الصراع في السودان: ضربة قاضية للاقتصاد الوطني؟
الصراع في السودان: ضربة قاضية للاقتصاد الوطني؟
الزراعة مهددة والقطاع الصناعي شبه مشلول وخسائر الاستيراد والتصدير بالمليارات
- "أوّلاً- الاقتصاد والأعمال"
على وقع الأزمات المتتالية التي يعيشها السودان في السنوات الأخيرة، اندلعت اشتباكات عسكرية عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 نيسان/أبريل الماضي، على خلفية قيام الجيش بمحاولة نزع سلاح "الدعم السريع" في مدينة الجنينة الواقعة غرب دارفور، ما أدى إلى تفاقم الوضع وانتشار العنف وانتقاله إلى أجزاء أخرى من البلاد بما في ذلك الخرطوم، حيث خرج المحتجون إلى الشوارع والساحات للمطالبة بوقف الأعمال العسكرية.
للاطلاع:
"طيران الإمارات": صندوق لاستدامة الطيران بـ 200 مليون دولار
وأدّى هذا الصراع المستمر حتى اليوم إلى وقوع أكثر من 750 قتيلاً وأكثر من 5 آلاف جريح وسط توقف شبه تام للمستشفيات عن العمل، ونفاد الأدوية، والمواد الغذائية وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، بالإضافة إلى نزوح الآلاف من المواطنين إلى مناطق أكثر أمناً وإجلاء الأجانب إلى خارج البلاد. وفي الوقت الذي شهدت فيه فترة الاشتباكات الإعلان عن أكثر من هدنة إنسانية لتسهيل وصول المساعدات الدولية وعمليات الإجلاء والتي سارع طرفا النزاع إلى اختراقها في كل مرة، انطلقت مفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة جدة السعودية في 6 أيار/مايو الحالي للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وسط عدم تقدم ملموس فيها حتى الساعة.
اقتصاد مترنّح
على الصعيد الاقتصادي، يعاني السودان من أزمة حادّة ومن اختلالات بدأت تتظهر ملامحها منذ العام 2018 مع التراجع الكبير لقيمة الجنيه السوداني، ما انعكس سلباً على الدورة الاقتصادية وتسبّب بتراجع حاد في الخدمات العامة وفي مستويات المعيشة ومداخيل السكان، وسط ارتفاع جنوني في معدلات التضخم التي وصلت إلى نحو 358.1 في المئة في 2021. ووصل عدد الأفراد الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي وبحاجة للمساعدة إلى نحو 15.8 مليون شخص، وفقاً لتقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" قبل اندلاع القتال الحالي، كما حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في البلاد تراجعاً سنوياً حيث سجل معدل نمو سالب حتى قبل أزمة جائحة كورونا. وانخفض معدل النمو السنوي للإنتاج الزراعي إلى أكثر من 2- في المئة، وانخفض إسهام القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 7 في المئة مقارنة بـ3 في المئة قبل 10 سنوات، بالإضافة إلى إقفال نحو 40 في المئة من المنشآت الصناعية أبوابها في العامين الأخيرين.
تكلفة حرب باهظة
تسببت الاشتباكات الأخيرة في السودان بخسائر مادية فادحة والتي ستكون لها انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني مع استمرار العمليات العسكرية بين طرفي النزاع على المدى المتوسط والطويل، بالإضافة إلى خفض توقعات التعافي التي وضعها بعض المؤسسات المالية العالمية للاقتصاد السوداني خلال العام الحالي. وقدّر بعض المحللين تكلفة الصراع بنحو نصف مليار دولار يومياً فيما قدّرها البعض الآخر بنحو 10 مليارات دولار شهرياً.
أزمة معيشية خانقة
منذ بدء الاشتباكات، شهد السودان ارتفاعاً كبيراً في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية والأدوية في ظل ندرة وجودها بعد إقفال المحلات التجارية لأبوابها بالتزامن مع احتدام عمليات القتال. وقدّر ارتفاع أسعار السلع الغذائية ما بين 300 و400 في المئة، فعلى سبيل المثال، ارتفعت أسعار اللحوم إلى أكثر من 8 آلاف جنيه سوداني.
قطاع زراعي مهدد
ومن الناحية الزراعية، تأثر القطاع الزراعي بشكل لافت جراء العمليات العسكرية التي لم تستثن من مراميها الأراضي والحقول الزراعية والتي يعمل فيها أكثر من 40 في المئة من إجمالي القوة العاملة السودانية والتي تعتبر بدورها مصدراً أساسياً للمعيشة لمعظم السكان. وتسببت الحرب بهروب عدد كبير من المزارعين إلى مناطق أكثر أمناً ما يعزز المخاوف من فشل الموسم الزراعي الحالي وتأثيره، بالتالي، على الأمن الغذائي وعمليات التصدير إلى الخارج. ويمتلك السودان أراضي شاسعة صالحة للزراعة تمكّنه من القيام بدوره الحيوي في دعم الأمن الغذائي المحلي والعربي، وتقدر ثروته الزراعية بنحو 170 مليون فدان صالحة للزراعة، وكان يطمح لإنتاج سلع أساسية كالحبوب والبذور الزيتية واللحوم والألبان مما يمكنه من الاكتفاء الذاتي والنهوض اقتصادياً، لكن الاشتباكات العسكرية أضعفت تلك الطموحات، في الوقت الذي كان من المتوقع أن يعود فيه السودان مرة أخرى لتحقيق اكتفائه الذاتي من بعض المحاصيل الغذائية، وهو ما أشارت إليه منظمة "الفاو" بتعافي إنتاج السودان من الذرة الرفيعة والبيضاء هذا العام، كما يعدّ السودان مصدراً أساسياً للحوم لكثير من الدول، حيث يمتلك أكثر من 100 مليون رأس من الماشية.
صناعة مشلولة
على الصعيد الصناعي، توقفت أكثر من 400 منشأة صناعية عن العمل بشكل تام في الخرطوم بسبب التوترات التي صاحبت العمليات العسكرية في ظل انتشار أعمال السرقة التي استهدفت ماكينات المصانع وأجزاءها، والمواد الخام، والمخزون الإنتاجي، وحتى أسقف المباني وأجهزة التكييف والإضاءة. وقدر محللون حجم الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بقطاعي الصناعة والمصارف بنحو 4 مليارات دولار، وسط توقعات بأن ترتفع الخسائر بشكل كبير إذا لم تتوقف الحرب الحالية. يستوعب القطاع الصناعي في الخرطوم وسلاسل الإمداد المرتبطة به أكثر من 100 ألف وظيفة، وشملت القطاعات المتأثرة بعمليات التخريب الصناعات الغذائية والدوائية والصناعات المرتبطة بقطع وتجميع السيارات وسلاسل الإمداد الأخرى.
الاستيراد والتصدير وخسائر بالمليارات
وفي سياق متصل، شهدت حركة الاستيراد والتصدير من وإلى السودان خسائر مالية فادحة خصوصاً بعد خروج مطار الخرطوم الدولي من الخدمة الأمر الذي أدى إلى حرمان البلاد من منفذ تجاري حيوي يسيطر على 5 في المئة من إجمالي حجم التبادل التجاري، كما خسر السودان نحو 15 مليار دولار وهي قيمة إجمالي واردات وصادرات البلاد بسبب التوترات الحاصلة بالإضافة إلى أن الذهب يشكل 50 في المئة من إجمالي الصادرات السودانية التي تبلغ قيمتها ملياري دولار. وأضف إلى ذلك، توقف حركة التبادل التجاري بين مصر والسودان والتي يقدر حجمها بنحو 1.5 إلى ملياري دولار أميركي أي ما يعادل 10 في المئة من صادرات وواردات السودان.
قد يهمك:
"أدنوك للغاز": 1.3 مليار دولار صافي دخل الربع الأول بنمو 9%
القطاع المصرفي
شهد عدد كبير من المصارف السودانية عمليات سرقة ممنهجة لأموال من داخل فروعها في العاصمة الخرطوم وفي المناطق الأخرى، الأمر الذي عزز مخاوف المودعين من خسارة جنى أعمارهم، في الوقت الذي طمأن فيه البنك المركزي السوداني عملاءه في شأن عدم تأثر الودائع. وأعلن "المركزي" انتظام العمل بمعظم فروعه في الولايات، ومباشرة فروع المصارف التجارية بتلك الولايات تقديم خدماتها المصرفية بما فيها السحب والإيداع النقدي. وأكدت مصادر مطلعة أن عمليات النهب التي حصلت في المصارف السودانية لا تؤثر على ودائع العملاء لأن هذه المصارف عادة تغذى يومياً بمبالغ مالية محددة حاجة السحب والإيداع ولا تكون بقيمة الودائع الكاملة التي ادخرها المودعون في فروعها، وبالتالي لا خطر حقيقياً عليها نتيجة عمليات النهب المستمرة.
وكانت مؤسسة التصنيف الائتماني الدولية "موديز" قالت إن الصراع الدائر في السودان حالياً يهدد بخفض التصنيف الائتماني للكثير من البنوك العاملة في السودان بما في ذلك "بنك التجارة والتنمية" و"بنك الاستيراد والتصدير الإفريقي"، وأشارت المؤسسة في تقرير أصدرته في 27 نيسان/أبريل الماضي إلى أنه على الرغم من أن الموقف ما زال مائعاً ولا يمكن التنبؤ به، فإن استقرار الصراع يمثل خطورة متزايدة وله تأثير سلبي على التصنيف الائتماني للدول المجاورة وبنوك التنمية الإقليمية المتعددة الأطراف التي لها قروض لدى السودان ودول المنطقة بشكل واسع.
وأضافت أنه إذا تحوّلت الاشتباكات لحرب أهلية ستنتقل المخاطر المالية إلى الدول المجاورة أو تضعف البيئة الأمنية في المنطقة مما سيثير قلق البنوك التنموية المتعددة الأطراف التي تركز قروضها في تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا ومصر، لافتة النظر إلى أن بنكي "التجارة والتنمية" و"الاستيراد والتصدير الأفريقي" رغم تصنيفهما الجيد ستتضرران من الصراع نظراً لوجود 34 في المئة من قروض "التجارة والتنمية" و31 في المئة من "الاستيراد والتصدير الأفريقي" في السودان ودول الجوار.
الأكثر قراءة
-
الزيودي: التجارة البينية غير النفطية مع الأردن تجاوزت 4.2 مليارات دولار في 2023
-
مذكرة تفاهم بين "التعاون الرقمي" و"التحكيم التجاري الخليجي" للوصول إلى اقتصاد رقمي شمولي
-
تعاون بين "أكاديمية أبوظبي العالمي" و"فنتك تيوزاديز" في مجال ابتكارات التكنولوجيا المالية
-
"روش": سدّ الفجوة للوصول إلى العلاجات يجب أن يكون أولوية جميع القادة العاملين في صناعة الأدوية
-
شبح الحرب الإقليمية يهدد الإقتصاد المصري