معركة بايدن الصعبة لرفع سقف الدين: تسوية أم أزمة مفتوحة؟
معركة بايدن الصعبة لرفع سقف الدين: تسوية أم أزمة مفتوحة؟
- رشيد حسن
اقتربت المواجهة الحادة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول سقف الدين الأميركي من ربع الساعة الأخير، من دون أن يبدو في الأفق إمكان التوافق على حل وسط يرضي الطرفين ويجنّب الولايات المتحدة والعالم، الأزمة الشاملة التي قد تنجم عن الفشل في بلورة تسوية ما قبل الأول من شهر حزيران/يونيو المقبل أي بعد أقل من عشرة أيام.
بالطبع حتى وقت قريب كان الرأي الأكثر شيوعاً هو أن الفريقين يستخدمان تكتيك حافة الهاوية في التفاوض في سبيل الخروج بأكبر قدر من المكاسب من هذه المواجهة، وأنه لا الجمهوريين ولا الديمقراطيين من مصلحتهما إجبار الولايات المتحدة للمرة الأولى في تاريخها على التوقف عن تسديد دينها العام الداخلي والخارجي، وصرف التأمينات الاجتماعية أو أجور العاملين، وغير ذلك من عمليات الدفع الحيوية لعمل الاقتصاد. لكن برغم أرجحية هذا الاعتبار، فإن تأزم المفاوضات وإصرار كل من الفريقين على مواقفه ومطالبه، حتى قبل أيام معدودة من انتهاء المهلة في أول الشهر المقبل، بدأ للمرة الأولى يفرض على المراقبين والمستثمرين والأسواق، أن تعتبر إمكان توقف واشنطن عن تسديد دينها احتمالاً وارداً، وبالتالي التحسب للتداعيات الشاملة التي قد يفجرها حدث بهذا الحجم.
قد يهمك:
حتى لا يستر "الحاكمون" عيوبهم بملف حاكم مصرف لبنان!
كثيرون حول العالم لا يمكنهم فهم ما يجري في واشنطن الآن، ولماذا يمكن لدولة عظمى بل أقوى اقتصاد في العالم أن يواجه أزمة بهذا الحجم والخطورة حول موضوع يتعلق بتحديد سقف الدين المرخص به من الكونغرس، وهو في حقيقته سقف على الإنفاق الذي قد تعتزم إدارة الرئيس بايدن تمويله عبر المزيد من الاقتراض.
في ما يلي ومن أجل المساعدة على فهم الموضوع بمختلف جوانبه، نعرض للموضوع عبر عدد من الأسئلة والأجوبة:
ما هو سقف الدين العام؟
لا يجيز الدستور الأميركي للحكومة إنفاق أي مبالغ إلا بإجازة من الكونغرس، لكن نظراً إلى حاجة واشنطن تمويل مشاركتها في الحرب العالمية الأولى، فقد تم في العام 1917 الاتفاق بينها وبين الكونغرس على وضع سقف للمبالغ التي يمكن للدولة إنفاقها، على أن يتم تمديد السقف أو رفعه عند الحاجة.. ورسخ هذا التقليد منذ ذلك الحين وبات اللجوء إلى رفع سقف الاقتراض أمراً طبيعياً لدى مختلف الحكومات المتعاقبة منذ ذلك التاريخ.
لماذا نشب الخلاف إذن؟
حصلت في الماضي مواجهات متقطعة حول رفع سقف الدين كانت تنتهي بتسويات بين الرئيس والحزب المعارض له، لكن الولايات المتحدة شهدت بين عهدي الرئيس دونالد ترامب ثم الرئيس جو بايدن انقسامات وصراعات غير مسبوقة بسبب تعمق خطوط الخلاف وتحوله إلى ما يشبه صراع إيديولوجي حاد ونوع من النزاع على هوية البلد ورسالته وثقافته. ويعتبر الجمهوريون أن الديمقراطيين يريدون التوسع بالإنفاق الاجتماعي بهدف كسب أصوات الأميركيين من أصل أفريقي والأقليات من دون مراعاة لعبء الدين الذين وصل إلى 31.4 تريليون دولار أو نحو 102 في المئة من الناتج المحلي، وهذا الدين تتوقع إدارة الخزانة الأميركية أن يصل (إذا بقيت اتجاهات الإنفاق والدين على ما هي عليه الآن) إلى نحو 114 تريليون دولار في العام 2030 وهو ما سيوازي 200 في المئة من الناتج المحلي.
ما هي خطوط الخلاف؟
يعرض الحزب الجمهوري تمديد سقف الدين بنحو 1.5 تريليون دولار حتى نهاية آذار/مارس من العام المقبل، لكن في المقابل يطالب الحزب الجمهوري التزام معدل نمو في الميزانية لا يتجاوز 1 في المئة سنوياً للسنوات العشر المقبلة وهو ما يمكن أن يحقق وفراً بقيمة 4.8 تريليونات دولار، كما إن مقترح الجمهوريين يتطلب سحب الرئيس بايدن لعدد من المشاريع الباهظة الكلفة مثل قانون العفو عن قروض الطلبة (والذي قد يكلف 480 مليار دولار) ومنح حوافز ضريبية للسياسات الكهربائية كما يتطلب الاقتراح الجمهوري تخلي الرئيس بايدن عن قوانين تستهدف منح المزيد من الحوافز التمويلية والضريبية لمشاريع الطاقة المتجددة وفي الوقت نفسه رفع القيود التي فرضها عن نشاطات استخراج النفط والغاز.
وبهذا المعنى، فإن المواجهة الفاصلة التي يخوضها الرئيس بايدن مع الحزب الجمهوري لا تتعلق فقط باعتراض الجمهوريين على الزيادة المستمرة في الإنفاق وفي حجم الدين العام بل اعتراضهم على أولويات الإنفاق وعلى برامج تعكس تأثير التيارات اليسارية في الحزب الديمقراطي مثل "الصفقة الخضراء" The New Green Deal وغيرها. وهذه المواجهة الأيديولوجية والسياسية بين الحزبين غير مسبوقة وهي التي تغذي مواقف التشدد لديهما وتزيد من صعوبة التوصل إلى تسوية ضمن المدة القصيرة التي تبقت للمتفاوضين لإيجاد أرضية مشتركة تسمح بحل النزاع.
يمكنك متابعة:
استراتيجية التنويع السعودية من النفط إلى المعادن
التصلب الجمهوري؟
هناك عوامل إضافية تزيد تعقيد المواجهة بين الحزبين الأميركيين وأبرزها توحيد الجمهوريين لموقفهم بصورة غير مسبوقة، إذ قام 43 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين بتوقيع رسالة تعهدوا فيها بأنهم لن يصوتوا لأي اتفاق حول سقف الدين ما لم يكن موافقاً عليه من قبل المفاوض الجمهوري الرئيسي زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الممثلين كفين مكارثي، وهذا التفويض الشامل عزز موقف الجمهوريين في المفاوضات وأضعف حظوظ الإدارة الديمقراطية في استغلال التهديد بالتوقف عن الدفع لخلق خلاف بين الجمهوريين قد يساعد على تمرير الصفقة وفق شروطها. أضف إلى ذلك أن الرئيس السابق دونالد ترامب (الذي يستعد للترشح للانتخابات الرئاسية للعام 2024) ألقى بثقله في الصراع ليحث الجمهوريين على رفض المساومة مع الرئيس بايدن وعدم السماح لهم باستغلال شبح توقف الدولة عن دفع التزاماتها لإقرار المزيد من الإنفاق "غير المسؤول" حسب قوله.
المشكلة الآن هي أن الفريقين ما زالت تفصل بينهما مسافة كبيرة في وقت تقترب الحكومة الأميركية من المهلة الحرجة لأول شهر يونيو والتي حذرت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين من أن بلوغها دون التوصل إلى تسوية بين الحزبين سيضطر الولايات المتحدة لأول مرة في تاريخها إلى التوقف عن دفع ديونها الخارجية.
ثمن الفشل؟
بالاستناد إلى سابقة خلاف حصلت في العام 2011، فإن الحكومة الأميركية لن تضطر إلى التوقف عن تسديد الفوائد عن سندات الدين التي ستستحق تباعاً، أما أصل قيمة السندات فسيتم تسديدها عبر بيع سندات جديدة بقيمتها في المزاد، وبذلك، فإن الخزانة الأميركية تكون قد التزمت سقف الدين، إلا أن الخزانة الأميركية ستبدأ بتمديد آجال بقية الالتزامات المترتبة على الدولة مثل الضمان الاجتماعي والعقود والعناية الصحية وغيرها وذلك إلى أن يكون قد تم التوصل إلى اتفاق جديد حول سقف الدين. لكن يعتبر المحللون أن توقف الدولية الأميركية عن تسديد الدين ستترتب عليه فوراً نتائج بالغة السلبية وقد يؤدي إلى خفض تصنيف القدرة الاقتراضية للولايات المتحدة. لكن حجم الأضرار سيتوقف على المدة التي سيستغرقها حل النزاع، وعلى سبيل المثال، إذا توقعت السوق أن تكون المواجهة مؤقتة وأن الخزانة الأميركية لن تعجز عن تسديد دينها بالسندات فإن الآثار الاقتصادية قد تكون محدودة لكن إذا اتسع الخلاف وتحول إلى نزاعات قضائية فإننا قد نشهد خسارة ملايين العاملين لوظائفهم ودخول الاقتصاد في مرحلة انكماش قد يصل حسب بعض المحللين إلى نحو 6 في المئة.
للإطلاع:
الوقود الاحفوري بين قمتيّ الدول السبع وجدة
المادة 14 ؟
مع استمرار المفاوضات الصعبة مع الحزب الجمهوري أعلن الرئيس بايدن من طوكيو (حيث يحضر قمة الدول الـ 7) أنه قد يلجأ إلى صلاحياته الدستورية وفق المادة 14 من الدستور الأميركي لإصدار قرارات رئاسية بالاستمرار في الإنفاق إلا أن المحكمة الدستورية التي تسيطر عليها أكثرية لصالح الحزب الجمهوري ألمحت إلى أن هذا العمل لن يكون قانونياً، مما يعني أنها ستستجيب لأي اعتراض يتقدم به الجمهوريون بهذا المعنى لإصدار رأي يمنع الرئيس الأميركي من استخدام هذا الطريق الدستوري. وبالطبع فإنه في حال أصر بايدن فإننا قد نشهد نزاعاً قانونياً يعمق الأزمة لأنه سيؤدي إلى إنفاق المزيد من الوقت في الصراعات القضائية وبالتالي التأخر في معالجة القضية الأساسية وهي الاتفاق على سقف الدين وربما الاتفاق في الوقت نفسه على إطار عام للإنفاق الحكومي يغطي السنوات العشر التالية.
الأكثر قراءة
-
الزيودي: التجارة البينية غير النفطية مع الأردن تجاوزت 4.2 مليارات دولار في 2023
-
مذكرة تفاهم بين "التعاون الرقمي" و"التحكيم التجاري الخليجي" للوصول إلى اقتصاد رقمي شمولي
-
تعاون بين "أكاديمية أبوظبي العالمي" و"فنتك تيوزاديز" في مجال ابتكارات التكنولوجيا المالية
-
"روش": سدّ الفجوة للوصول إلى العلاجات يجب أن يكون أولوية جميع القادة العاملين في صناعة الأدوية
-
شبح الحرب الإقليمية يهدد الإقتصاد المصري