الصندوق السعودي للتنمية في عامه الخمسين: قوة تنموية مؤثرة في 100 بلد
الصندوق السعودي للتنمية في عامه الخمسين: قوة تنموية مؤثرة في 100 بلد
- فيصل أبوزكي
احتفال الصندوق السعودي للتنمية بعامه الخمسين لم يكن مناسبة عادية بل حدث مهم استمد الكثير من معانيه من التحول السعودي الكبير تحت رؤية 2030 ومن اهمية الدور الدولي الذي تلعبه المملكة العربية السعودية والتاًثير الذي احدثه الصندوق بتمويله اكثر من 800 مشروع في اكثر من 100 بلد بمقدار 20 مليار دولار اميركي حتى الآن، وهي اموال عادة ما تخلق اثاراً مضاعفة من حجمها الاساسي على مجتمعات هي بأمس الحاجة لها للوصول الى الخدمات الاساسية من تعليم وصحة وطاقة وفرص عمل. ويجسد الصندوق والدور التنموي الذي يلعبه، الرؤية البعيدة المدى للقيادات السعودية المتتالية بلعب دور عالمي ناشط من بوابة التنمية والعون ولاسيما للبلدان الاكثر احتياجاً وفقراً. ومن هذا المنطلق، ليس من المستغرب ان تكون افريقيا المسرح الاكبر لعمليات الصندوق تليها آسيا وهما القارتان اللتان حازتا على اكثر من ثلثي تمويلات الصندوق. وقد وضعت التمويلات والمعونات التنموية المقدمة عبر الصندوق ام مباشرة من الحكومة السعودية في مصافي الدول الاكثر تقديماً للمعونات التنموية نسبة الى ناتجها المحلي متفوقة بذلك على الكثير من البلدان بما فيها البلدان الصناعية المتقدمة.
وفي العام الماضي وحده، وقع الصندوق 40 اتفاقية تمويل مع 29 بلداً نامياً بمبلغ اجمالي مقداره 7.6 مليارات ريال سعودي ( بحدود 2.04 مليار دولار اميركي) كان منها 21 مشروعاً في القارة الافريقية بمقدار 2.94 مليار ريال سعودي و5 مشروعات في القارة الآسيوية بمبلغ مقداره 1.83 مليار ريال و14 مشروعاً في اميركا اللاتينية والبحر الكاريبي بمقدار 2.87 مليار ريال سعودي، واضاف الصندوق 9 بلدان جديدة بما في ذلك الارجنتين وانغولا الى قائمة البلدان المستفيدة من موارده. وشملت المشروعات التي مولها خلال العام 2023 قطاعات البنية الاجتماعية التي بقيت دوماً على رأس اولويات الصندوق وحظيت وحدها بقرابة 65 في المئة من اجمالي المشاريع الممولة خلال العام الماضي. اما بالنسبة للقطاعات الاخرى حظي قطاع الطاقة على حصة 22.4 في المئة في حين استحوذ قطاع النقل والاتصالات على حصة 10.77 في المئة. اضافة الى التمويلات التي يقدمها الصندوق مباشرة فإنه يتولى ايضاً ادارة المنح الانمائية التي تقدمها الحكومة السعودية الى بلدان اخرى والتي وصل اجماليها في نهاية العام 2023 الى اكثر من 70.95 مليار ريال سعودي سحب منها اكثر من 48.25 مليار ريال واستفاد منها 23 بلداً.
ومن الواضح ان الصندوق شهد خلال العقدين الاخيرين تحولاً في عملياته وتغطيته للبلدان النامية وطريقة عمله، وهذا ما عكس رغبة سعودية بتوسعة وتعميق انخراط المملكة في الاقتصاد العالمي ولاسيما في التمويل التنموي والتركيز على تعزيز الشراكات مع البلدان النامية الاخرى والبناء على تجربة طويلة من العون التنموي وفهم اعمق لحاجات هذه البلدان وكيفية زيادة تأثير التمويل المقدم لها. وتأتي هذه السياسة ضمن توجه شامل يشكل محور اساسي لرؤية 2030، وهو تحقيق اندماج اكبر في الاقتصاد العالمي شمالاً وجنوباً عبر الانفتاح الواسع على الاستثمار الاجنبي واستقطاب الشراكات والشركات العالمية وتطوير قطاعات جديدة مثل صناعات التكنولوجيا الحديثة والاقتصاد الرقمي والسياحة والثقافة والرياضة والطاقة المتجددة والتعدين والخدمات اللوجيستية. وتستثمر المملكة بسخاء منذ اطلاق رؤية 2030 في اقتصادها الجديد وتعمل على نسج شبكة من الشراكات الحيوية مع البلدان المتقدمة والنامية على حد سواء.
يمثل الصندوق السعودي للتنمية حجر زاوية في تطوير هذه الشراكات مع البلدان النامية نظراً للموارد الكبيرة التي يتمتع بها والخبرة الفريدة التي أصبح يمتلكها نتيجة تجربته الطويلة في العمل التنموي والإطار المؤسسي القوي الذي يحكم عمله، والذي ساهم بتحويله الى مؤسسة عريقة واضحة الاهداف والسياسات، وهذا ما أضفى عليه طابعاً احترافياً رفيعاً ورصيناً وساعد بتطوير اجيال من الكوادر الفنية والقيادية المتمرسة في العمل التنموي. ويتبنى الصندوق قيماً يعتبرها اساسية في عمله يأتي على رأسها الالتزام العميق بتحقيق تأثير ايجابي في البلدان التي يعمل فيها. كما "يلتزم الصندوق بضمان ألا تقتصر مشاريعه على التأثير القصير المدى فحسب بل ان تكون مستدامة على المدى البعيد". ويحرص على أن تتكيف استراتيجياته وحلوله لمعالجة التحديات الملحة التي تواجهها المجتمعات التي يعمل معها. ومن الواضح ان الصندوق يسعى إلى بناء علاقات وثيقة مع البلدان المستفيدة من خلال فهم اعمق لظروفها والحرص على التكيف مع احتياجاتها بدلاً من فرض حلول او سياسات مُقيدة تفتقر الى المرونة التي تحتاجها تلك الدول لتحقيق تأثير حقيقي للمشاريع المُمولة من المؤسسات التنموية على مجتمعاتها وحياة سكانها. وفي الكثير من الاحيان تُفقد الشروط القاسية والسياسات الاقتصادية والمالية التي يتم ربطها بالقروض التنموية الكثير من تأثير وفعالية هذه القروض وتؤدي الى رفع كلفتها. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى ان الصندوق أطلق في العام 1999 برنامج تمويل وضمان الصادرات الذي مهد لتأسيس بنك التصدير والاستيراد السعودي في العام 2020.
صورة شاملة لعالمية السعودية
يعطي الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس الصندوق السعودي للتنمية فرصة للاضاءة على رؤية 2030 وعلى ابعاد الدور العالمي الذي تلعبه المملكة اقتصادياً وجيوسياسياً. ففي الشق التنموي، تلعب السعودية دوراً ناشطاً في توفير التمويل للبلدان النامية ليس فقط عبر الصندوق نفسه، بل ايضاً من خلال المؤسسات والصناديق التي تساهم فيها بشكل فعال ومنها: البنك الاسلامي للتنمية وصندوق اوبك والصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في افريقيا وصندوق النقد العربي وبرنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند) وجميعها اعضاء في مجموعة التنسيق لمؤسسات التنمية الوطنية والاقليمية العربية، كما إن المملكة هي عضو مؤثر في معظم المؤسسات الدولية للتمويل التنموي وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الاسيوي والبنك الآسيوي للبنى التحتية وبنك التنمية الافريقي. إن اضافة الدور والمساهمة السعودية عبر كل هذه المؤسسات الى المساهمة الاساسية التي يقوم بها الصندوق السعودي للتنمية يعطي صورة اوضح عن حجم واهمية الدور الذي تلعبه السعودية في دعم التنمية في اكثر من 100 بلد حول العالم ويضع السعودية في مقدمة بلدان العالم في حجم هذه المعونات وفي نسبتها من اجمالي الناتج المحلي. وفي معظم السنوات يتعدى العون التنموي الذي تقدمه السعودية النسبة المحددة من الامم المتحدة وهي 0.7 في المئة من الناتج. وتلعب السعودية، وهي عضو في مجموعة العشرين، دورا محوريا في الحفاظ على استقرار امدادات الطاقة في العالم كونها احد اكبر منتجي النفط وهي في الوقت نفسه مستثمر كبير في تطوير الطاقة المتجددة محلياً وعالمياً وفي تطوير مصادر اخرى للطاقة النظيفة مثل الهيدروجين وفي تخفيض الانبعاثات مثل تقنيات التقاط واحتباس الكربون، كما يوفر الاقتصاد السعودي الذي تجاوز حجمه مؤخراً عتبة التريليون دولار دعماً اضافياً للاقتصاد العالمي عبر التجارة حيث تجاوزت الواردات السعودية العام الماضي قيمة 211 مليار دولار هذا في الوقت الذي توفر السعودية فرص عمل للملايين من الوافدين الذين حولوا العام الماضي اكثر من 33 مليار دولار الى بلدانهم. وليس من الضير هنا ذكر الدور الاستثماري الذي تلعبه السعودية في الاسواق العالمية عبر صندوق الاستثمارات العامة والمؤسسسات الحكومية الاخرى واالمستثمرين من القطاع الخاص والذين تقدر حجم الاصول التي يمتلوكنها بحدود 1.5 تريليون دولار. وحولت رؤية 203 السعودية الى اكبر ورشة بناء في العالم من خلال اكثر من 1.3 تريليون دولار من المشاريع العملاقة التي تم تلزيمها خلال الاعوام الثمانية الماضية في البنى التحتية والتنمية العقارية وقطاعات اخرى في اطار خطة التحول الى اقتصاد اكثر تنوعاً وانفتاحاً وتنافسية.
رحلة عبر الاجيال
في لفتة مهمة تضمن حفل الخمسين تكريم الاشخاص الذين لعبوا ادواراً اساسية في تأسيس وتطور الصندوق وتحوله الى مؤسسة سعودية راسخة في العمل التنموي وذات تأثير عالمي. وكان على رأس المكرمين الشيخ محمد ابا الخيل، وزير المالية والاقتصاد الوطني لاكثر من عقدين من الزمن والذي يمكن اعتباره الاب الروحي للصندوق كما للصناديق السعودية الاخرى ومهندس المنظومة المالية والنقدية السعودية، وكان له دور حاسم في تأسيس بنية الصندوق الاساسية ووضع سياساته ووفر له مصدراً قوياً للدعم وترأس مجلس ادارته لسنوات طويلة. وتم ايضاً تكريم الدكتور ابراهيم العساف، وزير المالية لقرابة العقدين من الزمن ترأس خلالها مجلس ادارة الصندوق الذي شهد في عهده تحولاً لافتاً للانتباه في اعماله لتشمل عدداً اكبر من الدول ولتتضمن تمويل وضمان الصادرات. وشمل التكريم الرؤساء التنفيذيين وكان اولهم المغور له الدكتور محسون جلال الذي كان يتمتع بنظرة تنموية شاملة والذين كان ممن ساهموا بتأسيس اللدنات الاولى للصناعة السعودية عبر شركة التصنيع الوطنية، كما شمل التكريم الرئيس التنفيذي الثاني المغفور له محمد الصقير. وكان بين المكرمين المهندس يوسف البسام الذي امضى في الصندوق اكثر من اربعين عاماً كان فيها رئيسه التنفيذي لاكثر من 18 عاماً حقق خلالها الصندوق تحولاً مهماً في عملياته ونمواً في تمويلاته وفي عدد الدول التي يغطيها. وتميز البسام بتواضعه وشخصيته الهادئة وشغفه المنقطع النظير في التنمية والذي ساعده على نسج علاقات واسعة ووثيقة مع الدول المستفيدة مما سهل عملية توسع اعمال الصندوق وسرعة تكيفه مع احتياجات وظروف هذه الدول. ويترأس مجلس ادارة الصندوق حالياً احمد الخطيب، وزير السياحة الحالي في المملكة العربية السعودية والذي ساهم بشكل فعال في تطوير دور الصندوق وتعزيز قدرته على مواكبة الصندوق لرؤية 2030. ويقود ادارة الصندوق حالياً المهندس سلطان المرشد الذي ترعرع مهنياً في كنف الصندوق وعمل فيه لفترة طويلة وهو على معرفة وثيقة بسياساته وبيئة عمله وبثقافة التنمية التي تقوم عليها مهمته الاساسية.
الأكثر قراءة
-
الملتقى الاقتصادي التركي - العربي الخامس عشر: لمزيد من التعاون المشترك بين تركيا والبلدان العربية
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال