لبنان: "الضمان" يرفض مبادرة الهيئات الاقتصادية لدعم الموظفين

  • 2020-03-31
  • 18:17

لبنان: "الضمان" يرفض مبادرة الهيئات الاقتصادية لدعم الموظفين

كركي لـ "اوّلاً- الاقتصاد والأعمال": لا حلول على حساب "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي"

  • أدهم جابر

في ظل الأزمتين المالية والاقتصادية، وتفشي فيروس كورونا، أطلقت الهيئات الاقتصادية اللبنانية بلسان رئيسها الوزير السابق محمد شقير، مبادرة لتوفير الدعم لعمّال وموظفي القطاع الخاص، لتدارك "التبعات الكارثية على المؤسسات التي ترزح تحت أعباء وخسائر لا طائل لها على تحملها ما ينذر بإقفال عشرات الآلاف منها".

في الشكل، تبدو المبادرة "إنسانية" بحكم نصّها على مساعدة الموظفين في القطاع الخاص على تجاوز محنة يعيشها الموظفون في زمن "التعبئة العامة" المفروضة بفعل فيروس كورونا، أمّا من حيث المضمون فهي أقرب ما تكون إلى "مبادرة افتراضية" بحسب وصف إدارة "الضمان"، في وقت بات كل شيء فيه من عمل وتعليم وتوصيل وتواصل يتم عبر شبكة عنكبوتية "عن بُعد"، وإلى ما سبق، فإن "إنسانية" الهيئات ميّزت بين صنفين من الموظفين، الأول عمّال وموظفون منتسبون إلى "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" والثاني قسم بلا حول ولا قوة، أولئك من هم بلا "ضمان" ولا "تأمين" ولا أدنى مقومّات العيش..

إذاً، هي مبادرة تعنى بالمنتسبين إلى الضمان، وتتلخص بمنح "معاش" شهري يتراوح ما بين 675 ألفاً إلى مليون ليرة، يتمّ صرفها من أموال فرع تعويضات نهاية الخدمة في الضمان، ليكون إجمالي المصروف ما بين 300 إلى 450 مليار ليرة على أساس أن عدد المنتسبين إلى المؤسسة هو 450 ألف موظف وعامل. أمّا لماذا تمّ حصرها بالمنتسبين إلى الضمان فهنا "بيت القصيد"، إذ كيف يمكن تحقيق هذه المبادرة على حساب فرع تعويضات نهاية الخدمة في "الضمان" وهو الفرع المنهك والذي يستعان به ويستدان منه لسد عجز فرع المرض والأمومة؟

مبادرة مرفوضة

كان طبيعياً ألا تتقبّل إدارة "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" مبادرة الهيئات الاقتصادية برحابة صدر، أن تثير لديها الكثير من الأسئلة، في الوقت الذي يعيش فيه "الضمان" أسوأ أيامه، وبهذا، كانت المبادرة "مفاجأة كبيرة" بحسب المدير العام لـ "الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي" محمد كركي، ذلك أن أموال فرع تعويضات نهاية الخدمة "هي حقوق عمّال وموظفين مضمونين، وبالتالي يجب عدم المسّ بها، بل المحافظة عليها، كما إنها أموال لم تولد من فراغ، وإنما بفعل سياسات إعتمدتها إدارة الصندوق وأدت إلى موجودات بقيمة 14 ألف مليار (فرع تعويضات نهاية الخدمة) يجب أن تصرف في إطارها الصحيح". ويضيف كركي لـ "أولاً- الاقتصاد والأعمال" أن الضمان يستدين من فرع تعويضات نهاية الخدمة لسدّ العجز في فرع المرض والأمومة، وذلك في سبيل المحافظة على تقديمات الصندوق الذي أدخل فحص وعلاج فيروس كورونا ضمن تقديماته، وبالتالي هو في أمسّ الحاجة إلى هذه الأموال، خصوصاً في ظل امتناع الدولة وأصحاب العمل أيضاً عن تسديد المستحقات المتوجبة عليهما".

 

إدارة "الضمان": أموال تعويضات نهاية الخدمة

هي حقوق عمال وموظفين مضمونين ويجب عدم المسّ بها

 

واستناداً إلى ما تقدم فإن مبادرة شقير، لا يمكن أن تجد طريقاً إلى التنفيذ مهما اختلفت الأسباب والظروف. لكن ما الحلول إذا كانت المبادرة تعنى بشريحة كبيرة من المتضررين؟ يؤكد كركي أنه "كان حرياً بالأثرياء والمستفيدين أن يقوموا بإنشاء صندوق خاص لمساعدة العمّال والموظفين لا أن يتم تصويب السهام باتجاه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لأسباب باتت معروفة لدى الجميع، لذا، فإن الحل لا يمكن أن يكون من جيب عمّال وموظفي لبنان"، مكرراً: "هذه حقوق يجب أن تصان، فمن يريد أن يتبرّع فليتبرع من كيسه لا من كيس الآخرين، وعليه، فإن اقتراح شقير مرفوض كلياً، فمن راكم الثروات عليه هو أن يتحمّل المسؤولية".

وفيما يخلص كركي إلى أن ما يجري يندرج في إطار سياسة اليد الممتدة إلى أموال "الضمان" بغية استنزاف أمواله، مشيراً إلى ان الحديث عن فائض وما إلى ذلك في الفرع المستهدف "كلام افتراضي" الغرض منه إفقار المؤسسة، يشدد على أن القضيّة عمالية.. فما رأي المعنيين من الموظفين والعمّال؟

لم تلق مبادرة شقير آذاناً صاغية لدى الاتحاد العمالي العام، "فهي مبادرة من طرف واحد ولا يمكن القبول بها"، يقول رئيس الاتحاد العمالي العام بالإنابة حسن فقيه، مؤكداً لـ "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال" إنه لا يمكن المسّ بأموال الضمان بأي طريقة كانت، فمع احترمنا للجميع، هذه المبادرة تمّت بلا تنسيق، كما إن الأمور لا تدار بهذه الطريقة، أمّا الحلول فلا يمكن أن تكون على حساب أصحاب الحق، فأموال فرع تعويضات نهاية الخدمة لها أصحاب وهي ملك للمضمونين أصلاً، وعليه، فإن المبادرة لعب في الوقت الضائع وبلا قيمة". أمّا الحل وفقاً لـ فقيه فيتمثّل "في إنشاء صندوق بطالة، وفي الوقت نفسه العمل على إقرار قانون التقاعد والحماية الاجتماعية والموجود في أدراج مجلس النوّاب منذ سنوات".

"من دهنو سقيلو"

وهكذا في عزّ الأزمة تمخضّت الهيئات الاقتصادية اللبنانية فوّلدت مبادرة يجمع أهل "الضمان" والعمّال والموظفين على رفضها، ومجدداً أسئلة عدة تطرح وتبقى بلا إجابات، فكيف يمكن لهذه الهيئات أن تكافح "كارثتها" من جيب العمّال والموظفين ومن أموال فرع تعويضات نهاية الخدمة في الضمان الذي يعيش الأزمتين نفسهما؟ وكيف يمكن لهذه الهيئات أن تطرح مثل هذه المبادرة إذا كانت تدين للضمان، ليس بمبلغ 450 مليار ليرة بل بما يتراوح ما بين 600 إلى 800 مليار ليرة؟ ولماذا لم تسع الهيئات المذكورة إلى إيجاد ممولين لمبادرتها بدلاً من مد يدها إلى أموال الضمان؟ يجيب المعنيون باختصار، ثمة في لبنان من لم يعد يرى سوى الضمان لإثقال كاهله بما لا طاقة له على تحمّله، مشيرين إلى أن مثل هذه المبادرات تحتاج إلى قوانين خاصة، وحتى لو جرى العمل عليها (أي القوانين) فإنها ستحتاج إلى اكثر من شهر وهذا يعني بطريقة أو بأخرى، أن الضمان لن يدفع عن شهر نيسان/ ابريل كما طلب شقير، بل قد نتجاوز ذلك إلى شهور إضافية، وهذا ما لا يمكن القبول به على الإطلاق، ويخلص هؤلاء إلى القول "إن مبادرة شقير هي هروب من المسؤولية، فمكافحة أزمة كورونا لا تكون على حساب العامل والموظف وبأسلوب المثل الشعبي: من دهنو سقيلو".