز الطبيعي باعتبارها "الحل المستدام الوحيد" لارتفاع أسعار الطاقة، بحسب ما قال وزير الطاقة الإيطالي روبرتو سينجولاني في مؤتمر للطاقة في العاصمة الايطالية.
فقبل أسابيع، اقترحت إيطاليا على الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي أن تضع سقفاً لسعر الغاز من أجل ترويض التضخم المرتفع وارتفاع أسعار الطاقة في الكتلة المكونة من 27 عضواً، وأعربت دول أخرى في الاتحاد الأوروبي عن شكوكها في نجاح وضع سقف للأسعار.
في سياق متصل، وفي مقابلة اجرتها صحيفة فاينانشال تايمز مع رئيس وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول، دعا الاخير أوروبا الاستعداد للإغلاق التام لصادرات الغاز الروسية، وقال إن على الحكومات إبقاء المحطات النووية القديمة مفتوحة واتخاذ تدابير طوارئ أخرى. ونقل ديفيد شيبارد محرر الطاقة في الصحيفة الذي أجرى المقابلة، عن بيرول قوله ايضاً: "كلما اقتربنا من فصل الشتاء، كلما فهمنا نوايا روسيا. أعتقد أن التخفيضات موجهة نحو حرمان أوروبا من ملء خزاناتها، وزيادة نفوذ روسيا في أشهر الشتاء". وقال المسؤول الدولي إن إجراءات الطوارئ التي اتخذتها الدول الأوروبية للحدّ من الطلب على الغاز، مثل إطلاق محطات الطاقة القديمة التي تعمل بالفحم، مبررة بحجم الأزمة على الرغم من المخاوف بشأن ارتفاع انبعاثات الكربون. وأوضح أن الزيادة في توليد الوقود الذي يعمل بالفحم "مؤقتة" وستساعد في الحفاظ على إمدادات الغاز للتدفئة في فصل الشتاء. وأضاف أن أي انبعاثات إضافية من ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن حرق الفحم الشديد التلوث ستقابلها تسارع في خطط أوروبا لخفض اعتمادها على الوقود الأحفوري المستورد وبناء قدرة توليد الطاقة المتجددة. لكن بيرول حذّر من أن الخطوات التي اتخذتها الحكومات الأوروبية حتى الآن ربما لم تذهب بعيداً بما فيه الكفاية إذا تمّ قطع الصادرات الروسية تماماً، وقال إن على الدول أن تفعل كل ما في وسعها للحفاظ على الإمدادات الآن لضمان إمكانية ملء التخزين قبل أشهر الشتاء.
وكان بيرول يتحدث قبل نشر تقرير استثماري جديد لوكالة الطاقة الدولية، والذي حذر من أن الحكومات لم تفعل بعد ما يكفي لتشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة للحدّ من الطلب على الوقود الأحفوري، ومن المتوقع أن ينمو إجمالي استثمارات الطاقة هذا العام بنسبة 8 في المئة ليصل إلى 2.4 تريليون دولار، مع نمو يأتي من مصادر الطاقة المتجددة وارتفاع التكاليف. وفي العام الماضي قالت وكالة الطاقة الدولية إن العالم ليس بحاجة إلى الاستثمار في حقول نفط وغاز جديدة إذا أرادت الحكومات تحقيق أهدافها الصفرية الصافية بحلول العام 2050. وقال تقرير وكالة الطاقة الدولية: "الضعف النسبي للاستثمار في الطاقة النظيفة في معظم أنحاء العالم النامي هو أحد أكثر الاتجاهات إثارة للقلق".
وقال مسؤول حكومي ألماني لم يكشف عن اسمه لصحيفة فاينانشال تايمز: "وضع الإمدادات ضيق بما فيه الكفاية دون إغلاق NS1".
وقال محللون في غولدمان ساكس إنه إذا لم يتم إصلاح نورد ستريم 1 بحلول منتصف تموز يوليو فلن يكون لدى أوروبا ما يكفي من إمدادات الغاز خلال فصل الشتاء وإن أسعار الغاز بالجملة سترتفع أكثر. وأضافوا: "بينما تستجيب أوروبا بمجموعة من الإجراءات بما في ذلك إعادة تشغيل طاقة الفحم وإقامة مزادات الغاز الصناعي لخفض الطلب نرى اتجاهاً صعودياً لأسعار (الغاز الهولندي) وتشديد القيود على الطلب على الغاز في شمال غرب أوروبا إذا تدهور الوضع أكثر".
وقال بيراج بورخاتاريا، المحلل في RBC Capital Markets ، وهو بنك استثماري :"نحن على بعد خطوة واحدة من تقنين الغاز في جميع أنحاء أوروبا، مما سيؤثر على العديد من القطاعات والشركات والمستهلكين، ويبدو ان صنّاع السياسات وجدوا أنفسهم غير قادرين على التصرف بسرعة كافية نظراً الى سرعة الأحداث".
ماذا يمكن قوله في نهاية هذا العرض؟ بلا أدنى ريب، ان حرب أوكرانيا، ستحدد مصير الكثير من الحروب، بما فيها حرب الغاز التي نشبت في أوروبا، لكن ما هو مؤكد هو ان الصراع في أوكرانيا يبدو طويلاً، وعليه ستكون الحروب المرتبطة بها هي بدورها طويلة الأمد.
الأكثر قراءة
-
تعاون بين "أدنوك" و"مصدر" و"مايكروسوفت" في مجالي الذكاء الاصطناعي والحلول منخفضة الكربون
-
المصارف المركزية الخليجية تخفّض أسعار الفائدة بعيد قرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي
-
الأرباح المعدلة لـ"فيرتغلوب" تبلغ 496 مليون دولار في 9 أشهر
-
أرباح "أوراسكوم للتنمية مصر" ترتفع 25.7% خلال الربع الثالث 2024
-
منتجع وسبا فندق إنديغو الجبل الأخضر: أكثر من مجرّد وجهة للإقامة الفاخرة