انها الأيام الأخيرة قبل انطلاق قمة الأمم المتحدة للمناخ COP28، التي تعقد في الفترة من 30 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي إلى 12 كانون الأول/ديسمبر المقبل في دبي. فهل ستكون قمة مميزة عن سابقاتها؟ خصوصاً انها تأتي بعد عام من الحرارة الشديدة والجفاف وحرائق الغابات والفيضانات؟
في التقديرات الراهنة، ان القمة ستكون أول تقييم عالمي للتقدم المحرز منذ اتفاق باريس التاريخي في العام 2015. أما بحسب بلومبيرغ، فهي ستكون الأكبر في التاريخ، والأولى التي تعقد في دولة نفطية كبرى. وتريد الإمارات العربية المتحدة المضيفة إدخال صناعة الوقود الأحفوري في حظيرة المناخ، فهل ستبلغ الدولة المضيفة هذا الهدف المثير للجدل؟
لتحقيق ذلك، وفق بلومبيرغ أيضاً، يتطلب نشر على نطاق واسع احتجاز الكربون وتخزينه. ويجادل المؤيدون بأن التكنولوجيا الجديدة يمكن أن تساعد في الحفاظ على أمن الطاقة للوقود الأحفوري من دون الانبعاثات، في المقابل يقول النقاد إن ذلك غير مثبت.
لكن قبل الخوض في هذه القضية التي ستكون في صدارة قمة دبي، كتب أليكس كيمان على Oilprice.com يقول: "على مدى السنوات القليلة الماضية، كان هناك الكثير من الضجة في الوقت الذي سيصل فيه الطلب العالمي على النفط إلى أعلى مستوياته قبل الدخول في انخفاض نهائي. وتوقعت بعض وكالات الطاقة مثل وكالة الطاقة الدولية، أن الذروة قريبة بينما تقول وكالات أخرى أكثر صعوداً مثل إدارة معلومات الطاقة إن هذه النقطة على بعد عقود. وفي الواقع، من المتوقع أن تكون ذروة الطلب على النفط هي محور الخلاف في قمة عندما يعقد COP28".
كيف تبدو الصورة في دولة الامارات نفسها التي تواجه تحدياً غير مسبوق؟ في البداية، ان مكان انعقاد COP28، هو خيار مثير للجدل. وسيحضر نحو 70 ألف من المدافعين عن المناخ والديبلوماسيين وغيرهم من المعلقين في دبي. وأثارت حقيقة أن أهم تجمع مناخي في العالم ستستضيفه شركة رائدة في إنتاج النفط غضباً بين دعاة حماية البيئة. وإن قيام رئيس القمة، سلطان الجابر، بإدارة أدنوك، شركة النفط الوطنية الإماراتية، هو دليل، وفق المدافعون عن المناخ، على أن الإصلاح يتم نيابة عن شركات النفط الكبرى.
في المقابل، وعلى عكس مخاوف هؤلاء المدافعين عن المناخ، سادت توقعات في الأيام الأخيرة من انطلاق أعمال القمة، تفيد انه إذا تمكن المفاوضون من الاتفاق على السماح باستخدام الحدّ من الانبعاثات تحت المراقبة الجيدة، فإن هذا من شأنه أن يسمح بوضع حد منظم لاستخدام الوقود الأحفوري الذي يجنب المستهلكين صدمات العرض المؤلمة. وتوضح الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي الهيئة الرسمية لعلوم المناخ التابعة للأمم المتحدة، أن تكنولوجيات الانبعاثات "السلبية" قد تكون مطلوبة على نطاق واسع في النصف الثاني من القرن، وهو ما يعني أن تكنولوجيات الحدّ من الانبعاثات الوليدة تحتاج إلى دفعة كبيرة الآن.
وتريد دولة الإمارات العربية المتحدة أن تلعب دوراً رائداً في مجال الابتكار المناخي أيضاً، وقد استثمرت بكثافة في إزالة الكربون. وتم الكشف عن مشروع كبير لاحتجاز الكربون وتخزينه يكون قادراً على إزالة الغازات الدفيئة المكافئة للانبعاثات السنوية لنصف مليون سيارة تعمل بالبنزين في أيلول/ سبتمبر الماضي. وقدمت أدنوك أخيراً هدفها المتمثل في صافي انبعاثات غازات الدفيئة الصفرية لعملياتها في حلول خمس سنوات حتى العام 2045. ولقد أوقفت تنفيس الميثان الروتيني وحرقه قبل وقت طويل من أقرانه. وتنفق الشركة ما يقرب من 4 مليارات دولار على الكابلات البحرية لشحن الكهرباء الخالية من الكربون إلى الحفارات البحرية لتحل محل حرق الغاز الطبيعي.
مزارع الإمارات: أرخص طاقة متجددة في العالم
وفي الوقت نفسه، تنتج مزارع الطاقة الشمسية الضخمة التي تديرها الامارات أرخص طاقة متجددة في العالم، وهذا العملاق الإماراتي للطاقة النظيفة، الذي تمتلك أدنوك حصة فيه، هو ثاني أكبر مطور للطاقة النظيفة في العالم. وقد التزمت بتركيب 100 جيجاوات من الطاقة المتجددة على مستوى العالم في حلول العام 2030، ارتفاعاً من 15 جيغاوات في العام 2021. اما كيف ظهر هذا العملاق الأخضر في أرض مليئة بالثروات النفطية؟ انه بحسب الجابر، بدأ في العام 2006، قبل أن تنطلق الثورة الشمسية وتصبح تكنولوجيا المناخ من المألوف.
من المفيد في سياق ترقب ما ستنتهي إليه COP28 التوقف عند انجار ادنوك وقف تنفيس الميثان الروتيني وحرقه قبل وقت طويل. ولعل نافذة النجاح لقمة المناخ تلوح من خلال السيطرة على انبعاثات الميثان والفحم الحجري في رحلة الوصول الى نظافة المناخ على مستوى الكوكب.
بالنسبة لانبعاثات الميثان، بدأ الكلام والعمل معاً على اتخاذ إجراءات صارمة ضد انبعاثات هذا الغاز، وتحيط الأخبار السارة بالميثان، وهو غاز من غازات الدفيئة أقصر عمراً بكثير في الغلاف الجوي من ثاني أوكسيد الكربون. لكن الميثان يسبب ما لا يقل عن ربع الإحترار الجوي. ويصرّ فريد كروب، رئيس مجموعة edf، وهي مجموعة بيئية، على أن معالجة الميثان "هي أسرع فرصة متاحة لإبطاء معدل الاحترار العالمي".
وبما أن الميثان هو المكون الرئيسي للغاز الطبيعي، فإن معالجة الانبعاثات من صناعة الطاقة سيكون لها تأثير كبير. وغالباً ما يكون الاسترداد سريعاً لأن الميثان لا يتم تنفيسه أو حرقه أثناء استخراج الغاز يمكن بيعه، كما يقول بيورن سفيردوب من مبادرة مناخ النفط والغاز (ogci)، وهي اتحاد يضم عشرات شركات النفط والغاز الرائدة. خفض أعضاؤها انبعاثات الميثان بمقدار النصف تقريباً منذ العام 2017، من معدل تسرب يبلغ 0.3 في المئة من إجمالي الغاز المسوق إلى 0.15 في المئة في العام 2022، باستخدام التقنيات التي تراقب التسريبات وتحسن العمليات، وقد تعهدوا بإبقاء هذا المستوى أقل من 0.2 في المئة.
تشير الشائعات إلى أن العديد من شركات النفط الوطنية تقاوم، لكن السيد سفيردوب أفاد بأن الزخم يتزايد للعمل بين تلك الشركات، كجزء من صفقة تم التوصل إليها قبل أيام مع الولايات المتحدة الأميركية. وتقول الصين (أكبر باعث للميثان في العالم) إنها ستدرج، للمرة الأولى هذا الغاز في خطتها الوطنية للمناخ، كما وافق الاتحاد الأوروبي للتو على فرض قيود صارمة على انبعاثات الميثان من الوقود الأحفوري، بما في ذلك الواردات. لذا، فإن التوصل إلى اتفاق جانبي ذي مصداقية يشمل العديد من شركات النفط الكبرى "سيعني أكثر من بيان دبلوماسي طموح" من الإجراءات الرسمية، كما يعتقد كروب. ويضغط الجابر بشدة على شركات النفط والغاز الكبرى في السر للالتزام بخفض انبعاثات الميثان.
ماذا عن الفحم الحجري؟
بالنسبة للفحم الحجري، وفي نبأ لرويترز من ثلاث عواصم هي نيودلهي وبروكسل وواشنطن في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي، قالت ثلاثة مصادر مطلعة في الهند وأوروبا، إن فرنسا وتدعمها الولايات المتحدة تعتزم السعي لوقف التمويل الخاص لمحطات الطاقة التي تعمل بالفحم خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في وقت لاحق هذا الشهر.
وستعمق الخطة، التي تم إبلاغها إلى الهند في وقت سابق من هذا الشهر، الانقسامات في قمة دبي، حيث تعارض الهند والصين أي محاولة لمنع بناء محطات طاقة تعمل بالفحم لاقتصاداتهما المتعطشة للطاقة. وقال المسؤولون إن نحو 490 جيجاوات من طاقة الفحم الجديدة، أي ما يعادل تقريباً خمس الطاقة العالمية الحالية، مخطط لها أو قيد الإنشاء، معظمها في الهند والصين. يتم إنتاج نحو 73 في المئة من الكهرباء المستهلكة في الهند باستخدام الفحم، على الرغم من أن البلاد زادت قدرتها غير الأحفورية إلى 44 في المئة من إجمالي قدرتها المركبة لتوليد الطاقة.
وتعتزم الهند مقاومة الدفع لتحديد موعد نهائي للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري أو التخفيض التدريجي في COP28، حيث سيكون الفحم مصدر الطاقة الرئيسي لبضعة عقود أخرى، وقد يطلب من الأعضاء تحويل تركيزهم على تقليل الانبعاثات من مصادر أخرى، كما إنه قد يدفع الدول المتقدمة إلى أن تصبح سلبية الكربون بدلاً من محايدة للكربون في حلول العام 2050.
انها معضلة الفحم الحجري مقابل انجاز غاز الميثان. وعلى هذا الحبل الممدود بين المعضلات والإنجازات، تستعد قمة دبي المرتقبة للسير عليه. وهنا تقول رويترز إن سلطان الجابر الرئيس التنفيذي لشركة النفط الإماراتية ورئيس محادثات المناخ في مؤتمر COP28 بسمعة طيبة في سعيه الجاد لتحقيق نتائج. وبرز الجابر عندما كافحت المداولات الماراثونية في مدينة أسوان المصرية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي للتوصل إلى اتفاق بشأن صندوق لمساعدة الدول على التعافي من الأضرار الناجمة عن تغيّر المناخ. ففي مداخلة افتراضية، قال للجنة الأمم المتحدة المؤلفة من 24 عضواً والتي تناقش الصندوق إن مليارات الأرواح تعتمد على التوصل إلى اتفاق، وأوضحت رسالة جابر للمندوبين أنه لن يقبل الفشل.