شهدت المنطقة العربية كارثتين طبيعتين، الزلزال الذي ضرب المملكة المغربية والفيضانات التي حدثت في ليبيا. وتحمل الفیضانات التي ألمّت بلیبیا تذكیراً بالظواھر المناخیة الحادة التي باتت أكثر تفشیاً في جمیع أنحاء العالم نتیجةً لتغیرات المناخ، بما یؤكد على أھمیة وضرورة تصدي السیاسات العامة للمخاطر الناجمة عن تغیرات المناخ.
تمثل السیاسات العامة لمواجھة تحدیات ومخاطر تغیرات المناخ عنصراً حاسماً في مواجھة ھذه التحدیات والمخاطر، وفي حين تعتبر المنطقة العربية من بین أكثر المناطق تأثراً بتغیرات المناخ، فإن مساھمتھا في انبعاثات الكربون محدودة. إن زیادة مستویات درجة الحرارة، والظواھر المناخیة الاستثنائیة، وتراجع معدلات ھطول الأمطار وما لھا من آثار كبیرة على التصحر وتراجع الأمن الغذائي والنزوح القسري، لیست سوى أمثلة على المخاطر الناجمة عن تغیرات المناخ.
كأمانة فنیة لمجلس وزراء المالیة العرب ولمجلس محافظي المصارف المركزیة ومؤسسات النقد العربیة، فإننا ندعم السیاسات ذات الموثوقیة والمصممة بشكل جید، القادرة على تحقیق تحول سریع ومنتظم في مجال الطاقة بما ینسجم وأھداف اتفاقیة باریس ویحقق مستھدف صافي الانبعاثات الصفري، على أن یتم ذلك بصورة تأخذ في الاعتبار القدرة على تحمل التكالیف وأمن إمدادات الطاقة. وبرأینا إذا لم تحقق السیاسات المتخذة نتائج فعّالة ومتوازنة في كافة جوانب "مثلث الطاقة" (القدرة على تحمل التكالیف1، وأمن الطاقة2، والاستدامة البیئیة3)، فإن ذلك سیؤثر سلباً على المجتمعات والاقتصادات، ویقّوّض بالتالي الدعم للتحول في مجال الطاقة. ھذه الورقة تمثل ملخّصاً لرؤى وموقف صندوق النقد العربي من أبرز قضایا المناخ، ولا تستھدف تغطیة جمیع القضایا.
دعم اتفاق باريس ومستهدف صافي الانبعاثات الصغرى
تدرك المنطقة العربیة ضرورة التصدي للمخاطر الناجمة عن تغیرات المناخ، حیث بذلت السلطات في الدول العربیة جھوداً معتبرة في إطار التوجه نحو مستقبل مستدام. تدعم الدول العربیة تنفیذ اتفاق "باریس4" كما تدعم تحقیق مستھدف صافي الانبعاثات الصفري. لقد أعلن معظم الدول العربیة بالفعل التزامه تجاه مستھدف صافي الانبعاثات الصفري ووضع خططاً وبرامج لتحقیق ذلك، كما یتزاید تبني الدول العربیة لمصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسیة والریاح، من أجل تنویع مصادر الطاقة وتقلیل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كذلك حرصت الدول العربیة على توسیع دورھا فیما یسمى بالتدابیر التعویضیة، مثل زراعة الأشجار وتقنیات احتجاز وإعادة تدویر غاز ثاني أوكسید الكربون في إطار الاقتصاد الدائري للكربون. إن ھذه الجھود لا تساعد فقط في الانتقال للتخفیف من تغیرات المناخ فحسب، بل تقدم فرصاً اقتصادیة كبیرة لخلق فرص عمل جدیدة وتحفیز الابتكار في قطاع الطاقة المتجددة.
فضلاً عن ذلك، تدرك المنطقة العربیة أن مواجھة تحدیات تغیرات المناخ تتطلب التعاون والشراكة الدولیة، وأن التضامن والإنصاف مبدآن أساسیان یستند إلیھما أي نظام متعدد الأطراف. لذلك تعتبر مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي أطلقتھا المملكة العربیة السعودیة العام 2021، أحسن مثال على جھود المنطقة العربیة في ھذا الإطار، حیث تمثل نموذجاً للتضامن والإنصاف لمواجھة مخاطر تغیرات المناخ. تشارك المنطقة العربیة بفعالیة في مفاوضات ومبادرات التغیرات المناخیة العالمیة، حیث استضافت جمھوریة مصر العربیة كوب 27 العام الماضي، وتستضیف دولة الإمارات العربیة المتحدة كوب 28 ھذا العام. وتعرب الدول العربیة من خلال ھذه المنصات الدولیة، عن وجھة نظرھا وآرائھا في الحوار العالمي الخاص بقضایا المناخ، وتعمل على إیجاد حلول عادلة لتحدّیات تغیرات المناخ.
كما تلتزم المنطقة العربیة بتحقیق أھداف التنمیة الاقتصادیة المستدامة ومواجھة تغیرات المناخ في الوقت ذاته، حیث تدرك أنه لا غنى عن التنمیة المستدامة لتحقیق استقرار الاقتصاد والرفاه الاجتماعي وحمایة البیئة على المدى الطویل. في ھذا الإطار، یلاحظ التوجه المتزاید لمعظم دول المنطقة نحو دمج الاستدامة ضمن سیاساتھا وممارساتھا، سعیاً للموازنة بین النمو الاقتصادي وحمایة البیئة، بما یخدم الجیل الحالي والأجیال المستقبلیة.
تجنب المساومة على تحقيق الأهداف
یتمثل التحدي الرئیس في تصمیم السیاسات العامة لسوق الطاقة، في كیفیة تحسین كل جانب من جوانب مثلث الطاقة المشار له (القدرة على تحمل التكالیف، وأمن الطاقة، والاستدامة البیئیة) من دون المساس بأحدھا، حیث نرى أن التركیز على جانب واحد لا یُعدّ خیاراً عملیاً ومستداماً على مستوى السیاسات الفعالة، فلا جدوى من الطاقة الموثوقة للغایة (آمنة) ذات الانبعاثات المنخفضة، ما لم تكن متاحة بتكلفة میسورة للأفراد ولقطاع الأعمال، كما إن الطاقة الرخیصة (میسورة التكلفة)، مناسبة للأفراد ولقطاع الأعمال، ما لم تكن موثوقة أو آمنة (على سبیل المثال، إذا كانت لا تعمل معظم الوقت أو تواجه صعوبة التعافي من صدمات النظام) أو تلحق ضرراً بالبیئة.
یمكن تحقیق عدم المساومة على تحقیق الأھداف السابقة من خلال العمل على ثلاث ركائز أساسیة في آن واحد: (1) دعم الابتكار، (2) استھداف الانبعاثات ولیس مصادر الطاقة، (3) الاعتراف بالفروق بین الدول المختلفة في مدى القدرة على التعامل مع تغیرات المناخ.
یساھم الابتكار في دعم الإمداد الآمن ومنخفض التكلفة لمصادر الطاقة ذات الانبعاثات المنخفضة وللطاقة المتجددة، كما یساھم في تخزین الكھرباء، وإنتاج الھیدروجین الأخضر والھیدروجین ذو الانبعاثات المنخفضة، والاستخدام الفعّال لتقنیات إزالة الكربون في ظل الاقتصاد الدائري للكربون. ویساھم الابتكار أیضاً في رفع كفاءة استخدام الطاقة بما یساعد في دعم عملیة التحول، وخفض كلفة إمدادات الطاقة وتعزیز استدامتھا، حیث یمكن لتبني إطار محكم لسیاسات تشجیع الابتكار، أن یدعم تطویر تقنیات الانبعاثات المنخفضة وتطبیقھا سریعاً مع الحفاظ على
تنافسیة الأعمال. ولكي یكون إطار سیاسات الابتكار، متیناً وفعالاً، ینبغي أن یكون واقعیاً (یحافظ على تنافسیة الأعمال)، وقویاً (یشجع استثمارات كبیرة في التقنیات الجدیدة)، وقابلاً للتنبؤ (یتضمن 5 أھدافاً واضحة طویلة الأمد)، وقابلاً للتمویل بصورة مستدامة.
یؤدي الوقود الأحفوري دوراً حیویاً في قطاع الطاقة العالمي وسوف یستمر في ذلك، حیث اعتمد أكثر من 80 في المئة بقلیل من استھلاك الطاقة العالمي علیه وفقاً لبیانات العام i2022. في ضوء ذلك، فإن استھداف الوقود الأحفوري بدلاً من الانبعاثات الكربونیة من مصادر الطاقة، یمكن أن یھدّد أمن الطاقة من خلال تقلیل الاستثمارات في مراحل الإنتاج والتكریر والتسویق، وزیادة تكالیف الطاقة، وتعریض العدید من البلدان لصدمات الطاقة المستقبلیة، كما یمكن أن یثبط ھذا الاستھداف، جھود الاستثمار في تقنیات إزالة الكربون، مما یؤخر تحقق المستھدف المنشود لصافي الانبعاثات الصفري. لقد دفعت صدمات الطاقة السابقة والحالیة، إلى العودة إلى مصادر الطاقة التي تسبب تلوثاً عالیاً، ناھیك عن دورھا في تدھور أمن الطاقة والغذاء، وزیادة معدلات التضخم، وتداعیاتھا على تراجع الأنشطة الاقتصادیة ورفاھیة المستھلكین، لذلك، نرى أن من المناسب مواصلة الاستثمار في زیادة قدرات الإنتاج للوقود الاحفوري وتقنیات إزالة الكربون بصورة متوازیة، بما یحدّ من التأثر بصدمات الطاقة من دون التضحیة بھدف خفض الانبعاثات الكربونیة.
ولیس خافیاً أن الدول تختلف في قدراتھا على التكیّف والانتقال إلى انبعاثات منخفضة. حیث عادةً ما تكون الدول ذات الحیز المالي المحدود والدول الضعیفة، مسؤولة بدرجة أقل عن تغیرات المناخ، إلا أنھا تتأثر بدرجة أكبر بھذه التغیرات. صحیح أنه من الضروري قیام ھذه الدول بتبني سیاسات لمواجھة تغیرات المناخ، بما في ذلك الزراعة الذكیة مناخیاً، وزیادة الإنفاق الاجتماعي، وتعزیز الصمود المناخي للبنیة التحتیة، وتقویة شبكات الحمایة الاجتماعیة، إلا أن ھناك مسؤولیة كبیرة تقع على عاتق المجتمع الدولي لتقدیم الدعم لھذه الدول وحمایتھا من تأثیرات السیاسات التي قد تفاقم ظروفھا. إن دعماً دولیاً كبیراً ومستداماً – على شكل منح، وتمویل میسر، ونقل التقنیات الحدیثة، وبناء القدرات - یعدّ أمراً ملحاً لتجنب التداعیات الأسوأ، بما في ذلك النزوح القسري والھجرةii، لذلك فمن الضروري أن تكون سیاسات المناخ - مثل أي سیاسات أخرى - مصممة بشكل جید، وأن یرافقھا توفر الدعم الدولي الكبیر والمستدام للدول المحتاجة، لتحقیق أھداف تلك السیاسات وتجنب العواقب غیر المرغوبة. إننا ندعم تحول الطاقة العادل الذي یوفر فرص عمل لائقةً، ووظائف ذات جودة، وأجوراً عادلة، ویدعم سبل العیش الكریم للمجتمعات المحلیة.
تغيرات المناخ والاستقرار المالي
تلعب الأنظمة المالیة دوراً حاسماً في تمویل الانتقال إلى اقتصاد مستدام، وتوزیع المخاطر المتعلقة بتغیرات المناخ وتخفیفھا والتكیّف معھا. نرى أن تغیرات المناخ من شأنھا أن تزید من المخاطر التي تھدد الاستقرار المالي، من خلال آثار الكوارث الطبیعیة المتزایدة، وتغیرات المناخ المزمنة (مثل قلة الأمطار)، والسیاسات المناخیة، والتقدم التقني، وتغیر تفضیلات المستھلكین. حیث قد تؤدي مثل ھذه التأثیرات السلبیة إلى مخاطر مالیة مباشرة، مما یدفع إلى إعادة تقییم قیم الأصول، ویغیر تكلفة الائتمان وتوافره، أو أن یؤثر على توقیت التدفقات النقدیة أو موثوقیتھا، كما یمكن أن تسبب تغیرات المناخ مخاطر على النشاط الاقتصادي، مما قد یولد مخاطر مالیة أو یزید من حدتھا.
نرى أن ھناك حاجة الى توسیع وتعزیز البحث والتحلیل لدمج ھذه المخاطر دمجاً كاملاً ضمن عملیة متابعة تطورات الاستقرار المالي، ویشمل ذلك إدخال تحسینات كبیرة على مدى توفر البیانات وموثوقیة النماذج. ولا شك أن جھود تعزیز الافصاحات والشفافیة عن المخاطر المالیة ذات الصلة بالمناخ، ستسھم في توضیح طبیعة ونطاق مخاطر الاستقرار المالي المتعلقة بتغیرات المناخ.
إننا ندعم مبادئ لجنة بازل للإدارة والرقابة الفعّالة على المخاطر المالیة المتعلقة بمخاطر تغیرات المناخ، حیث نرى أھمیة تبنیھا من قبل السلطات الرقابیة، كما نرى أنه یتعین أن تبقى السلطات متنبھة إلى مخاطر الاستقرار المالي التي قد تنجم عن عدم توفیر خدمات التمویل الكافیة والمیسرة (لاعتبارات بیئیة) لقطاعات مھمة، بما في ذلك خدمات التأمین. وكذلك الانتباه للأثر غیر المباشر على الاستقرار المالي من السیاسات المناخیة التي قد ترفع كلف الطاقة بصورة ملموسة أو تقلل أمن الطاقة بما یؤثر على ربحیة قطاع الأعمال واستقرار التدفقات النقدیة.
دور البنوك المركزية
تعمل البنوك المركزیة ضمن إطار صلاحیات واضح ومحدد حیث تھدف الى تحقیق استقرار الأسعار والاستقرار المالي. یرى البعض أن البنوك المركزیة یجب أن تكون أكثر نشاطاً في تعبئة الموارد اللازمة لتمویل الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون. بدورنا نرى أن توسیع صلاحیات البنوك المركزیة لتشمل تعبئة مثل ھذه الموارد، قد یفتقر إلى الأساس القانوني ویھدد تحقیق أھدافھا الأساسیة في استقرار الأسعار والاستقرار المالي.
مع ذلك، فإن للبنوك المركزیة دوراً أساسیاً في مواجھة تغیرات المناخ وتحفیز السیاسات التي تؤثر على الأسواق المالیة، حیث یمكن أن تساعد البنوك المركزیة ضمن إطار عملھا الحالي، المتمثل في تحقیق استقرار الأسعار والاستقرار المالي، في توفیر الشروط اللازمة للأسواق المالیة لتوزیع المخاطر المتعلقة بتغیرات المناخ وتسعیرھا.
في ھذا الإطار، فمن المھم ألا ینظر إلى أدوات وسیاسات البنوك المركزیة كبدیل عن الإجراءات والسیاسات التي ینبغي على الحكومات اتخاذھا، حیث قد یتسبب انخراط البنوك المركزیة في الأنشطة الشبه المالیة لتعئبة الموارد تحقیقاً للتحول المناخي، في تراجع استقلالیة البنوك المركزیة، وبالتالي الحد من قدرتھا على القیام بواجباتھا ومھامھا الأساسیة. إن تحقیق البنوك المركزیة لأھدافھا الأساسیة في استقرار الأسعار والاستقرار المالي، یكمل السیاسات المناخیة ولیس بدیلاً عنھا.
الهيدروجين
یمكن للھیدروجین أن یؤدي دوراً مھماً في مساعدة دول العالم على تحقیق ھدف الحیاد الكربوني، حیث یمكن أن یكون له دور حیوي في تقلیل انبعاثات الكربون من خلال استخدامه وقوداً في قطاعي النقل والصناعة، إذ لا تعد الطاقة الكھربائیة وحدھا بدیلاً مناسباً سواء من الناحیة التجاریة أو التقنیة. یكتسب كل من الھیدروجین الأخضر والأزرق أھمیة بالغة، وتتوقف سرعة وحجم تطبیقھما على عوامل إقلیمیة عدة ، بما في ذلك الوصول إلى مصادر الطاقة المتجددة الوفیرة ومیسورة التكلفة. ولا شك أن نمو ھذا القطاع، یتطلب دعماً حكومیاً وسیاسات تدعم توسیع نطاق تطبیقه وتعزز نشره، لذلك نشجع على تطویر برامج لتقدیم شھادة الھیدروجین المنخفض الكربون، إذ سیساھم ذلك في بناء سوق موثوقة وتجارة دولیة لھذه الأداة القیّمة لخفض وإزالة الانبعاثات الكربونیة.
احتجاز الكربون
تقدّر الانبعاثات المباشرة من الصناعات الثقیلة التي تستھلك الكثیر من الطاقة (مثل صناعة الحدید والصلب والإسمنت) بین خمس وربع إنبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمیةiii. تحتاج العدید من ھذه الصناعات إلى حرارة عالیة یصعب إنتاجھا من الكھرباء المستمدة من مصادر الطاقة المتجددة، وفي حین یمكن أن یوفر الھیدروجین بدیلاً منخفض الكربون، فإنه يتطلب مزيداً من البحث والتطویر وسرعةً في التطبیق والتوسع لتحقیق خفض انبعاثات الكربون في الصناعات.
یؤدي احتجاز الكربون واستخدامه وتخزینه (CCUS) في ظل الاقتصاد الدائري للكربون دوراً مھماً في تخفیض انبعاثات الكربون من الصناعات وتمكین إنتاج بعض أنواع الوقود ذات الانبعاثات المنخفضة والطاقة المتاحة عند الطلب، كما یمكن لاحتجاز الكربون واستخدامه وتخزینه (CCUS) أن یدعم إزالة ثاني أوكسید الكربون على نطاق واسع عالمیاً عبر تخزین الكربون المحتجز مباشرة من الھواء بشكل دائم. في ھذا السیاق، ندعم السیاسات العامة التي توفر نماذج تجاریة مستقرة وقابلة للتنفیذ في كل جزء من سلسلة قیمة احتجاز الكربون واستخدامه وتخزینه (CCUS) (الاحتجاز والنقل والاستخدام والتخزین الجیولوجي)، كما ندعم إلى جانب ھذه السیاسات، تطویر إطار تنظیمي قوي لتنمیة صناعة احتجاز الكربون واستخدامه وتخزینه (CCUS) نمواً آمناً ومسؤولاً، ویعتبر تمویل المناخ من القضایا ذات الأولویة للمنطقة العربیة وللعالم لتنفیذ التدابیر الضروریة لمواجھة تغیرات المناخ بشكل فعال. تحتاج الدول، ولا سیما تلك التي تعاني ضعفاً اقتصادیاً أو لدیھا حیز مالي محدود، إلى دعم مالي لًلانتقال إلى الطاقة النظیفة وتنفیذ مبادرات التخفیف من مخاطر تغیرات المناخ والتكیف معھا. غالباً ما تعتمد ھذه الدول على آلیات تمویل دولیة، مثل صندوق المناخ الأخضر ومبادرات تمويل المناخ، لتمویل مشاریعھا المتعلقة بالمناخ. في ھذا الإطار، ندعم زیادة التمویل المناخي المنخفض التكلفة من الدول المتقدمة لدعم تنفیذ الدول النامیة والفقیرة لاتفاقیة باریس لمواجھة تغیرات المناخ وتحقیق أھداف التنمیة المستدامة.
في الختام، لكي تكون السیاسات العامة المتعلقة بتغیرات المناخ فعّالة، لا بدّ أن تكون ذات موثوقیة ومصممة بعنایة. تعني الموثوقیة في ھذا الصدد، أن أصحاب المصلحة یعتبرونھا مستدامة ولا تخضع لاحتمال كبیر لعكس إتجاه السیاسة. وتكمن أھمیة ذلك في تشجیع جمیع أصحاب المصلحة، بما في ذلك المستثمرون وممولو القطاع الخاص، على القیام بالدور المطلوب، وذلك من خلال الاستثمار وتوفیر التمویل على المدى الطویل بتكلفة میسورة. من الضروري تجنب المساس بأھداف القدرة على تحمل التكالیف، وأمن الطاقة والاستدامة البیئیة عند تصمیم سیاسات الانتقال لضمان تنفیذھا على نطاق واسع على مستوى الدول والحفاظ على الدعم العام لھا، مما یقلل من احتمالیة عكس اتجاه ھذه السیاسات.
ونقصد بالسیاسة العامة المصممة بعنایة، تلك القادرة على تحقیق انتقال سریع ومنتظم، والمراعیة لاعتبارات القدرة على تحمل تكالیف الطاقة وأمن إمداداتھا، كما ینبغي أن تضمن توفیر دعم دولي كبیر ومستدام للدول التي تحتاجه. كذلك ینبغي أن تستخدم الأدوات الأنسب التي توفر فرص عمل لائقة، ووظائف ذات جودة، وأجوراً عادلة، وتدعم سبل عیش المجتمعات المحلیة.
د. عبدالرحمن الحميدي، المدير العام، رئيس مجلس الإدارة، صندوق النقد العربي أبوظبي– الإمارات العربية المتحدة
المصادر والمراجع
1- القدرة على تحمل التكالیف تعني مدى قدرة الدولة على تعمیم الانتفاع بالطاقة الوفیرة میسورة التكلفة بأسعار معقولة للاستخدام المنزلي والتجاري.
2- أمن الإمدادات یعني قدرة الدولة على تلبیة الطلب الحالي والمستقبلي على الطاقة على نحو ثابت ومأمون، وقدرتھا على تحمل صدمات النظام والتعافي منھا سریعاً بأقل قدر من الانقطاع في الإمدادات.
3- الاستدامة البیئیة لنظم الطاقة تمثل تحول نظام الطاقة في الدولة نحو تخفیف وتجنب الضرر البیئي المحتمل وآثار تغیر المناخ
4- ثمة عشرون دولة عربیة عضواً في اتفاق باریس.
5- تساعد السیاسات طویلة المدى على زیادة الثقة في أن جھود الابتكار عالیة التكلفة وعالیة المخاطر في تقنیات الصناعة صفریة أو شبه صفریة الانبعاثات، ستؤتي ثمارھا في نھایة المطاف.
6- لا یزال الوقود الأحفوري قویاً عالمیاً في 2022، رغم تزاید الطاقة المتجددة - معھد أبحاث الطاقة (instituteforenergyresearch.org) (IER).
7- التحدیات المناخیة في الدول الھشة والمتضررة من النزاعات، صندوق النقد الدولي (IMF) آب/أغسطس 2023.
8- خفض انبعاثات الكربون الناتجة عن الصناعات الثقیلة، مركز الدراسات الإستراتیجیة والدولیة، تشرين الأول/أكتوبر 2020.