القرار السعودي المنفرد الذي أطلق استقرار النفط عالمياً

كان لا بد من انتظار شروق شمس نهار اليوم الأربعاء ( 7 حزيران/ يونيو الحالي) في أقاصي آسيا لإدراك أهمية القرار الذي اتخذته المملكة العربية السعودية منفردة في الاجتماع الأخير لمنظمة أوبك بلس على صعيد استقرار أسعار النفط. وبحسب رويترز، فقد استقرت أسعار النفط اليوم بعد خسائر الجلسة السابقة، بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، لكن الأمور تبدلت نتيجة مخاوف من شح المعروض العالمي بعد تعهد السعودية منفردة بتعميق تخفيضات الإنتاج.

قد يهمك:

اندماج "GPA" الأميركية مع "LIV Golf" السعودية: انتصار تاريخي لصندوق الاستثمارات العامة

وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 9 سنتات أو 0.1 في المئة إلى 76.38 دولار للبرميل. كما ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 11 سنتا أو 0.2 في المئة إلى 71.85 دولار للبرميل.

مع تعهد المملكة المفاجئ بخفض الإنتاج بمقدار مليون برميل يوميا إلى 9 ملايين برميل يوميا في تموز/ يوليو، يتردد المستثمرون الآن في اتخاذ موقف كبير بسبب التوقعات والمؤشرات الاقتصادية المختلطة في الولايات المتحدة والصين.

وقال أحد الخبراء اليابانيين: "نتوقع أن تختبر أسعار النفط اتجاها صعودياً مع دخولنا موسم القيادة الصيفي في الولايات المتحدة"، مضيفا أن شح المعروض العالمي وخطط الولايات المتحدة لشراء الخام لإعادة ملء الاحتياطي النفطي الاستراتيجي سيحد من الجانب السلبي.

ماذا عن الخفض الطوعي؟

ويأتي الخفض الطوعي، وهو الأكبر في السعودية منذ سنوات، على رأس اتفاق أوسع نطاقا أبرمته منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاء من بينهم روسيا للحد من الإمدادات حتى العام 2024 حيث تسعى المنظمة، المعروفة مجتمعة باسم أوبك+، إلى تعزيز أسعار النفط سجلت تراجعا في الآونة الماضية.

في قراءة لـ "النيويورك تايمز" تحت عنوان "استراتيجية المملكة العربية السعودية: كل ما يلزم لتعزيز أسعار النفط"، ذكرت الصحيفة: "الرياض تمضي وحدها في خفض أسعار النفط. لكن المفاوضات التي أدت إلى هذه الخطوة - وتعديل أكثر تعقيدا لحصص الانتاج - تشير إلى التوترات بين العديد من الدول المنتجة للنفط الخام في العالم، مع أسعار النفط العالمية في الميزان. وكان الترتيب الذي ظهر يوم الأحد في 4 حزيران/ يونيو عبارة عن تسوية تقودها الرياض، والتي وصفها الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، بأنها تهدف إلى تحسين الأسعار. على الرغم من أن الخفض مخصص فقط لشهر تموز/يوليو، إلا أنه يمكن تمديده."

يمكنك متابعة:

"النقد الدولي": 5% توقعات نمو الاقتصاد غير النفطي السعودي في 2023

وكان الانخفاض الحاد في أسعار النفط يحوم حول المحادثات. فخام برنت، المعيار العالمي، يبلغ نحو 77 دولارا للبرميل، بعد تداوله بنحو 120 دولارا قبل عام.

وكتبت هيليما كروفت، رئيسة استراتيجية السلع العالمية في RBC Global Markets، في مذكرة للمستثمرين، إن كون المملكة "على استعداد لتحمل خفض الإنتاج  بمفردها يضيف إلى مصداقية الخفض ويشير إلى خروج براميل حقيقية من السوق".

وفي الوقت نفسه، يعتقد على نطاق واسع أن روسيا- على الرغم من خفض حصصها - تضخ كميات هائلة من النفط الخام الرخيص لتعزيز اقتصادها الذي دمرته الحرب في اوكرانيا.

وفي استطلاع لرأي الخبراء أجرته صحيفة "الشرق الأوسط"، قال د. أسامة العبيدي، المستشار وأستاذ القانون التجاري الدولي، إن قرار مجموعة (أوبك بلس) "جاء لحماية استقرار الأسعار من التقلبات الشديدة التي تؤدي إلى الإضرار بالمنتجين والمستهلكين على حد سواء، وأيضاً للحد من تقلص النمو الاقتصادي العالمي الذي يؤدي بدوره إلى تراجع حجم الطلب."

من جهته، ذكر د. فهد بن جمعة، الخبير الاقتصادي، "أن تعيين جهات حيادية لمراقبة مستوى إنتاج (أوبك بلس) خطوة متقدمة وغير مسبوقة وتحقق عدالة توزيع خطوط الإنتاج وتحديد الخفض بكل شفافية."

ويذكر ان  دول أوبك بلس، قررت أيضا  تعديل مستوى إنتاجها إلى 40.4 مليون برميل يومياً اعتباراً من  كانون الثاني/يناير 2024 ولمدة عام، وانتهى الاجتماع الأخير بالموافقة على خفض الإنتاج بمقدار 3.66 مليون برميل يومياً.

ويوافق خورخي ليون، نائب الرئيس الأول لأبحاث سوق النفط في ريستاد إنرجي، على القول إن خفض إنتاج النفط السعودي لن يكون له تأثير قصير الأجل على أسعار السوق إلا إذا تم تمديده إلى ما بعد تموز يوليو، عندما يدخل حيز التنفيذ، وهذا الامر أكدته السعودية. وقال ليون لوكالة أسوشيتد برس إن الخفض الإضافي يوفر "حدا أدنى للسعر لأن السعوديين يمكنهم التحكم بالخفض الطوعي بقدر ما يرونه مناسبا".

أسعار برنت قد تصل إلى 100 دولار نهاية العام الحالي

وبحسب ما كتبته تسفيتانا باراسكوفا في موقع "اويل برايس" المتخصص، فقد "تصل أسعار برنت إلى 100 دولار بحلول نهاية هذا العام حيث أن خفض الإنتاج الجديد البالغ مليون برميل يوميا الذي أعلنته المملكة العربية السعودية سيزيد من تشديد سوق النفط" بحسب ما قال محللون بعد اجتماع أوبك + . ومن بين هؤلاء المحللين فيفيك دهار المحلل في بنك الكومنولث الأسترالي، الذي قال: "مع حماية المملكة العربية السعودية لأسعار النفط من الانخفاض الشديد عن طريق خفض الإنتاج، نعتقد أن أسواق النفط الآن أكثر عرضة للشح في وقت لاحق من هذا العام". وأضاف دهار أنه حتى إذا لم يكن الطلب الصيني على النفط قويا في النصف الثاني من هذا العام كما هو متوقع، فمن المقرر أن ترتفع العقود الآجلة لخام برنت إلى 85 دولارا للبرميل بحلول الربع الرابع من العام 2023.

وكرر محللو إيه.إن.زد دانيال هاينز وسوني كوماري هدف برنت البالغ 100 دولار للبرميل لنهاية العام، قائلين إن "من المرجح أن يضيف المستثمرون رهانات صعودية، مرتاحين لأن المملكة العربية السعودية وأوبك ستوفران دعما إذا واجهت السوق أي عقبات".

سألت رويترز: كيف تؤثر أوبك على أسعار النفط العالمية؟ واجابت: تشكل صادرات الدول الأعضاء في أوبك نحو 60 في المئة من تجارة النفط العالمية. في العام 2021، قدرت أوبك أن الدول الأعضاء فيها تمثل أكثر من 80 في المئة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم.

بسبب الحصة السوقية الكبيرة، يمكن أن تؤثر القرارات التي تتخذها أوبك على أسعار النفط العالمية. ويجتمع أعضاؤها بانتظام لتحديد كمية النفط التي سيتم بيعها في الأسواق العالمية.

نتيجة لذلك، عندما تخفض العرض عندما ينخفض الطلب، تميل أسعار النفط إلى الارتفاع. تميل الأسعار إلى الانخفاض عندما تقرر المجموعة توريد المزيد من النفط إلى السوق.

في 2 نيسان/أبريل الماضي، وافقت أوبك+ على تعميق تخفيضات إنتاج النفط الخام إلى 3.66 ملايين برميل يوميا أو 3.7 في المئة من الطلب العالمي، حتى نهاية عام 2023، ما ساعد على رفع أسعار النفط بنحو 9 دولارات للبرميل إلى ما فوق 87 دولارا للبرميل خلال الأيام التالية، لكن أسعار برنت فقدت تلك المكاسب منذ ذلك الحين.

ماذا بعد القرار السعودي في الرابع من الشهر الحالي؟

انه السؤال الذي سيواصل الخبراء من الان فصاعدا الإجابة عليه بإستمرار وتعديل الجواب تبعا لتطورات السوق هبوطا أو صعودا لسعر برميل النفط. وتبعا لما أشارت اليه الكاتبة في موقع "اويل برايس" حول توقعات الخبراء ان يرتفع سعر البرميل مجددا ليصل هذا العام الى عتبة ال 100 دولار للبرميل، يجب ترقب هذا الاحتمال. وعندما يتحقق ارتفاع سعر البرميل الى هذا المستوى، يجب إدراك أهمية القرار السعودي الأخير المنفرد.