كشفت مصادر إلى "أولاً-الاقتصاد والأعمال" أن عشرات أبراج الاتصالات لدى شركتي "ألفا" و"تاتش" في لبنان بدأت بالخروج من الخدمة تدريجياً نتيجة عدم توقيع وزارة الاتصالات عقود تجديد إيجارات المواقع، وذلك على الرغم من المراجعات العديدة للشركتين في هذا الشأن.
لا إجماع على رقم مُحدد لعدد الأبراج المتوقفة، لكن مصادر عدة تُجمع على إمكانية وصول العدد الإجمالي للأبراج المتوقفة عن العمل إلى ما بين 50 و100، ومن المعروف أن وزارة الاتصالات إحتفظت لنفسها في حق التوقيع على إيجارات مواقع الأبراج وقيمتها، منذ استعادتها لقرار الإنفاق الاستثماري والتشغيلي في العام 2012.
المفاجئ في الموضوع، هو عدم إصدار الوزارة أو الشركتين أي بيان في شأن توقف هذه الأبراج عن العمل من جهة، وعدم بروز أي مؤشرات تدلّ على انخفاض تغطية الشبكتين أو نوعية خدمات الاتصالات الصوتية و"البيانية" Data نتيجة هذا التوقف من جهة أخرى، علماً أن الأبراج في هذه المواقع لا تزال مشمولة بعقود الصيانة الموقعة مع شركات الاتصالات. ويطرح هذا التوقف وظروفه والتباساته أسئلة عدة حول جدوى هذه الأبراج وعددها الذي وصل في العام 2019 إلى 3700 برج بحسب وزارة الاتصالات.
ضرورة إجراء دراسة
أولاً، إذا كانت كل هذه الأبراج ضرورية، وتمّ نشرها لتلبية متطلبات التغطية من الجانب التقني، لماذا لم تُعلن الشركتان عن حصول مشاكل في التغطية؟ تعليقاً على هذه الفرضية، يقول خبير اتصالات إلى "أولاً-الاقتصاد والأعمال" إن التوقف المُفترض لعدد كبير من الأبراج عن العمل، قد لا يترك تأثيرات آنية على التغطية، نتيجة التعبئة العامة في لبنان بسبب وباء كورونا، وهذا يعني أن المشاكل التقنية المتعلقة بالتغطية ستظهر لاحقاً مع عودة الحياة الطبيعية إلى لبنان.
ثانيا، يقول خبير آخر مطّلع على عقود ايجارات الأبراج وانتشارها، إن عدد الأبراج الموجود غير مبرّر أصلاً، وسبق أن تحدث عن هذه الفضيحة معظم الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الاتصالات في السنوات العشر الماضية، لكن أياً منهم لم يبادر إلى تقديم حلول. وكان اختيار مواقع نشر الأبراج يتم بحسب "العلاقات" وعلى مبدأ "الواسطة"، وليس بالاستناد إلى الضرورات التقنية. وكان وزير الاتصالات الأسبق محمد شقير قال قبل تسليمه وزارة الاتصالات إلى الوزير الحالي طلال حواط: "لو كان هناك ضمير، عدد هذه الأبراج يجب أن ينخفض 50 في المئة لأن الشركتين للدولة، ويمكن استخدام برج واحد للشركتين".
أما لجنة الاعلام والاتصالات النيابية، فطالبت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بإجراء دراسة علمية حول الأبراج وأسلوب نشرها، واعتبرت أن التكلفة المدفوعة على مواقعها وصيانتها غير منطقية. وقالت اللجنة في بيان: "التكلفة باهظة جداً مقارنة بمساحة لبنان وعدد المشتركين وقرب المسافة بين محطات الشركتين".
نحو دمج البنية التحتية؟
وتلمّح المصادر إلى أن الوزير حواط بات على دراية كاملة بكامل ملف أبراج الاتصالات في لبنان، إذ إن الموضوع لا يتعلق بتحقيق وفر فحسب، بل أيضاً بمشاركة البنية التحتية بين الشركتين، وأن هذا الأمر ليس مجرد محاولة لتوفير 20 أو 30 في المئة من تكاليف إيجارات مواقع الأبراج وصيانتها وتشغيلها، بل ثمة محاولة جدية لإعادة النظر في كامل خريطة الأبراج وصولاً إلى تحقيق وفر بنحو 50 في المئة.
ويذكر هذا الكلام بما قالته لجنة "الاتصالات النيابية"، إذ تبيّن لها وفق دراسة تمّ إعدادها العام الماضي، أن النفقات الاستثمارية لدى الشركتين مبالغ فيها. الدراسة قارنت هذا النوع من النفقات بين الشركتين في لبنان و7 شركات أوروبية مماثلة، وتبيّن لها أن قيمة النفقات الاستثمارية المدفوعة في الشركتين في العام 2018 بلغ 198 مليون دولار، أما متوسط النفقات في أوروبا فبلغ 97 مليون دولار، ما يعني أن الشركة الأوروبية تُنفق نصف ما تنفقه الشركتان في لبنان لخدمة نحو 4.4 ملايين مشترك، كما تبيّن أيضاً أن النفقات الاستثمارية التي دفعتها "ألفا" هي أكبر من تلك التي دفعتها "تاتش"، وأنها بحسب اللجنة: "في بعض الأحيان تصل إلى الضعف".