تسير الجوانب الفنية المتعلقة بالبئر الاستكشافية في الرقعة (بلوك) الرقم 9 في لبنان على قدم وساق ووفق الخطط الموضوعة لها والمتفق عليها بين وزارة الطاقة والمياه وهيئة إدارة قطاع البترول والتحالف الذي يضم "توتال انرجيز"، "إيني" الإيطالية، و"قطر للطاقة".
ووفق مصادر معنية بالقطاع تحدثت إليهم "الاقتصاد والأعمال"، من المتوقع أن يجري فض العروض الخاصة بتلزيم عقود الخدمات الأساسية كافة في نهاية الشهر الحالي، على أن تشمل شريحة الخدمات اللوجيستية وهي موزعة على 4 خدمات أساسية، إلى جانب الخدمات النفطية الأساسية والتي تنافس عليها شركات عالمية. فما هي آخر التطورات والمعطيات المتعلقة بخطط الاستكشاف في الرقعة الرقم 9؟
أعمال الحفر تبدأ في شهر أيلول/سبتمبر المقبل
مع الانتهاء من عملية التلزيم الأساسية للخدمات كافة ذات الصلة بالعمليات الاستكشافية عبر ترسية العقود على الشركات الفائزة من شركات لبنانية وأخرى أجنبية، يكون مسار الملف النفطي في لبنان دخل مرحلة جديدة وبات من الناحية الفنية على أهبة الاستعداد للبدء بعمليات الحفر،
ومن المخطط له أن يشهد شهر أيلول/سبتمبر المقبل، الشروع في أعمال الحفر (Spud Date). وجرى التمهيد لذلك، من خلال توقيع شركة "توتال إنرجيز" عقداً مع شركة "ترانس أوشن" (Transocean)، بعد أن فازت الشركة بمناقصة تنفيذ أعمال الحفر لاستخدام المنصة المتخصصة "ترانس أوشن بارينتس" (Transocean Barents) في عمليات الحفر، في شهر نيسان/أبريل الماضي، وقد وقع الاختيار على هذه الشركة بين مجموعة 5 شركات متنافسة، بعد أن تقدمت بأفضل الأسعار.
المنصة المتعاقد معها متخصصة في الحفر العميق
منصة حفر من الجيل الجديد
وفي ضوء هذه التطورات، مُنحت الشركة الأميركية الانكليزية الموافقة على العقد، وستبدأ المنصة التابعة لها إبحارها إلى لبنان بعد انتهاء عملياتها الحالية في بحر الشمال البريطاني، ومن المتوقع أن تصل إلى لبنان في شهر آب/أغسطس.
وتتميز منصة الحفر أنها من الجيل الجديد ومن بين المنصات الأكثر تطوراً حول العالم في ما يتعلق بأعمال الحفر في المياه العميقة، إذ إنها ستتولى الحفر على عمق نحو 1700 متر، وهي تصنف بين المنصات شبه العائمة (Semi-Submersible) ذات النشاط المزدوج. هذا، ومن المتوقع أن تستمر أعمال الحفر لنحو 70 يوماً، على أن تظهر المعطيات في شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
تلزيم عقود الخدمات نهاية الشهر الحالي
4 مناقصات منتظرة
وبالتزامن مع هذه الخطوة المهمة، فقد طرحت شركة "توتال إنرجيز" وفقاً للقوانين اللبنانية، 4 مناقصات في 4 محاور أساسية في مجال الخدمات اللوجيستية التي يمكن أن تتم من لبنان وهي: إدارة القاعدة اللوجيستية في مرفأ بيروت، بواخر الدعم اللوجيستي، الطائرات العامودية، وإمداد الحفارة بمادة المازوت للتشغيل.
وبموجب التشريعات المعمول بها، تملك الشركات المحلية معاملة تفضيلية، ومن المتوقع أن تبدأ عملية التلزيم في غضون أسابيع (مع نهاية شهر أيار/مايو الحالي)، مع الإشارة إلى أن اللوائح المعتمدة تلزم الشركات الفائزة بتحديد حصة العمالة اللبنانية بنحو 80 في المئة من الإجمالي في حال توفرها.
كذلك، هناك حزمة مناقصات موجهة لكبرى شركات الخدمات النفطية العالمية المتخصصة، من المتوقع أيضاً أن ترسى عقودها في الفترة نفسها. هذا، وتبلغ تكلفة خطة العمل والموازنة التي سبق لشركة "توتال إنرجيز" أن قدمتها وحصلت على موافقة هيئة إدارة القطاع بنحو 123 مليون دولار حتى نهاية العام الحالي.
الإجراءات والتصاريح
وبالتزامن، تعمل هيئة إدارة قطاع البترول على تسهيل الإجراءات الخاصة بتصاريح العمل والسمات المؤقتة والإقامات وغيرها للكوادر كافة والقوى العاملة، من بينها على سبيل المثال القوى العاملة المشرفة على البئر.
ترافق ذلك، مع إعداد دراسات بيئية ودراسات حول تقييم الأثر البيئي والاجتماعي، إذ من المنتظر الحصول على موافقة وزارة البيئة إلى جانب موافقة وزارة الطاقة والمياه، قبل مباشرة أعمال الحفر.
تفاؤل واستعداد لمرحلة ما بعد الاستكشاف
المسارات المستقبلية
تعدّ هذه الخطوات كافة حيوية ومهمة في مسار الملف النفطي في لبنان، وفي حال وجود معطيات إيجابية من البئر بعد الانتهاء من عملية الاستكشاف تؤكد وجود كميات تجارية، ينتقل التحالف إلى مرحلة حفر بئر ثانية تقييمية، يجري من خلاله تحديد الكمية المكتشفة. ومن هناك، يدخل المسار النفطي مرحلة تطوير الاكتشاف.
وفي هذا السياق، تفيد مصادر نفطية متابعة أن الجهات المعنية تبحث على محمل الجد من الآن كيفية التعامل مع متطلبات مرحلة ما بعد وجود كميات تجارية، بما يمكن من الاستخراج في أسرع وقت ممكن، عبر المفاضلة بين خيارات عدة لتصدير الغاز المستكشف واستخدامه في توليد الطاقة الكهربائية بعد بناء معامل جديدة.
مسار تراخيص الرقع المتبقية يسير على قدم وساق
دورة تراخيص جديدة
وعلى خط مواز للورشة الحاصلة في ملف البلوك الرقم 9، تولي هيئة إدارة قطاع البترول الرقع الأخرى المتبقية أهمية موازية. ويوضح مصدر مسؤول في القطاع أن الاستعدادات جارية على قدم وساق لاستكمال دورة تراخيص جديدة وتخص البلوكات الثمانية المتبقية، مشيرة إلى ان الجهات المعنية بدأت بالترويج لهذه الدورة من التراخيص في الخارج.
ولفتت المصادر إلى أن أي نتائج ايجابية ستتمخض عن عملية الاستكشاف في الرقعة 9، من شأنها أن تشكل عامل تشجيع للشركات المتخصصة للتهافت على التقدم إلى دورة التراخيص الجديدة للرقع المتبقية، ومن شأن وجود معطيات إيجابية أن تضع لبنان أمام مرحلة اقتصادية جديدة.
ملف النفط في لبنان بقي بعيداً عن التجاذبات
أعلى معايير الشفافية
رغم الظروف التي يمرّ بها لبنان وكل ما يثار على مستوى إدارة الملفين الاقتصادي والمالي، بقي ملف النفط برمته بمنأى عن التجاذبات الحاصلة، كما إن الإدارة المحكمة للقطاع من الجهات الفنية المعنية نجحت في تبني أعلى معايير الشفافية في المراحل كافة التي مر بها حتى الآن. فمن ناحية الإجراءات، تتولى "توتال إنرجيز" مهمة تلزيم العقود، وسط اشراف ومتابعة دقيقة من هيئة إدارة قطاع البترول عبر التدقيق على الالتزام بالقوانين والإجراءات المعتمدة. هذه التوجهات تستند إلى بيئة تشريعية وقانونية متكاملة، تتمثل في قانون الشفافية في القطاع النفطي وحق الوصول إلى المعلومات كافة التي تتوفر بها بدور على المواقع الالكترونية لشركة "توتال إنرجيز" وهيئة إدارة قطاع البترول. وتستتبع تلك الإجراءات كافة، بعملية تدقيق لاحقة وفق المعايير والأصول المعتمدة وبإشراف من الهيئة.
التحول الطاقوي والاستدامة
مع بدء العمل على إرساء أولى دعائم الصناعة النفطية في لبنان، وعلى الرغم من أن ذلك يعدّ مشروعاً طويل الأمد، من المهم أن تتزامن الخطوات المتخذة مع مواكبة التوجهات الحاصلة في الصناعة عالمياً، ولاسيما لجهة مجال التحول الطاقوي والعمل على تبني معايير الاستدامة. وتعد صناعة الغاز، عنصراً حيوياً في تحقيق هذه المعايير مقارنة بالوقود الاحفوري. وبالتالي، يمكن القول إن لبنان أمام فرصة تحقيق توازن في مصادر الطاقة على المدى الطويل، من خلال الموازنة بين مصادر الطاقة المختلفة، بما ينعكس إيجاباً على التكلفة، وتبني معايير الأمن الطاقوي، ويتطلب ذلك، وضع استراتيجية متكاملة يجري العمل عليها من الجهات المعنية كافة، وهو ما يشكل عنصراً مهماً في تحفيز الاستثمارات والمستثمرين مستقبلاً.