الأزمة الاقتصادية تهدّد مصير شركات المقاولات في لبنان

  • 2020-04-25
  • 18:00

الأزمة الاقتصادية تهدّد مصير شركات المقاولات في لبنان

  • عمر عبد الخالق

أمام شركات المقاولات اللبنانية تحديات صعبة بعضها بدأ في الظهور منذ أكثر من سنة من تراجع أعمالها وديونها ومستحقاتها، وبعضها مستجد ويأخذ في التفاقم على صعيد التأخير في إنجاز الأعمال والارتفاع الكبير في كلفة اليد العمالة وفي أسعار مواد البناء ما يؤدي إلى تكبّدها خسائر كبيرة في العقود القيد الإنجاز.

وهذه التحديات مجتمعة بدأت تهدد مصير شركات المقاولات كافة، وبدأ بالفعل عدد من الشركات الصغيرة والمتوسطة في تصفية أعماله وصرف موظفيه وإقفال مكاتبه إيماناً منه بأن الأزمة طويلة الأمد، أما الشركات الكبيرة فتقوم بخفض عدد موظفيها والعمال اليوميين.

وفي حديث إلى "أولاً-الاقتصاد والاعمال" مع اثنين من أصحاب شركات المقاولات المتوسطة واللذين فضلّا عدم الكشف عن اسميهما أعلنا صراحةً نيتهما اقفال شركتيهما قبل نهاية العام لأن كل يوم عمل إضافي هو عبارة عن خسائر صافية.

تسهيلات المصارف

أولى التحديات أمام الشركات كانت قيام المصارف وفقاً لتعميم من مصرف لبنان بإيقاف بعض التسهيلات الممنوحة إلى الشركات أو تخفيض سقوفها. وهذا القرار المفاجئ أثر بشكل كبير على عمل الشركات التي كانت تعتمد على هذه التسهيلات كونها تتقاضى بدل أعمالها من المطورين عند إنجاز كل مرحلة، وبالتالي كانت تلجأ إلى هذه التسهيلات خلال مراحل إنجاز الأعمال.

ارتفاع كبير في تكلفة إنجاز الأعمال

كذلك، يشير عدد من العاملين في قطاع المقاولات إلى أن أسعار مواد البناء الرئيسية تضاعفت في الفترة الأخيرة، بالإضافة إلى فقدان بعض المواد من الأسواق نظراً إلى توقف الشركات المستوردة عن استيرادها في ظل شح الدولار، علماً أن هذه المواد منصوص عنها في اتفاقات إنجاز المشاريع.

وارتفعت أيضاً كلفة اليد العاملة بنحو 30 في المئة، فالاتفاقات بين الشركات والعمال هي جميعها بالدولار ما يفرض على الشركات دفعها بالدولار أو ما يوازيها بالليرة اللبنانية .

وكل هذا أدى إلى تغير كبير في كلفة إنجاز الأعمال، فعلى سبيل المثال، كان متر البناء المنجز في بيروت يكلف الشركات في السابق قرابة 1000 دولار أو 1.5 مليون ليرة لبنانية في حين أصبحت تكلفته اليوم أكثر من 3.2 ملايين ليرة، كذلك الأمر في المشاريع والمباني الصغيرة خارج بيروت التي كانت تبلغ تكلفة انجاز المتر المربع فيها 500 دولار أو 750 ألف ليرة وأصبحت اليوم تفوق 1.5 مليون ليرة، ولا تغطي نسبة أرباح شركات المقاولات في العقود التي تتراوح ما بين 5 و20 في المئة هذه الفروقات الكبيرة في التكلفة.

وفي المقابل، فإن معظم الدفعات المستحقة للشركات من أصحاب المشاريع هي شيكات مصرفية بالدولار الأميركي لا يمكن تصريفها إلا على سعر الصرف الرسمي لدى المصارف او بخسائر تقارب 40 و50 في المئة من قيمة الشيكات في حال تصريفها في السوق السوداء.

كذلك، يشير أصحاب الشركات الذين التقيناهم أن الفورة العقارية التي شهدها لبنان لم تعد بالفائدة المرجوة على شركات المقاولات، فمعظم عائدات المبيعات العقارية كانت تذهب إلى المصارف بدل ديون متراكمة لديها على المطورين، موضحين في الوقت نفسه، أن ديون المقاولين لدى المطورين تراجعت بنحو 30 في المئة منذ مطلع العام الحالي. وفي مقابل مستحقات المقاولين هناك ديون عليهم لموردي مواد البناء والعمال أيضاً وهي تتراكم منذ أشهر.

الإيقاف المتكرر للمشاريع والخلافات مع المطورين

ولم يكف شركات المقاولات كل ما حصل بل ما "زاد الطين بلة" التوقف المتكرر للمشاريع في الفترة الممتدة ما بين 17 تشرين الأول/أكتوبر حتى يومنا هذا، وشهدت هذه الفترة توقف الأعمال لأكثر من 3 أشهر متقطعة، ويروي أصحاب الشركات أن هذا التوقف كبّد الشركات أيضاً خسائر كبيرة، إذ كانت تضطر في بعض الحالات إلى الحفاظ على عمالها ودفع المستحقات إلى موظفي الورش وهم متوقفون عن العمل، كذلك خلال فترة التوقف، شهدت أسعار مواد البناء تغيرات كبيرة وإقفالاً للمصارف لأسابيع عدة ما عقّد الأمور وشلّ حركة الشركات بشكل كبير.

وفي مجال العلاقة مع المطورين، يشير أصحاب الشركات إلى أنه حتى اليوم معظم الخلافات في العقود يتم حلها "حبياً" بتسويات متنوعة إما عبر تعديل قيمة العقود أو عبر تعديل في المواصفات لتخفيض التكلفة أو في بعض الحالات إلغاء الاتفاقات بالتراضي من دون دفع اي بنود جزائية منصوص عليها في العقود عن تأخير التسليم أو إيقاف المشاريع، لكن في الوقت نفسه، بدأنا نشهد بعض الخلافات والدعاوى بين المقاولين والمطورين والتي بدأت تتفاقم.

وكما هي الحال في المشاريع الخاصة كذلك المعاناة تطال الشركات العاملة في المقاولات العامة إذ تؤدي الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان إلى إيقاف معظم المشاريع المستقبلية وتجميد العمل بغالبية المشاريع الحالية إلى جانب تأخير الدفعات المستحقة للمقاولين عن عقود منفذة في السابق.

مطالب شركات المقاولات

هذه المشكلات كانت محور الاجتماع بين وزير الأشغال العامة والنقل ميشال نجار ووفد من أعضاء مجلس إدارة نقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء اللبنانية برئاسة مارون الحلو، وعرض الوفد لبعض النقاط الرئيسية وهي:

- توقيف عمل مشاريع القطاع العام والخاص كافة، حتى تسديد المستحقات من الدولة وأرباب العمل ورجوع المصارف عن قراراتها التعسفية المتخذة من دون سابق إنذار.

- مطالبة الدولة وأصحاب العمل بتوقيف مهل المشاريع وسداد المستحقات، كما تحتفظ النقابة بحقها بدعم المقاولين في المراجعات القضائية كافة حتى يتم تسديد الحقوق كافة العائدة لهم والتعويض عن الضرر اللاحق بهم.

- رجوع جمعية المصارف والبنك المركزي عن قراراتهما بإلغاء التسهيلات وصرف الشيكات المرتجعة بعد عرضها وعودة العمل إلى ما كان الوضع عليه قبل 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019.

مستقبل الشركات

وفي ظل غياب التحرك السريع من الدولة لحماية القطاع الخاص، تبرز تساؤلات كبيرة عن مستقبل عمل شركات المقاولات. ثلاثة ثوابت رئيسية أصبحت ظاهرة في الأفق، الأولى أن تراجع الطلب المتوقع على المكاتب والشقق سيؤدي بالتأكيد إلى تخفيض كبير في عدد المشاريع المستقبلية، الثانية، هي أن تراجع حماسة المطورين والشكوك في مستقبل القطاع العقاري اللبناني وجدوى الاستثمار فيه ستؤدي إلى خروج عدد كبير من المطورين من القطاع وبالتالي انخفاض أكبر في عدد المشاريع، أمّا الثالثة التي اصبحت ملموسة عملياً فهي اتجاه المطورين العقاريين نحو الاستثمار في المشاريع الزراعية والصناعية، وهي مشاريع تعتبر قيمة انشائها ادني بكثير من قيمة المشاريع السكنية والمجمعات التجارية.

هذه الثوابت إلى جانب ارتفاع الكلفة والتغيرات اليومية في أسعار مواد البناء ستؤدي إلى إقفال عدد كبير من الشركات وتسريح عدد كبير من الموظفين وإلى تغير في طبيعة العقود واعتماد نوع واحد من العقود هو COST PLUS التي تنص على قيام المطور بتسديد كل قيمة مواد البناء وبدل أتعاب العمال وفقاً لفواتير رسمية مقابل الاتفاق على نسبة معينة لشركات المقاولات بدل أتعاب التنفيذ والإشراف على المشاريع.