عندما اجتمع قادة الدول السبع G7 في اليابان يوم الجمعة الماضي (19 أيار/ مايو) الحالي، كان بين الأوراق المدرجة على جدول اعمال القمة واحدة تدعو "مجموعة الدول السبع الغنية، الى أن تأخذ زمام المبادرة في التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في محاولة لبناء زخم لاتفاق عالمي العام الحالي للتخلي تدريجياً عن النفط والفحم والغاز".
وعلى بعد آلاف الأميال، كان "إعلان جدة" الصادر في اليوم نفسه، في ختام أعمال الدورة العادية الثانية والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة التي استضافتها المملكة العربية السعودية وترأسها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يتضمن "مبادرة الثقافة والمستقبل الأخضر في الدول العربية تجاه أهداف التنمية المستدامة، بالإضافة إلى المساهمة في دعم الممارسات الثقافية الصديقة للبيئة،" التي تعني الوصول الى عالم خال من الانبعاثات.
هل هي صدفة، لتوارد الأفكار في هاتيّن المناسبتيّن الدوليتيّن، أم أن هناك ما هو أكثر من مجرد صدفة؟
قد يهمك:
العالم يمر بمرحلة انتقالية في مجال الطاقة
كل المعطيات تشير الى ان العالم يمر بمرحلة انتقالية في عالم الطاقة، لا يبدو انها واضحة النتائج، لكنها وبشكل مؤكد واضحة الأهداف. فبينما كانت دول، من بينها الاتحاد الأوروبي المؤلف من 27 عضواً تأمل في ان تتفق جميع الدول في محادثات الأمم المتحدة للمناخ هذا العام على التخلص التدريجي من استهلاك الوقود الأحفوري الذي يسبب تغير المناخ، كتب كليفورد كراوس تحقيقاً في الـ "نيويورك تايمز" حمل عنوان "لماذا تجد بعض البلدان صعوبة في الابتعاد عن الوقود الأحفوري؟"، لافتاً الانتباه الى ان ترينيداد وتوباغو على الكاريبي، هي المصدر الرقم 2 للغاز الطبيعي المسال في الأميركتيّن، وعلى الرغم من أن إنتاج هذه المادة آخذة في الانخفاض، لكن هذه الدولة ما زالت ملتزمة الوقود الأحفوري. وقال رئيس وزراء ترينيداد وتوباغو كيث رولي: "سنستمر في استخراج الهيدروكربونات المتاحة لنا طالما أن هناك سوقاً دولية. إذا كنا سنبيع آخر برميل من النفط أو آخر جزيء من الغاز، فليكن".
ماذا عن قمة جدة؟
في المقابل، وعلى هامش قمة جدة، أعلن الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز، وزير الطاقة السعودي أنه يتطلع، إلى أن "تحقق قمة جدة انطلاقة فاعلة للتعاون العربي في المجالات كافة." وعدّ التنسيق بين بلاده ودول "أوبك بلس" ما وصفه "حجر الزاوية في مساعي تعزيز استقرار أسواق البترول العالمية والحفاظ على توازنها، وأمن الإمدادات فيها بما يدعم فرص نمو الاقتصاد العالمي".
وكما ورد آنفاً، ما زالت قوة الدفع في اتجاه عالم الطاقة البديلة مستمرة. ففي رسالة إلى زعماء مجموعة السبع بتاريخ 18 أيار/مايو نقلتها وكالة "رويترز" قال معارضون: "يجب أن ننهي عصر الوقود الأحفوري ونتخلص منه تدريجياً. ندعوكم إلى أخذ زمام المبادرة والعمل معنا للاتفاق على ذلك في COP28"، في إشارة إلى قمة المناخ COP28 لهذا العام، والتي تبدأ في 30 تشرين الثاني/نوفمبر في دبي.
وحثّ الرئيس الإماراتي لمؤتمر COP28 سلطان الجابر، هذا الشهر الدول على التركيز على "التخلص التدريجي من انبعاثات الوقود الأحفوري"، يمكن أن يسمح ذلك للبلدان بالاستمرار في استخدام الوقود الأحفوري، مع استخدام التقنيات لالتقاط انبعاثات الكربون الناتجة عن حرقها.
يمكنك متابعة:
بدوره، أكدَ الأمير عبد العزيز بن سلمان، خلال قمة جدة، أن الرياض وقَّعت مذكرات تفاهم في قطاع الطاقة مع عدد من الدول العربية، لتعزيز التعاون في مجالات الكهرباء، والطاقة المتجددة، والهيدروجين النظيف، والبترول والغاز، والبتروكيماويات، وغيرها من المجالات ذات العلاقة، متابعاً: "كذلك هناك مشروعات الربط الكهربائي بين السعودية والدول العربية، حيث ترتبط المملكة بجميع دول الخليج عن طريق الربط الخليجي، كما يجري تنفيذ مشروعات الربط المباشر بين السعودية وكلٍّ من العراق، والأردن، ومصر".
ما صرّح به وزير الطاقة السعودي، يعني أن هناك مساريّن متوازيين في عالم الطاقة هما مسار الطاقة التقليدية والطاقة البديلة، وهذان المساران باقيان لفترة غير محددة من أجل ضمان حصول العالم على حاجاته من الطاقة وعدم القفز إلى أي بديل قبل ان تتوافر الإمكانات الثابتة من الطاقة البديلة.
وليس خافياً، أن الدول الكبرى تتبنى ما هذا التوجه الذي شرحه وزير الطاقة في المملكة العربية السعودية. ووفق المعلومات من قمة الدول السبع في اليابان، ما يفيد أن قادة هذه الدول تمنح بعض الدعم للمطالبين بالتخلي سريعاً عن الوقود الاحفوري. لكن، وعلى الرغم من أن وزراء المناخ في دول مجموعة السبع اتفقوا الشهر الماضي - للمرة الأولى - على تسريع "التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بلا هوادة"، فليس من الواضح ما إذا كان قادتهم سيحذون حذوهم.
زمن الطاقة التقليدية لا يزال مزدهراً
ومن الأمثلة الراهنة على أن زمن الطاقة التقليدية ما زال مزدهراً، النتائج التي افضت اليها العقوبات الغربية العام الماضي بحق روسيا نتيجة الغزو الروسي لاوكرانيا. وبينما كانت قادة مجموعة السبع تستعد للاحتفال بنتائج جهد جديد لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط العالمية ومعاقبة موسكو، تبيّن ان اختراع سقف الأسعار قد تم كمنفذ للهروب من العقوبات المالية التي أعلنتها الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها على صادرات النفط الروسية في أعقاب الغزو مباشرة، وشملت تلك العقوبات حظراً يمنع الديمقراطيات الغنية من شراء النفط الروسي في السوق العالمية. لكن في وقت مبكر من الحرب، أتت بنتائج عكسية بشكل أساسي. لقد رفعوا تكلفة كل النفط على مستوى العالم، بغض النظر عن مكان إنتاجه، وحققت الأسعار المرتفعة عائدات صادرات قياسية لموسكو، بينما دفعت أسعار البنزين الأميركية إلى ما فوق 5 دولارات للغالون.
ومن المقرر أن تضرب جولة جديدة من العقوبات الأوروبية النفط الروسي بشدة في كانون الأول/ ديسمبر هذا العام. غير إن الاقتصاديين في وول ستريت وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حذروا من أن هذه العقوبات قد تؤدي إلى إخراج النفط من السوق، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى لذلك، قرر مسؤولو الإدارة محاولة الاستفادة من هيمنة الغرب على تجارة شحن النفط - بما في ذلك كيفية نقلها وتمويلها - وفرض صفقة صعبة على روسيا.
بالعودة الى ترينيداد وتوباغو، فهي تشتهر بشواطئها الرملية البيضاء والغابات المطيرة الجبلية وبراميل المقلاة الفولاذية، لكن اقتصادها يعتمد على النفط والغاز الطبيعي، وليس السياحة.
إنها واحدة من أكبر منتجي الوقود الأحفوري في نصف الكرة الغربي، وقد ترك أكثر من قرن من الحفر بصماته. الطرق السريعة الرئيسية في الجزيرة الرئيسية مسدودة بحركة المرور وتصطف على جانبيها المستودعات الصناعية.
إذا كانت ترينيداد تبدو متعرجة ومتعرجة بشأن سياسة تغير المناخ، فهي ليست الوحيدة. كما تقوم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة ببناء مزارع شمسية كبيرة أثناء التنقيب عن تدفقات نفطية جديدة. وتقول الدول النامية التي تتمتع بثروات من الوقود الأحفوري - وهي مجموعة تضم غانا ونيجيريا وناميبيا بالإضافة إلى ترينيداد - إنها لا تستطيع القفز بسهولة إلى الطاقة المتجددة لأنها تفتقر إلى رأس المال ولأن فقراءها يعتمدون على الطاقة الرخيصة وعائدات النفط في البرامج الاجتماعية.
من الأمثال العربية الشهيرة: "من استعجل الامر قبل اوانه عوقب بحرمانه". على ما يبدو ان صانعي السياسات في قمتيّ الدول السبع وجدة يعلمون هذا المثل أو مضمونه بشكل جيد.