الشراكة أو المنافسة... الخيار الأول

  • 2024-05-22
  • 11:29

الشراكة أو المنافسة... الخيار الأول

  • محمد شالوه

 

ساتيا ناديلا، الشاب الذي تخصص في الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسب الآلي ثم انضم لعملاق تقنية المعلومات (مايكروسوفت) في العام 1992 كمبرمج وأصبح رئيسها التنفيذي في العام 2014، تحدث في كتابه (Hit Refresh) عن بناء الشراكات والمنافسة، وقد ضرب عدة أمثلة لتعاون (مايكروسوفت) مع عدد من امبراطوريات التقنية في عصرنا الحالي، مثل: (آبل)، (ديل)، (غوغل)، (سامسونغ) وغيرها.

حديث ساتيا عن الشراكة والمنافسة أثار تساؤلا مهما بالنسبة لي:

هل نحن بحاجة إلى الشراكات أكثر في عصر بناء التكتلات الاقتصادية ودخول الأسواق بقوة تنافسية أكبر؟ أم نحن بحاجة إلى المنافسة أكثر في حقبة زمنية تُقدّر الإبداع والابتكار، وتضع الشركات والمنتجات المبتَكرة على قائمة الأكثر مبيعا والأعلى أرباحا؟

بلا شك فإن المعادلة صعبة، فالكاتب كيفن كيلي في كتابه (The Inevitable) يرى أن العديد من العوامل التكنولوجية التي تُشكل وتُؤثر على المستقبل هي مرتبطة بالقدرة على التكامل ودعم المنتجات لبعضها، أو تشكيل منتجات جديدة من دمج منتجات قائمة بالفعل وإضافة عدد من التحسينات عليها بشكل مستمر. وقد تكون بعض الأمثلة العملية على ذلك: شراكة تطبيق مثل (Airbnb) مع المجموعات الفندقية أو السكنية والأفراد حول العالم وما يمثله ذلك من توليد فرص نمو ضخمة لكافة الاطراف، وأيضا شراكة تطبيقات مثل (طلبات) أو (Uber Eats) مع المطاعم لتقديم خدمة توصيل الطلبات وتحويلها لتجربة الكترونية بسيطة وممتعة.

في المقابل، لا يمكن إنكار فضل المنافسة في تحسين جودة المنتج أو الخدمة، ففي الاقتصاد مبادئ معروفة حول أثر الاحتكار على الأسعار وكذلك مستوى الخدمة، لذلك تسعى العديد من الدول التي تتبنى سياسات اقتصادية مفتوحة ونظام السوق الحر إلى استقطاب وزيادة المنافسة لإيمانها أن هذا يصب في مصلحة المستهلك والسوق بالدرجة الأولى، ويزيد من تنافسية الاقتصاد ومرونته.

قد تختلف النظرة في حالة تصنيف الشراكة والمنافسة كغايات وأهداف، أو وسائل وممكنات، ففي الحالة الأولى سنصل إلى قناعة إلى أنه لا يمكن أن نكون شركاء ومتنافسين في الوقت ذاته، وقد تكون هذه القناعة مبنية على أساس أن الشراكة والمنافسة خطيْن متوازييْن لا يلتقيان أبدا، وبالتالي يتوجب علينا المفاضلة بينهما والتضحية بالآخر.

أما في حالة تصنيف الشراكة والمنافسة كوسائل وممكنات، فهي تصبح خطوط متشابكة تُشكل معا نسيجا أقوى يمكن التعويل عليه لمزيد من التقدم والازدهار.

وبالعودة إلى حديث ساتيا، فقد ذكر أنه في إحدى المقابلات خلال حضوره اليوم الاستراتيجي السنوي الذي تعقده شركة (ديل)، أنه أُثير تساؤل عن شكل العلاقة التي تربط (مايكروسوفت) بشركة (ديل)، وما إذا كانت الشركتين (enemies or frenemies) في إشارة واضحة إلى الشراكة أو المنافسة، وقد أجاب ساتيا حينها أن كلا الشركتين تعملان سويا منذ زمن طويل وهما كالصديقين الذيْن يتنافسان من أجل خدمة العملاء في نهاية المطاف.

بتحليل هذه الإجابة، نستخلص أن رؤية وفكر ساتيا قائم في الأساس على الهدف من الشراكة أو المنافسة، أي إذا كانت مصلحة السوق والعملاء تقتضي المنافسة، فإنها ستكون المنهج الذي تتبعه الشركة، وإذا كانت هذه المصلحة تتطلب التعاون والشراكة فإن الخيار سيكون كذلك بلا شك.

هذا الفكر هو أحوج ما نكون إلى تطبيقه في مؤسساتنا وشركاتنا، فلا مكان للتفضيلات الشخصية، بل هي أولوية المنفعة العامة والمصلحة المشتركة التي تخدم أهداف المؤسسة والشركة. ولا يعني المثال المذكور أن هذا المبدأ ينطبق فقط على مؤسسات القطاع الخاص التي تبحث عن الربحية وتعظيم الإيرادات، بل هو صالح كذلك لمؤسسات القطاع الحكومي والعام، خاصة في ظل الرؤية العصرية للحكومات التي تقيس نجاحها بمقدار خدمتها للناس، وهو النهج الذي تبنتهُ حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة منذ زمن ليس باليسير، وقادها لتحقيق قفزات نوعية في مجال العمل الحكومي وأمست نموذجا إقليميا وعالميا متفردا.

إن الحديث عن أجندة المستقبل، والنمو المستدام للأجيال القادمة يفرض علينا بلا شك أن نكون سريعي التأقلم مع الظروف والمتغيرات من حولنا، وأن تكون استراتيجيتنا مبنية على تحقيق الأهداف بالوسائل والممكنات، فالخيار هُنا: الشراكة والمنافسة وليس الشراكة أو المنافسة.