... لا تحرقوا لبنان

  • 2020-04-14
  • 12:04

... لا تحرقوا لبنان

  • سمير حمود

 

نحن اليوم في أزمة ثقة ولا تستعاد الثقة إلا إذا بدأت بالرأس والسقف الأعلى لنا ولكل المؤسسات وهي الدولة. ولن يكون النهوض ممكناً إلا إذا أثبتت الدولة أنها جديرة بالثقة من خلال إثبات تنفيذ وعودها واحترام تواقيعها وقراراتها بدءاً من قطاع الكهرباء ومروراً بتحصيل كل الضرائب وحماية أملاكها وانتهاء بملاحقة استعادة الأموال المنهوبة. فهل يعقل القول والتصريح بأن مصرف لبنان والقطاع المصرفي مفلسان، والسبب أن الدولة لن تدفع ديونها؟

وغريب أن يأتي من الحكومة اليوم اقتراحات تعتبرها معالجة، في حين أنها تهدم البنيان الذي افتخر به لبنان طيلة مئة عام ولهذا أبدي الملاحظات التالية:

أولاً: الأزمة هي في المالية العامة والحل يبدأ بتوازن هذه المالية. صحيح أن حجم الدين العام كبير لكن الضغط على المالية يأتي من كلفة هذا الدين وليس من حجم الدين، والحل يأتي بأن تطلب الحكومة من مصرف لبنان أن يجد حلولاً للحد من خدمة الدين، بما يتناسب مع توازن موازنة الدولة وعليه معالجة هذا الأمر مع المصارف.

ثانياً: فقط عند توازن المالية العامة وتوقف الدولة عن الاستدانة تبدأ مرحلة إعادة الثقة بالدولة ومعها تبدأ مرحلة معالجة الدين العام ومعها يشعر كل مواطن ومؤسسة أن الدولة احترمت تواقيعها وسمعتها ومصلحة مؤسساتها النقدية والمصرفية والاقتصادية، بدلاً من أن تكون الدولة هي ذاتها ولسبب عدم احترام تواقيعها تمعن في الإساءة إلى مصرفها المركزي وحاكميته وجهازها المصرفي، وترى عبثاً أنها تهدف إلى النهوض بالاقتصاد بإساءة السمعة وبإمكانية مالية معدومة.

ثالثاً: إذا توازنت المالية تطلب الحكومة من المصرف المركزي إعادة هيكلة القطاع من خلال قوانين تحدد السقف الأدنى لرأس مال المصرف وعدد المساهمين وطريقة الحوكمة ومصادر رأس المال.

رابعاً: نقترح إنشاء مصرف خاص لإدارة وشراء القروض المتعثرة، كمثال للاقتراحات البناءة، على ألا يقل رأس المال عن 1500 مليار ليرة أو أكثر، وأن يكون ربع رأس المال بالدولار وبأموال واردة من الخارج، وأن يتم فصل الإدارة عن مجلس الإدارة مع تنظيم العمل المصرفي ليصب في الاقتصاد المنتج غير المضارب..

خامساً: تتعهد الدولة بسداد ديونها من خلال إعادة جدولة المستحق منها وغير المستحق لآجال تتناسب مع موازناتها. وتقوم بالتوازي بجرد موجوداتها العقارية والمادية وغير المادية وإعداد ميزانية عمومية سنوية مدققة، وتروج لاستثمار موجوداتها لخدمة موازنتها ولآجال طويلة من دون بيع أي منها على أن تحبس عائداتها لسداد الدين، إذ إن جدولة الدين بفوائد ميسرة ولآجال طويلة هو في حد ذاته مساهمة في إطفاء الدين من دون المس بودائع الناس وفي الوقت نفسه، مساهمة من المودعين المحبوسة ودائعهم في معالجة الدين.

سادساً: كل كلام عن صغار المودعين لا معنى له، إذ إن النظام المصرفي لا تتم حمايته بالمفرق ولا بالكلام الشعبوي الفارغ، فالأثرياء ليسوا لصوصاً وهم يختلفون عن اللصوص من خلال التدقيق في مصادر أموالهم، والمودعون في لبنان هم أبناؤنا ومنهم المغتربون الذين تغنينا بهم واعتبرناهم الجناح غير المقيم الذي من دونهم لا يحلق لبنان.

سابعاً: الودائع الآن محبوسة وكل ما يصدر في إطار تنظيم دفعها أو دفع الجديد منها هو غير قانوني، والأمر يتطلب قانوناً ينظم تحريرها ضمن برنامج واضح وأي برنامج لا يكتب له النجاح إلا إذا انتظم ميزان المدفوعات، وهذا غير ممكن إلا إذا استعادت الدولة ومؤسساتها ثقة الخارج وهذا متعذر أيضاً إلا إذا توقفت الدولة عن الترويج لسرقة أموال المودعين واستعادة التوازن في علاقاته العربية والدولية.

وبذلك نلتفت الى الاقتصاد ودعم الإنتاج والنمو ومحاربة البطالة

ومن دون ذلك أرى "النيران المالية" تحرق البلاد لا سمح الله ..

 

سمير حمود: الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف