ما هي أسعار الفائدة السالبة؟

  • 2020-03-20
  • 13:40

ما هي أسعار الفائدة السالبة؟

مصارف مركزية عدة تتجه إلى تخفيض اسعار الفائدة

  • كريم الحسنية

اتّجهت مصارف مركزية عدة في الفترة الماضية إلى خفض أسعار الفائدة ضمن الإجراءات التحفيزية الهادفة إلى مواجهة الركود الاقتصادي الذي خلفه فيروس كورونا، وعلى الرغم من كثرة الشكوك حول فرص نجاح هذا الإجراء، تستمر المصارف المركزية باتباعه، بحيث أصبح من غير المستغرب انضمام المزيد من الاقتصادات المتطورة الى "نادي أسعار الفائدة السالبة".. فما هو هذا النوع من الفائدة؟

يلاقي مفهوم سعر الفائدة السالب الكثير من الاستغراب ويطرح علامات استفهام اذ يظهر للوهلة الأولى وكأنه يخالف المفاهيم المالية الأساسية البسيطة، فما معنى أن تتكبّد تكاليف على أموالك المودعة بدلاً من تلقي الفائدة مقابل ايداعها؟ وما هي الأسباب التي أدّت الى اتّباع هذه السياسة المالية غير التقليدية؟  

يعتبر هذا الإجراء الأكثر "تطرفاً" ضمن السياسات النقدية التحفيزية التي تقوم بها المصارف المركزية في حالات التباطؤ الاقتصادي الشديد ومستويات التضخم المنخفض الناتجة عن تراجع مستويات الإنفاق والاستثمار لدى الشركات والأفراد الذين يفضّلون الاحتفاظ بأموالهم على شكل ودائع في البنوك.

إن الهدف الأساسي من اتباع سياسة الفائدة السالبة هو تحفيز المصارف على الإقراض، إذ يبدأ المصرف المركزي بفرض فائدة سالبة على ودائع المصارف التجارية معه بحيث تتكبد دفع رسوم إبقاء ودائعها بدلاً من تحقيق عائد عليها يتمثل بالفائدة التقليدية ما يدفع هذه المصارف إلى إقراض أموالها إلى الأفراد أو المؤسسات، وتخفض بدورها الفائدة على ودائعهم إلى قرابة الصفر، مع الإشارة إلى أن حالات الفائدة السالبة على حسابات المودعين الأفراد نادرة جداً حتى الوقت الحالي، وتؤدي هذه العملية اذاً الى تحفيز الاستثمارات ورفع مستويات الانفاق الاستهلاكي من قبل الأفراد.

وكان المصرف المركزي السويدي أوّل من اتّبع سياسة الفائدة السالبة سنة 2009 لتقتصر على المبالغ التي تودعها المصارف التجارية معه وكان قد وضعها عند مستوى -0.25 في المئة (سعر الفائدة على المبالغ التي يمنحها المركزي للبنوك التجارية كانت لا تزال ايجابية حينها عند 0.75 في المئة) بغية تحفيزها على الإقراض ورفع مستويات التمويل (المركزي السويدي هو أيضاً أول من أعاد سعر الفائدة من النطاق السالب لتصبح صفرفي المئة في ديسمبر 2019). وحالياً، تبقي المصارف المركزية في اليابان، منطقة اليورو، الدنمارك، وسويسرا الفائدة على أسعار سالبة، ولا تقتصر على ودائع المصارف مع المركزي بل أصبح المركزي يدفع للمصارف مقابل اقراضها، وهذه هي سياسة أسعار الفائدة السالبة بشكلها المتطور.

الفرق ما بين سعر الفائدة الإسمي والسعر الحقيقي

تُتبع سياسة الفائدة السالبة عندما يكون سعر الفائدة الاسمي (nominal interest rate)، سالباً. ويعتبر سعر الفائدة الاسمي هو السعر المعلن من المصارف أو المؤسسات التمويلية والذي يضم أثر التضخم. ومن المهم التمييز بينه وبين سعر الفائدة الحقيقي (real interest rate)، والذي يحتسب كلفة التمويل من دون أثر التضخم وهو بالتالي يكون أدنى (شرط أن تكون نسبة التضخم إيجابية لا سالبة) من سعر الفائدة الاسمي. ومن الجدير ذكره أن يكون سعر الفائدة الحقيقي سالباً في بعض الاقتصادات، حيث إن نسبة التضخم تكون أعلى من السعر الاسمي للفائدة. الّا أن ذلك لا يعني أن المصرف المركزي يتبع سياسة سعر فائدة سالب، فهي فقط تقتصر على السعر الاسمي كما هي الحال في الاقتصادات الأربعة المذكورة سابقاً.

من يشتري سندات ذات عوائد سالبة ولماذا؟

تبلغ اليوم قيمة السندات السيادية ذات العوائد السالبة نحو 11 تريليون دولار وهي تضمن لحامليها خسارة مؤكدة في حال تمسكهم بها حتى تاريخ الاستحقاق. وتعتبر السندات السيادية أكثر الأدوات التي تخضع لأسعار فائدة سالبة فعلياَ، إذ يقتصر الاستثمار في هذه السندات على المؤسسات المالية الضخمة وليس الأفراد العاديين، وتضطر هذه المؤسسات أن تشتري سندات تحمل فائدة سالبة بسبب حاجتها إلى تلك الأصول الآمنة التي يرتفع الطلب عليها كنوع من الضمانات الاستثمارية التي تخوّل تلك المؤسسات من الاستدانة مقابلها. إضافة إلى كون أسعار الفائدة التي يمنحها المصرف المركزي في اقتصادات الفائدة السالبة أدنى من الفائدة على تلك السندات، ما يزيل احتمال ايداعها مع المركزي. يمكن لهذه المؤسسات أيضاً أن تحقق أرباحاً من تغير أسعار الفائدة التي تنعكس على أسعار السندات، أو من التغير في أسعار الصرف، ليكون بذلك الهدف من حمل السندات هو التداول أو المضاربة.  

أن تشهد اقتصادات العالم مناخاً يتّسم بأسعار فائدة سالبة هو أمر غير مستغرب وفق دراسة الاقتصادي Paul Schmelzing، والتي أظهرت أن مسار هذه الأسعار على تراجع منذ أواخر القرن الخامس عشر. لكن على الرغم من ذلك، يبقى مفهوم الفائدة السالبة ضمن ما هو مستغرب وغير مألوف، فمنذ فترة ليست بعيدة، كان من الصعب حتى تقبل فكرته، أمّا اليوم فقد باتت الفائدة السالبة موجودة ولا يبدو أنها ستفارق المشهد الاقتصادي بسهولة، خصوصاً بعد أن بات الركود الاقتصادي حتمياً، فهل نرى المزيد من الاقتصادات المتقدمة تتبع هذه السياسة النقدية قريباً؟