شبح الحرب الإقليمية يهدد الإقتصاد المصري

  • 2024-10-14
  • 13:41

شبح الحرب الإقليمية يهدد الإقتصاد المصري

  • القاهرة- محمود عبد العظيم

 

على إيقاع التصعيد المتواصل واتساع نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية على جبهات إقليمية عدة يتسارع نبض الاقتصاد المصري خوفاً من أن يتحول المشهد الدامي في الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية واسعة النطاق قد تجدّ فيها مصر نفسها طرفاً مباشر إما بالتوريط وإما اضطراراً للدفاع عن ثوابت أمنها القومي. وعلى الرغم من نقل الآلة العسكرية الإسرائيلية ثقلها وضرباتها الصاروخية إلى الجبهتين اللبنانية والإيرانية مع التحرش باليمن والعراق وسوريا، مع استمرار قصف غزة، إلا أن الاقتصاد المصري بدأ ينزف بدرجة كبيرة على وقع هذه العمليات وهو النزيف الذي يتبدى في مظاهر عدة أبرزها عودة التضخم المتسارع واضطراب جديد في سوق الصرف مع تهديد الموسم السياحي الشتوي الذي طالما شكل مورداً مهماً من النقد الأجنبي للبلاد.

وبحسب تقرير حديث لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، فقد جاء تراجع معظم المؤشرات الاقتصادية خلال النصف الأول من هذا العام- الفترة من كانون الأول/ديسمبر حتى حزيران/يونيو 2024 - كنتيجة مباشرة للحرب على غزة ناهيك عن مجموعة من "الفواتير" التي تحملتها مصر لأسباب إنسانية أو بحكم الجوار الجغرافي المتماس مع جبهة غزة.

ويشير التقرير إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي تراجع إلى 2,4 في المئة خلال الفترة من آذار/مارس إلى حزيران/يونيو 2024 مقابل 3,8 في المئة في العام المالي الماضي، وأن تباطؤ النمو جاء على خلفية تبعات التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط والتي انعكست تأثيراتها على الأداء الاقتصادي العام وتجلى ذلك بصفة خاصة على أداء قناة السويس، إذ سجل نشاط المجرى الملاحي تراجعاً حاداً بلغ 68 في المئة خلال الربع الأخير من العام المالي الحالي بسبب المخاطر الناجمة عن تهديدات الحركة الملاحية الدولية في منطقة البحر الأحمر، ومن ثم فقدت مصر موارد دولارية في حدود 7 مليارات دولار.

أيضاً بسبب هذه التوترات وعودة الاضطراب إلى سلاسل الإمداد فقد شهد قطاع الصناعات التحويلية، بحسب التقرير الحكومي، والذي تبلغ مساهمته نحو 11,4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً بنحو 5,2 في المئة.

ويعدد التقرير أوجه الخسائر التي لحقت بالاقتصاد المصري كنتيجة مباشرة لهذا الصراع الإقليمي المفتوح لتشمل انكماش النشاط الاستخراجي بنسبة 4,7 في نتيجة مخاوف شركات النفط العالمية من توسيع أعمالها في دول المنطقة بصفة عامة وإيداع خطط تطوير هذه الأعمال الأدراج مؤقتاً وانخفاض الاستثمارات الأجنبية الموجهة لقطاع الغاز وتباطؤ عمليات تطوير، وتنمية الحقول وهو ما انعكس سلباً على صافي ميزان الصادرات البترولية.

وعلى الرغم من الارتفاع الإيجابي الذي حققه مؤشر مديري المشتريات خلال شهر آب/أغسطس حيث كسر حاجز الخمسين نقطة الفاصلة بين النمو والانكماش لأول مره منذ أربع سنوات ليبلغ 50,4 نقطة، إلا أنه سرعان ما تعرض لانتكاسة وسجل تراجعاً خلال شهر أيلول/سبتمبر ليبلغ 48,5 نقطة بسبب تراجع الطلب وضغوط ارتفاع التكاليف على خلفية عودة التضخم للارتفاع مجدداً.

 

 رياح  معاكسة  

                                                                                                                                                                                               

وتمثل هذه التطورات السلبية رياحاً معاكسة لسعي الحكومة المصرية الرامي لدعم التعافي الاقتصادي في البلاد واتخاذها العديد من الاجراءات لصقل السياسات النقدية والمالية، وتنفيذ سلسلة من الإصلاحات الهيكلية التي ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية تشمل تعزيز صمود الاقتصاد الكلي وتعزيز القدرة التنافسية وتحسين بيئة الأعمال ودعم الانتقال الأخضر لإفساح الطريق أمام استثمارات القطاع الخاص.

 هذه الرياح المعاكسة، باتت تهدد إمكانية خروج الاقتصاد المصري من أزمته الراهنة التي ما فتئت تراوح مكانها على الرغم من الجهود الحكومية والتدفقات المالية الخارجية وصمود المالية العامة في ما يتعلق بالالتزام بجدول سداد أقساط الدين الخارجي حتى الآن، ولاسيما وأن حرب غزة ترافق معها تدفق مئات الآلاف من اللاجئين السودانيين إلى مصر، بسبب الحرب الأهلية هناك، الأمر الذى شكل المزيد من الأعباء على المشهد الاقتصادي العام.

وإذا كانت مصر تستهدف نمواً في حدود 4 في المئة مع نهاية العام المالي الحالي 2024– 2025، إلا أن هذا المعدل قد يصبح صعب المنال حال استمرار الأوضاع الإقليمية الراهنة، ناهيك عن اتساع نطاق الحرب مع تأثر قطاعات حيوية على خريطة الاقتصاد الكلي بهذا التراجع في معدلات النمو، حيث يعني هذا التراجع مباشرة انخفاض عمليات التوظيف وتراجع الدخول وانكماش الطلب، واتساع نطاق الفقر بما ينطوي كل ذلك على إمكانية حدوث اضطرابات اجتماعية أو توترات سياسية لا تحتملها الأوضاع العامة في البلاد في هذه المرحلة، ومن ثم تصبح هذه الحرب خطراً حقيقياً يهدد الاقتصاد المصري في الفترة المقبلة.

 

توقعات سلبية                                                                                                                                                                                                      

وإذا كانت كل المؤشرات والتوقعات تشير إلى أن سيناريو توسيع نطاق الحرب أكبر من سيناريو التهدئة، فإن ثمة توقعات سلبية تلوح في الأفق، وسوف تمثل -إن حدثت- عرقلة كبيرة لعجلة الاقتصاد. وتتوزع هذه التوقعات على أربعة محاور رئيسية تشمل سعر الصرف والتضخم والتشغيل وعودة المديونية الخارجية للصعود مرة أخرى.

على صعيد المحور الأول، والمتمثل في سوق الصرف، فإن ثمة بوادر في الأفق، تشير إلى إمكانية حدوث ارتفاع في سعر صرف الدولار أمام الجنيه في الشهور المقبلة على خلفية ارتفاع فاتورة الواردات مقابل الصادرات حيث بلغت الفجوة في الميزان التجاري نحو 20 مليار دولار خلال الشهور الستة الأولى من العام الحالي، وكذلك عودة انخفاض صافي الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي- وإن كان لا يزال يحقق فائضاً حيث إن الانخفاض هو في رصيد الفائض- إلى جانب اضطرار الحكومة لتدبير احتياجات البلاد من السلع الرئيسية، خصوصاً القمح والوقود لمدد أطول تحسباً لاندلاع حرب إقليمية شاملة، ومن ثم تجري حالياً عمليه تأمين للمخزون الاستراتيجي من هذه السلع، الأمر الذي  يمثل مطالبات دولارية إضافية على البنك المركزي تدييرها.

هذه الضغوط وما يصاحبها من توقعات بشأن سعر الصرف، باتت تشكل هاجساً لصانع القرار، ويسعى جاهداً لتفادي آثارها السلبية عبر عملية تحفيز متواصلة للاستثمار الأجنبي لتقابل الطلب المتنامي على الدولار.

لكن في حالة اتساع نطاق الحرب، ستتوقف أية تدفقات استثمارية أجنبية – خصوصاً الاستثمارات المباشرة – ومعها قد ينسحب جانباً من استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية- تدور حالياً حول 39 مليار دولار- ما قد يمثل تحدياً صعباً لسوق الصرف.

وعلى صعيد محور التضخم، فإن عودة المؤشر العام للارتفاع يهدد جهود المركزي لخفض سعر الفائدة وتكلفة تمويل المشروعات، وهو الأمر الذي يمثل مشكلة متعددة الأبعاد للاقتصاد المصري في هذه المرحلة حيث بلغ معدل التضخم مستويات غير مسبوقة، وأثر سلباً على تكاليف الإنتاج ومن ثم يهدد ذلك النمو العام بما ينطوي عليه من مخاطر تراجع التشغيل والأجور وغيرها.

وأمام هذه المتغيرات قد تضطر الحكومة المصرية إلى العودة مجدداً لزيادة الانفاق العام لتعويض نقص استثمارات القطاع الخاص على الرغم من اتفاق صندوق النقد الذي يحدد 20 مليار دولار سنوياً سقفاً للإنفاق الحكومي، ومن ثم قد تضطر الحكومة الى العودة مجدداً إلى الاقتراض الخارجي لتمويل هذا الإنفاق الاستثماري الطارئ، الأمر الذي يهدد خطة وزارة المالية الرامية لوضع المديونية الخارجية على مسار نزولي.

أما المحور الأخير، وهو الخاص بسعر النفط الذي يسجل ارتفاعاً متواصلاً- حتى يكاد يلامس 80 دولاراً للبرميل- وربما يكسر هذا المستوى السعري مع اتساع نطاق الحرب، فسيشكل أزمة كبرى للاقتصاد المصري الذي يدفع مبلغاً يتراوح ما بين 2,5 إلى 3 مليارات دولار شهرياً لاستيراد غاز ومشتقات بترولية، وهي فاتورة سترتفع في حال تدهور الأوضاع، ما قد يضطر الحكومة لرفع سعر بيع الوقود والكهرباء ليسارع التضخم خطواته وتزداد فاتورة الأعباء المعيشية وطأة على عموم المصريين.

 

اقتصاد حرب

 

 

هذه السيناريوهات المتشائمة لا تغيب بالقطع عن استعدادات الحكومة المصرية للتعامل مع الموقف، إذ تعلم جيداً أن حرباً إقليمية واسعة النطاق، ستترك ندوباً دامية على جسد الاقتصاد المنهك، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي لان يصرح بوضوح أن الحكومة قد تضطر للتعامل بمنطق اقتصاد الحرب في حال تدهور المشهد الإقليمي.

هذا التنبيه أو التحذير، لا يأتي من فراغ، بل من رصد واقعي لمعطيات الملف الاقتصادي وما يحيط به من تحديات. لكن التحول إلى اقتصاد حرب ليس بالأمر الهين لاقتصاد مأزوم أصلاً وقياساً بعدد سكان يتجاوز 105 ملايين مواطن يضاف إليهم عشرة ملايين لاجئ أجنبي. وفي ظل الالتزام بسداد فاتورة مديونية خارجية كبيرة، الأمر الذي من شأنه أن تجد كل الأطراف في " اللعبة الاقتصادية" نفسها على المحك وفي مواجهة اختيار سياسي واقتصادي صعب، ولاسيما أن بعض التعافي الذي تحقق في الشهور الأخيرة، سيتبدد ويمهّد للعودة إلى دائرة محكمة الإغلاق من جديد، وقد يجد المواطن المصري ومجتمع الأعمال وصانع القرار قدرته على التعاطي مع الموقف، تتراجع باستمرار بفعل ضغوط متشابكة ومعقدة خارج السيطرة، حيث سيصبح الجميع في خانة رد الفعل لما قد يحدث على جبهات القتال وفي أروقة الدبلوماسية العربية والدولية حتى ينقشع غبار الحرب وتتوقف الآلة العسكرية عن الدوران وتصمت المدافع.