سعر النفط يدخل حقبة مؤلمة للدول المنتجة
سعر النفط يدخل حقبة مؤلمة للدول المنتجة
في ظل الركود المتوقع في الاقتصاد العالمي والمواجهة السعودية-الروسية
- الياس بارودي
خلال الأيام الأخيرة الماضية، شهدت الساحة الدولية سباقاً من نوع مختلف عندما بدأت دول عدة بإطلاق برامج ومبادرات تحفيز لدعم اقتصاداتها في مواجهة تفشي فيروس كورونا، غير إن هذا السباق لم يهدئ من روع أسواق المال العالمية التي واصلت تراجعها مسجلة خسائر كبيرة بعد أن فرض الفيروس سطوته على مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية والمنتجة على امتداد دول العالم أجمع، كذلك فإن الواقع المتأزم للاقتصاد العالمي لم يكن أبداً المسرح الملائم لتفاعل الخلاف بين روسيا والسعودية وأوبك حول مستوى إنتاج النفط، بحيث تدهور سعر النفط الأميركي نحو 19 في المئة يوم الأربعاء الماضي ليصل إلى 21,76 دولار، وهو أدنى مستوى له منذ أكثر من 18 سنة، فيما انخفض نفط برنت 12 في المئة تقريباً إلى 25,40 دولار للبرميل وهو بدوره أدنى مستوى له منذ العام 2003 .
وكما بات معروفاً فقد بدأ الخلاف عندما لم تتمكن دول "أوبك" بالإضافة إلى روسيا (أو ما يعرف بـ +OPEC ) من الاتفاق على تخفيض الإنتاج من أجل دعم السعر في وجه التراجع المتوقع في الطلب العالمي على النفط بسبب أزمة وباء كورونا وتداعياته على الاقتصاد العالمي. علماً أن الموقف السعودي المطالب بخفض الإنتاج كان مبنياً أيضاً على منحى الانخفاض التدريجي في سعر النفط منذ بداية العام الحالي، إذ تراجع النفط العربي الخفيف مثلاً من نحو 73 دولاراً للبرميل في أوائل كانون الثاني/يناير إلى نحو 54 دولاراً للبرميل في نهاية شهر شباط/فبراير، أي بنسبة 26 في المئة.
قبل ذلك، وفي اجتماع تقني لممثلين من أوبك ودول أخرى مشاركة معها عقد في شهر شباط/فبراير الماضي، اقترح المجتمعون تخفيض حصص الإنتاج بواقع 600 ألف برميل في اليوم من أجل تحقيق التوازن في السوق، لكن هذا الاجتماع حصل قبل انتشار كورونا خارج الصين. وفي الاجتماع الأخير للمنظمة في ظل توسع الوباء اقترحت السعودية تخفيض الإنتاج بواقع 1,5 مليون برميل بعد تخفيض سابق بواقع 2,1 مليون برميل وبدا اقتراحاً صائباً لأنه أخذ في الاعتبار ما كان يظهر من انعكاسات سلبية كبيرة للوباء على الاقتصاد العالمي، علماً أنه كان هناك توقعات وتقديرات في نهاية 2019 بأن ينخفض سعر النفط بنحو 10 دولارات للبرميل إلى حدود الـ 50 دولاراً للبرميل، فقط بسبب تأثير الوباء على الاقتصاد الصيني.
رغبة روسية
وكما بات معروفاً أيضاً، فإن روسيا رفضت هذا الاقتراح حيث أنها تريد على ما يبدو أن ينخفض سعر النفط إلى حدود تقضي على اقتصادات إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، وهو الإنتاج الذي كان له تأثير واضح في السنوات الأخيرة في الضغط على سعر النفط من حيث أنه ارتفع بما يوازي نسبة كبيرة من مجمل نمو الطلب العالمي على النفط.
وجاءت بعد ذلك الخطوة المفاجأة بل الصاعقة من المملكة العربية السعودية التي أعلنت أنها ستزيد إنتاجها إلى 12,3 مليون برميل ابتداءً من شهر نيسان/ابريل وهو رقم قياسي يؤشر إلى بداية حرب أسعار مع شريكتها السابقة روسيا، وأدى إلى انهيار سريع في السعر بنسبة 25 في المئة، وهو الانخفاض الأكبر منذ حرب الخليج في العام 1991.
ماذا بعد إذاً؟ إن هذه المواجهة تأتي في أحد أصعب الأيام لسوق النفط إذ يتجه الاقتصاد العالمي إلى مرحلة ركود من دون شك على الرغم من جميع سياسات وخطوات التحفيز التي لجأت إليها دول عدة. والسؤال إذاً هو من سيتراجع، علماً أن ما يحدث سيأتي بمصاعب جمة ستنعكس على جميع الدول المصدرة للنفط. وهو، لو بقي السعر على مستوياته المنخفضة الأخيرة، سيشكل عامل تحفيز إضافياً للاقتصاد العالمي، لكن تأثير ذلك على توازن العرض والطلب في سوق النفط سيبقى محدوداً في المدى القصير على الأقل وربما المتوسط..
وزارة المالية الروسية تقول إن روسيا قادرة على العيش مع سعر نفط في حدود 25-30 دولاراً للبرميل لست سنوات على الأقل وربما لعشر سنوات. وقد يكون هذا الأمر مستغرباً بالنظر إلى وضع الاقتصاد الروسي وحاجته للإيرادات النفطية، لكن روسيا عمدت أيضاً في السنوات الأخيرة إلى بناء احتياطي كبير من الإيرادات النفطية يقدر حالياً بنحو 577 مليار دولار أي بزيادة تصل إلى 60 في المئة عن مستواه في العام 2015.
السعودية: توازن الميزانية بـ 83 دولاراً للبرميل
أما بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية فإنه من المقدر أن يكون بإمكانها بلوغ التوازن في الإنتاج بين الإيرادات والمصروفات على سعر النفط في حدود 10 دولارات للبرميل، وهي تتمتع أيضاً باحتياطي من إيرادات النفط يقدر بنحو 500 مليار دولار. لكن المحللين والمراقبين يرون في المقابل، أن سعر النفط المطلوب لتحقيق التوازن في ميزانية المملكة هو في حدود 83 دولاراً للبرميل، وأن احتياطي المملكة من الإيرادات البترولية قد اتجه إلى الانخفاض في السنوات الأخيرة.
وتقف شركات انتاج النفط الصخري بين روسيا والسعودية في معركة الإنتاج والأسعار. وبرأي المحللين فإن هذه الشركات التي جرى في السابق الكثير من المحاولات للحد من دورها في السوق أثبتت قدرة على الاستمرار برغم ما يقال عن إنها مثقلة بالديون.
وفي هذا السياق، تجدر الاشارة إلى أن الحكومة السعودية اتخذت قراراً يوم 17 آذار/مارس الحالي بتخفيض بعض بنود ميزانية العام 2020 بواقع 50 مليار ريال سعودي أو 13,3 مليار دولار أو ما يوازي 5 في المئة من مجمل النفقات المعتمدة في الميزانية.
ويبقى الوضع الحالي خاضعاً للعديد من الآراء والتحليلات والتوقعات فيما سيضر الانخفاض الحاد في السعر إلى حد كبير بجميع الدول النفطية الأخرى التي يبدو أنها تقف عاجزة اليوم مع منظمة الأوبك في وجه هذه المواجهة الروسية-السعودية.
وفي النهاية، فهناك اليوم وجهة نظر جديدة تقول إن رفع الإنتاج السعودي إلى حده الأقصى لم يكن ردة فعل بل جزءاً من استراتيجية جديدة تهدف إلى الإفادة إلى أقصى حد من موارد المملكة النفطية في المدى المتوسط قبل أن يشارف عصر النفط على الاضمحلال في ضوء مخاوف من الاحتباس الحراري المقبل على الأرض والتوجه العالمي للتحول إلى مصادر طاقة أكثر ملاءمة للبيئة.
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال