فيروس كورونا يسدد ضربة قاضية لاقتصاد العولمة
فيروس كورونا يسدد ضربة قاضية لاقتصاد العولمة
أخطر ما في كورونا ليس الفيروس ونتائجه بل تخفيه لمدة كافية للتكاثر والانتشار الوبائي
- رشيد حسن
خلق فيروس صغير يعود إلى أسرة فيروسات الإنفلونزا ما لم يخطر على بال البشر. تمكن بشيء من التعديل الجيني وتحسين خصائصه القاتلة، من التحوّل إلى سلاح بيولوجي أكثر تطوراً من كل الفيروسات القاتلة التي سبقته.
وعلى الرغم من أن احتمال الوفاة بفيروس كورونا الجديد يعتبر أقل مما كان عليه في فيروس الـ SARS (2002-2003) أو فيروس MERS(2012) فإن الفيروس الجديد حقق طفرة نوعية في خصائصه الوبائية هي قدرته على التخفي في جسد المصاب لمدة قد تصل إلى 14 يوماً أو حتى 21 يوماً قبل البدء بمهاجمة جهازه التنفسي، وهو ما يفوت على الجهاز الطبي فرصة اكتشافه قبل تمكنه من الانتشار.
وهكذا فإن قدرة الفيروس الجديد على التخفي، ربما يفسر عدم تنبه السلطات الطبية العالمية إلى إفلاته وتكاثره، والانتقال من المصاب الأصلي إلى عدد أكبر فأكبر من مصابي العدوى التالية والذي يتحول كل منهم إلى واسطة جديدة لنقل الفيروس إلى طفرة تالية أوسع.
هذا التكاثر "التضاعفي" Exponential هو الآلية التي يتحول بها فيروس كورونا الجديد من حالات محدودة يمكن محاصرتها وشفائها إلى وباء خارج عن السيطرة Pandemic، لذا فالآلية التي يعمل من خلالها قد تساعدنا على فهم الأسباب التي منحت وباء كورونا تلك القدرة على نشر الرعب وشل الحركة الاقتصادية والاجتماعية في العالم.
العولمة تغلق أبوابهاالمشكلة الثانية التي تزيد من حالة الخوف في العالم هو أن هذا الفيروس الصامت انتقل من الصين إلى عدد من البلدان مثل كوريا الجنوبية وإيطاليا وإيران وهونغ كونغ وسنغافورة واليابان. ونظراً لسرعة انتقاله، حصل إلى حد ما، نوع من التوافق العالمي على أن كبح موجة كورونا الجديد قد يحتاج إلى نوع من "حجر صحي عالمي" لا يستثني أحدا وإلى إجراءات متشددة وسياسات عزل تؤدي إلى تقليل الاحتكاك بين الناس، وبالفعل قادت هذه الإجراءات بالنتيجة إلى إلغاء شركات الطيران الدولية لأكثر الرحلات الجوية مع الصين وإلى إلغاء أو تأجيل أكثر من 24 معرضا عالميا ومئات المؤتمرات العامة ومؤتمرات الشركات حتى باتت الألعاب الأولمبية في طوكيو ومعرض ورلد أكسبو 2020 في دبي واجتماعات مجموعة العشرين في المملكة العربية السعودية وموسم الحج مهددة بدورها بالتعرض لتداعيات كورونا.
هستيريا؟
صحيح أن فيروس كورونا الجديد يعتبر "أرحم" من الوباءين اللذين سبقاه لكنه قابل للانتشار بسرعة وإصابة أعداد كبيرة، هذا الأمر يتغذى عليه الإعلام من جهة كما أنه يقلق الحكومات التي تخشى من اتهامها بالتقصير ورد فعل الرأي العام . ففي الولايات المتحدة مثلا التي تستعد لانتخابات رئاسية ونيابية حاسمة اضطر الرئيس ترامب إلى التحرك بسرعة لقطع الطريق على أخصامه، أما في الخليج الذي يعيش فيه مقيمون من كل بلدان الأرض بما في ذلك الصين وكوريا وإيران وغيرها من المناطق المصابة فإن الحكومات اتخذت موقفا صارما لا يترك مجالا للمخاطرة، بما في ذلك وقف السعودية لموسم العمرة وربما تعليق الحج لهذا العام للسعوديين أو لفئات محددة إذا استمرت الطفرة الوبائية بالتمدد.
لكن هل يمكن اعتبار ما يحصل في العالم نوعا من الخوف الهيستيري؟
هناك فارق بين سلوك الحكومات وسلوك الأفراد. فالحكومات مفروض عليها اتخاذ أقصى الإجراءات لاحتواء الفيروس قبل انفلاته لأن أي فشل سيخلق حالة هلع أكبر ويتسبب بأضرار فادحة للاقتصاد. لكن الأفراد الذي يتعاملون مع مجهول ويخافون على صحتهم وصحة أسرهم فإنهم يعيشون حالة من الفزع بتأثير المشاهد اليومية للمصابين وللتركيز الإعلامي الواسع بحيث أن نصف الأخبار هي عن كورونا. وهنا يمكن القول إننا دخلنا بسبب فيروس كورونا في عصر جديد فعلا عنوانه العريض إجهاض الجهود البشرية التي بذلت منذ ثمانينيات القرن الماضي لتحويل العالم إلى قرية كونية من خلال خفض الحواجز وإطلاق الحركة الحرة للأشخاص والبضائع والرساميل. وبالفعل فإن العالم كان في طريقه إلى المزيد من الانفتاح ورفع الحواجز وزيادة المبادرات والاستثمارات قبل ظهور فيروس كورونا الجديد.
لكن المفارقة المدهشة هي أن ذلك الفيروس الخفي أظهر في أول مواجهة له مع العولمة، أنه قادر على رد البشرية إلى الوراء بسهولة فائقة، وبالتالي إعاقة طموحاتها.
وفي الخلاصة، لقد وضعنا المئات من القوانين والمعاهدات وفتحنا الأسواق وأعددنا كل شيء من أجل أن نتقدم أكثر في عولمة حياتنا واقتصادنا وثقافتنا وتواصلنا الاجتماعي وغيره، لكن وسط الانهماك الكبير والطموحات والآمال نسينا تفصيلا بسيطا وهو أن الطبيعة وخصوصا ما لا يعد ولا يحصى من الكائنات المجهرية التي تعيش حولنا وداخلنا وفي جوارنا قد يكون لها رأي آخر.
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال