العيد الوطني السعودي من خلال الخطاب الملكي الاخير

  • 2024-09-26
  • 14:27

العيد الوطني السعودي من خلال الخطاب الملكي الاخير

  • فيصل أبوزكي

 

احتفلت المملكة العربية السعودية بعيدها الوطني الـ 94، وهي مناسبة مهمة بحد ذاتها لهذا البلد المحوري في المنطقة والعالم. لكن هذا العيد اكتسب اهمية خاصة، اذ جاء بعد إطلاق اعمال السنة الأولى من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، وبعد انقضاء اكثر من 8 سنوات على اطلاق رؤية المملكة 2030 التي مثلت بداية رحلة من التحديث والاصلاح والتمكين. وتضمن الخطاب الملكي، الذي القاه ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان في مجلس الشورى، جملة من الاضاءات والمواقف المهمة التي اعطت صورة واضحة عما حققته المملكة في رحلتها التحولية، واكدت على مواقف مبدئية في السياسة الدولية ولاسيما بما يخص القضية الفلسطينية والنزاعات الدائرة في المنطقة العربية وفي اوكرانيا.

في الخطاب الملكي، أكد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على مركزية الانسان في رؤية 2030 بقوله: "منذ انطلاق رؤية المملكة 2030 والمواطن نصب اعيننا وهو عمادها وغايتها". وفي إشارة ذات دلالة، ذكر الأمير محمد بن سلمان: "إن الرؤية ومستهدفاتها تخضع لمنهج شامل وتكاملي يقوم على المراجعة الدقيقة وترتيب الأولويات". وهذا ما يؤكد على دينامية عملية التحديث والإصلاح وإن هناك مراجعة دقيقة ومتواصلة للبرامج والخطط والمشاريع تماشياً مع المتغيرات والنتائج. وركز بن سلمان على الدور المحوري الذي يلعبه صندوق الاستثمارات العامة الذي "يواصل دوره في تحقيق اهدافه ليكون قوة محركة للاستثمار"، فالصندوق هو لاعب عالمي في الاستثمار واكبر قوة استثمارية في السعودية ولديه برنامج استثماري ضخم وطموح، وهو يقف وراء غالبية المشاريع التحولية العملاقة ويعتبر القاطرة الاساسية للتنويع وبناء القطاعات الجديدة.

وقد أدت استثمارات الصندوق في البنى التحتية والمشاريع الأساسية والبرامج والاستراتيجيات الطموحة الى تصاعد وتيرة النمو، ولاسيما في القطاع غير النفطي الذي زادت حصته من الاقتصاد الى مستوى غير مسبوق وهو ما أشار الية ولي العهد السعودي بقوله: "من نماذج هذه الانشطة غير النفطية في المملكة، سجلت اعلى اسهام لها في تاريخ الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي بـ 50 في المئة في العام الماضي، ما يعزز استدامة النمو وشموليته وتحقيق جودة عالية من التنوع الاقتصادي".

الى هذا الاسهام، هناك مؤشرات قوية على ما مدى التحول الحاصل في سوق العمل والمتمثل بتحقيق خفض كبير في معدل البطالة من 12.8 في المئة في العام 2017 الى 7.6 في المئة خلال الربع الاول من العام 2024، وهو مستوى تاريخي لم يبلغه منذ سنوات طويلة. ويعنى هذا التراجع الملحوظ في البطالة انه تم خلق ملايين فرص العمل الجيدة للمواطنين السعوديين. ولا بدّ من الاشارة هنا الى المشاركة العالية للشباب السعودي والمرأة في سوق العمل. وفي السياق الاجتماعي نفسه "ارتفعت نسبة تملك المساكن للمواطنين من 47 في المئة في العام 2016 الى ما يزيد على 63 في المئة العام الماضي".

وفي مجال السياحة سبقت المنجزات التاريخ المستهدف، حيث حددت استراتيجية السياحة الوطنية التي اطلقت في العام 2019، مستهدف مئة مليون سائح في العام 2030، وتمّ تجاوز هذا المستهدف والوصول الى 109 ملايين سائح العام 2023"، وهذا ما يبرز النجاح المحقق في تحويل السياحة الى احد المحركات الجديدة للنمو، وهذا ما يؤكد المخزون السياحي والتاريخي الكبير الذي تكتنزه السعودية والمتوقع ان يستقطب المزيد من الزوار من مختلف انحاء العالم ولاسيما مع انجاز المشاريع الجديدة على امتداد المملكة.

كما بدأت المملكة تستقطب كبريات الشركات العالمية وهو ما أشار اليه ولي العهد بقوله: "ان المملكة نتيجة منجزاتها ورؤيتها، تحظى بثقة عالمية جعلت منها احدى الوجهات الاولى للمراكز العالمية والشركات الكبرى، وفي مقدمها افتتاح المركز الاقليمي لصندوق النقد الدولي، ومراكز لنشاطات دولية متعددة في الرياضة والاستثمار والثقافة وبوابة تواصل حضاري، ما اسهم في اختيارها لاستضافة إكسبو 2030 وتستعد اليوم لتنظيم كأس العالم العام 2034"، وهذا ما يؤكد على قوة الجذب التي باتت تتمتع بها السعودية كمقصد للسياحة والاعمال والاستثمار.

واعطى ولي العهد السعودي في الخطاب الملكي التعليم ما يستحقه من الاهتمام بقوله: "نولي التعليم جل اهتمامنا ليكون نوعياً يعزز المعرفة والابتكار"، وهذا ما يعكس ورشة تحول كبيرة لتمكين التعليم من مواكبة التطور الاجتماعي والثقافي والاقتصادي الحاصل في ظل رؤية 2030 والحاجة الى نقلة نوعية في التعليم لتزويد البلد بأجيال تتمتع بالمهارات والقدرات التي تمكّنها من تلبية احتياجات المستقبل والمنافسة على المستوى العالمي مع الحرص الشديد "على حماية هويتنا وقيمنا".

وفي موقف قاطع أعاد ولي العهد السعودي التأكيد بوضوح على موقف المملكة من القضية الفلسطينية بقوله: "تتصدر القضية الفلسطينية اهتمام بلادكم، ونجدد رفض المملكة وادانتها الشديدة لجرائم سلطة الاحتلال الاسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، ولن تتوقف المملكة عن عملها الدؤوب، في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ونؤكد على ان المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل دون ذلك".  وفي لفتة الى سياسة المملكة الخارجية اكد الخطاب الملكي على "السعي المشترك الى مستقبل افضل مبني على التعاون المثمر بين الدول والشعوب واحترام استقلالية الدول وقيمها والاخذ بمبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتجنب اللجوء الى القوة في حل النزاعات". واضاف "أن المملكة تسعى الى تعزيز الامن والسلم الاقليمي والدولي من خلال بذل الجهود للوصول الى حلول سياسية للازمات في اليمن والسودان وليبيا وغيرها وكذلك تدعم الحلول في الازمات الدولية مثل الازمة الروسية الاوكرانية".

شكّل الخطاب الملكي فرصة للاضاءة الشاملة على ما انجزته السعودية منذ اطلاق رؤية 2030 والتي تشكل مادة غنية للاحتفال بالعيد الوطني "الرابع والتسعون" للمملكة.