بين الشرق والغرب: كيف سيكون HSBC بعد إعادة الهيكلة؟

  • 2024-10-25
  • 11:28

بين الشرق والغرب: كيف سيكون HSBC بعد إعادة الهيكلة؟

  • فيصل أبوزكي

 

في خطوة تُعد الأكبر منذ عقد، أعلن بنك HSBC  عن إعادة هيكلة جذرية تشمل تنظيم أعماله ضمن أربعة وحدات رئيسية: المملكة المتحدة، هونغ كونغ، صيرفة الشركات والمؤسسات الكبرى (Corporate and Institutional Banking)، وصيرفة إدارة الثروات والخدمات المميزة(International Wealth and Premier Banking) .  بالاضافة إلى ذلك، ستتم إعادة توزيع عملياته جغرافيًا على منطقتين: الاسواق الشرقية التي تشمل آسيا-الباسيفيك والشرق الاوسط، والاسواق الغربية التي تضم اوروبا والاميركيتين واعمال البنك الاخرى في بريطانيا خارج وحدته الداخلية.

 

فصل واستقلالية بين الأسواق

 

 

مع هذا التغيير، حافظ البنك على استقلالية وحدة هونغ كونغ التي تشمل خدمات الأفراد والشركات، وكذلك وحدة المملكة المتحدة التي تدير أنشطة صيرفة الأفراد والشركات التجارية. وبذلك، ينتقل HSBC  من الهيكل  الحالي الذي يضم ثلاثة أقسام وخمس مناطق جغرافية، إلى هيكل جديد يتضمن أربع وحدات ومنطقتين رئيسيتين. ومع هذا الترتيب، يصبح البنك أشبه بمزيج مترابط ومنفصل من ثلاثة كيانات رئيسية: الشرق، الغرب، وبقية العالم.

 

بنك أكثر رشاقة واستعداداً للنمو

 

 

هذه التغييرات تعكس رؤية الرئيس التنفيذي الجديد جورج الحديري، الذي يتطلع إلى مواجهة التحديات في مناخ اقتصادي مضطرب، وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية بين الصين والولايات المتحدة، وانخفاض أسعار الفائدة، وصعود شركات التقنية المالية  (Fintech)والمنصات الرقمية.
وبالرغم من أن وسائل الإعلام الغربية تحاول تصوير البنك كمنشطر بين القوى العالمية، يؤكد الحديري أن إعادة الهيكلة تهدف إلى تبسيط العمليات، تعزيز المرونة، وتهيئة البنك للنمو المستقبلي، بدل التركيزفقط على خفض التكاليف. وتشمل الخطة أيضًا اختصار المستويات الإدارية وتقليل التكرار في الوظائف بعد دمج عدد من الإدارات الكبرى. كما يرجو البنك ان تمكنه اعادة الهيكلة من استغلال افضل لقوته التقليدية كاحد اكبر المصارف العالمية في تمويل التجارة والمدفوعات وخدمات الجملة.

 

 

التعامل مع تبعات انخفاض أسعار الفائدة

 

 

أحد أبرز التحديات التي تواجه البنك هو تأثير تراجع أسعار الفائدة، إذ أن أكثر من نصف إيراداته في 2023 جاءت من صافي دخل الفائدة. وتشير التقديرات إلى أن كل انخفاض بمقدار 100 نقطة أساس في أسعار الفائدة قد يُكبد البنك قرابة 2.6 مليار دولار سنوياً. لذلك، من المتوقع أن تلعب هذه الهيكلة دورًا حيويًا في خفض التكاليف واستيعاب تراجع الإيرادات من الفائدة.

 

تحديات الهوية وصراع القوى الكبرى

 

 

يمثل HSBC حالة خاصة كونه بنكًا عالميًا بجذور آسيوية وهوية أوروبية، مما يضعه في مرمى التوترات الجيوسياسية. في 2023، حقق البنك 78 في المئة ارباحه قبل الضريبة من آسيا، بفضل الأداء القوي في هونغ كونغ والصين. أما أوروبا والأميركتان فساهمتا بـ15 في المئة و5 في المئة على التوالي.
واجه البنك ضغوطًا لفصل عملياته الآسيوية عن باقي أنشطته، بقيادة شركة التأمين الصينية Ping An، التي تمتلك 8 في المئة من HSBC وتعتبر أن الأرباح الآسيوية تدعم أعمال البنك الأقل ربحية خارج المنطقة. ورغم تقديم اقتراح بهذا الخصوص في الجمعية العمومية، لم يحظَ بموافقة الأغلبية. ويتوقع ان تبقى قضية الفصل بين آسيا وبقية العالم محط نقاش وتكهنات مستمرة وستبقى رهنا بالمسار الذي ستتخذه العلاقات الاميركية الصينية لا سيما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية المقبلة وان كانت التوقعات الحالية تشير مواجهه جيوسياسية واقتصادية طويلة قد تؤدي الى شرذمة التجارة العالمية وتصاعد القيود والاجراءات الحمائية واعتماد المزيد من العقوبات كسلاح اقتصادي.

 

منافسة التكنولوجيا وتعزيز الخدمات الرقمية

 

 

مثل المصارف التجارية الأخرى، يواجه HSBC ضغطًا متزايدًا من شركات التكنولوجيا المالية التي توفر خدمات مصرفية مبتكرة بتكاليف أقل. من المتوقع أن يستمر هذا التوجه في المستقبل، مما يفرض على البنوك التقليدية، مثل  HSBC ، زيادة استثماراتها في التكنولوجيا ومنصات الخدمات الرقمية.

 

تأثير الهيكلة على الشرق الأوسط

 

 

يمتلك HSBC وجودًا قويًا وطويلاً في الشرق الأوسط، خاصة في السعودية والإمارات. في السعودية، يمتلك البنك 40 في المئة  من بنك الأول (SAB)، و60  في المئة من HSBC السعودية المتخصصة في الصيرفة الاستثمارية. كما لديه فروع ويدير عمليات في قطر، البحرين، الكويت، عمان، ومصر. وقد تخلى البنك عن بعض أنشطته الإقليمية في السنوات الأخيرة، مثل لبنان، الأردن، وتركيا، ضمن استراتيجية لتركيز عملياته العالمية.

مع الهيكلة الجديدة، أصبحت منطقة الشرق الأوسط تابعة للأسواق الشرقية بقيادة هونغ كونغ. هذا التغيير قد يعزز الروابط الاقتصادية والاستثمارية بين المنطقة وآسيا، مستفيدًا من التوسع التجاري بين الصين ودول الخليج، ومن الطلب المتزايد على إدارة الثروات في منطقة الخليج العربي التي تتميز بوجود أكبر الصناديق السيادية في العالم، التي تدير أصولًا تزيد عن 4  تريليونات دولار. ويعتبر الخليج موطنا مهما للثروات الخاصة. كما أن التحولات الاقتصادية الضخمة التي تشهدها السعودية والإمارات توفر فرصًا جديدة للبنك للنمو والتوسع.

تُظهر إعادة الهيكلة كيف يسعى HSBC إلى التكيف مع التحديات العالمية من خلال تبسيط هيكله التنظيمي وعملياته، وتعزيز مرونته، والتركيز على الأسواق الرئيسية في الشرق والغرب. ومع تزايد المنافسة من شركات التكنولوجيا المالية، يصبح الاستثمار في الرقمنة والتكنولوجيا أمرًا حاسمًا لمواصلة النمو في السنوات المقبلة. كما أن دمج الشرق الأوسط مع الأسواق الشرقية قد يكون فرصة استراتيجية لتعزيز الروابط بين الخليج وآسيا في مرحلة تشهد فيها المنطقة تحولات اقتصادية عميقة.