الجنيه المصري: مناعة مُهدَّدة ولقاحات متوفرة
الجنيه المصري: مناعة مُهدَّدة ولقاحات متوفرة
- مروان النمر
ودّع الجنيه المصري سنة 2019 بتحقيقه أفضل أداء له خلال 25 عاماً، إذ ارتفع مقابل الدولار بنسبة 10.3 في المئة، واستهل الشهر الأول من 2020 بارتفاعٍ إضافي قدره 2 في المئة، واحتلاله المرتبة الثانية عالمياً كأفضل عملات الأسواق الناشئة أداءً، حتى أن التوقعات كانت تشير إلى أرجحية انخفاض سعر الدولار إلى 14 جنيهاً قبل نهاية العام الحالي (15.68 حالياً)،لكن جائحة كورونا حوّلت الثوابت إلى متغيرات، فتبدّل التباهي بقوة الجنيه أمام الدولار إلى هاجسٍ حول قدرة صموده.
تنبع المخاوف من إمكانية انخفاض الجنيه مقابل الدولار من تأثر مصادر النقد الأجنبي في مصر بشكلٍ دراماتيكي منذ تفشي فيروس كورونا، وتنحسر مصادر العملة الصعبة الأساسية بخمسة؛ هي: الصادرات، تحويلات العاملين في الخارج، السياحة، الاستثمار الأجنبي المباشر، وإيرادات قناة السويس.
الصادرات: الصورة ضبابية
ارتفعت صادرات مصر إلى 28.5 مليار دولار العام 2019، مقابل 28 ملياراً في 2018، وعلى الرغم من تحقيق الصادرات المصرية غير البترولية زيادة طفيفة بنسبة 2 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي مسجلةً 6.728 مليارات دولار، إلاّ أن الربع الثاني من العام هو الفيصل بما يتعلق بإمكانية ومدى انخفاضها، بفعل التوقعات السلبية لانخفاض التجارة العالمية.
لكن على الضفة المقابلة، شهدت الواردات تراجعاً كبيراً بنسبة 24 في المئة خلال الربع الأول من العام الحالي، حيث سجلت 13.814 مليار دولار مقابل 18.133 مليار دولار للفترة نفسها من العام 2019، مما ساهم في انخفاض العجز في الميزان التجاري المصري بقيمة 4.566 مليارات دولار، أي بتراجع نسبته 39 في المئة عن الفترة عينها من العام الماضي.
تحويلات المغتربين: الخوف الأكبر
تُعدُّ مصر خامس أكبر دولة مستقبلة لتحويلات العاملين في الخارج على مستوى العالم، وتعتبر هذه التحويلات من أهم مصادر النقد الأجنبي، إذ بلغت 26.8 مليار دولار في 2019، أي ما يقارب قيمة الصادرات، ويناهز 4 أضعاف كل من إيرادات قناة السويس والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ولم تتأثر هذه التحويلات خلال شهري كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير من العام الحالي، بينما يُرجَّح أن تنخفض بشكل محدود في شهر آذار/مارس، مما يُنبئ بأن تبلغ قيمة التحويلات في الربع الأول ما بين المتوسط المعتاد أي 6 مليارات دولار أو أقل من ذلك بنسبة 15 في المئة على الأكثر.
تحويلات المغتربين قد تنخفض 7 مليارات دولار
والسياحة قد تخسر 6 مليارات
لكن يُتوقع أن يظهر التأثير الأكبر لانخفاض التحويلات في الربع الثاني من العام لتبلغ نحو 2.9 مليار دولار فقط بحسب التقديرات المتفائلة، أو 2.3 مليار دولار وفق التقديرات المتوسطة، في حين قد تنخفض إلى 1.7 مليار دولار استناداً الى التقديرات المتشائمة. ومن المنتظر أن يبدأ تعافي التحويلات خلال الربع الثالث من 2020، لكنها لن تتجاوز نسبة 50 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، أي ستكون في حدود 3 مليارات دولار، مما يعني أن تحويلات العاملين في الخارج ستنخفض بنحو 7 مليارات دولار خلال ستة أشهر.
السياحة: دوامة التعافي
بعد فترة عصيبة امتدت لنحو ست سنوات بفعل ثورة الشعب المصري الأولى والثانية وحادث تفجير الطائرة الروسية العام 2015، إستعاد القطاع السياحي المصري عافيته تدريجياً، وصولاً إلى العام 2019 حيث حقق نتائج قياسية، فارتفعت عائداته إلى 13 مليار دولار، من 11.6 مليار دولار في 2018، وكان يُتوقع أن تتجاوز إيرادات القطاع العام الحالي حاجر الـ 14 مليار دولار، لكن جائحة كورونا خلطت كل الأوراق، فتم إغلاق المرافق السياحية بالكامل منذ منتصف آذار/مارس، وإلغاء 80 في المئة من الحجوزات المستقبلية. وقدّرت وزارة السياحة خسائر القطاع بنحو مليار دولار شهرياً، أي أنه إذا عادت حركة الطيران والسياحة في الربع الأخير من العام، وفق السيناريو الأكثر تفاؤلاً، فإن خسائر القطاع قد تصل إلى 6 مليارات دولار.
في المقابل، فإن النقص المتوقع في العملة الصعبة من السياحة الواردة، يمكن أن يعوضه نسبياً النقص في مدفوعات النقد الأجنبي من السياحة الصادرة، ولاسيما بعد إلغاء موسم العُمرة وإمكانية إلغاء موسم الحج.
قناة السويس: تأثر محدود
حققت قناة السويس خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي إيرادات بلغت 1.907 مليار دولار، بزيادة قدرها 2 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي، وساهمت التخفيضات التي تمّ إجراؤها من أجل تحفيز السفن على العبور من القناة في تقليل الأثر السلبي لجائحة كورونا على عدد الحاويات العابرة.
وبالنسبة الى توقعات انخفاض عائدات القناة للعام 2020، فإن السيناريو المتفائل يفترض استمرار تراجع عدد الحاويات العابرة للقناة بالمعدل ذاته الذي شهده شهر شباط/فبراير الماضي أي بنسبة 10 في المئة، وبالتالي فإن خسائر إيرادات القناة السنوية ستناهز نحو 585 مليون دولار، أما السيناريو المتشائم، فيفترض ارتفاع نسبة التراجع في عدد الحاويات العابرة بالمعدل ذاته الذي شهدته أزمة 2008 أي نحو 15 في المئة، مقدراً تراجع إيرادات القناة للعام الحالي بنحو 876 مليون دولار.
الاستثمار الأجنبي: نوعان
تنقسم الاستثمارات الأجنبية الوافدة إلى مصر إلى نوعين: الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي بلغت 9 مليارات دولار العام 2019، و8.1 مليارات دولار العام 2018، ولا يُمكن التكهن بمدى تأثر هذه النوعية من الاستثمارات باعتبار أنها قائمة على دراسات وخطط طويلة الأجل وعلى انتهاز الفرص المجدية، وعلى الرغم من ذلك، فإن بنك الاستثمار "فاروس" يتوقع أن تنخفض الاستثمارات الأجنبية المباشرة للعام 2020 إلى 4.5 مليارات دولار من 6.5 مليارات كما كان متوقعاً قبل "كورونا".
استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية
تراجعت من 28 إلى 14 مليار دولار
أما النوع الثاني، فهو الاستثمارات في أسواق المال، من أسهم وسندات وأذونات خزينة، وتنقسم هذه بدورها إلى استثمارات متوسطة وطويلة الأجل، وإلى "أموال ساخنة"، تتراوح ما بين 200 و300 مليون دولار يومياً؛ وفق تقديرات غير رسمية، ولعبت التدفقات الأجنبية المتزايدة على أدوات الدين الحكومية دوراً كبيراً خلال الآونة الأخيرة في ضخ العملة الصعبة إلى شرايين القطاع المالي المصري، حيث تضاعفت خلال العام الماضي إلى نحو 28 مليار دولار.
لكن مصر لم تكن بمنأى عن هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة خلال شهر آذار/مارس الماضي، وذلك بمعدل تجاوز أربعة أضعاف "الهروب" الذي سُجل إبان الأزمة المالية العالمية بين عاميّ 2008 و2009، حيث كشف وزير المالية المصري د. محمد معيط أن رصيد المستثمرين الأجانب من أدوات الدين الحكومية المصرية تراجع من 28 مليار دولار إلى ما بين 13.5 و14 مليار دولار.
هذا الأمر استدعى تدخل البنك المركزي المصري، مما أدّى إلى انخفاض احتياطات البلاد من النقد الأجنبي من 45.4 مليار دولار إلى نحو 40 ملياراً، وبحسب وكالة "بلومبرغ"، فإن هذا التدخل لم يكن كافياً لتعويض خروج التدفقات الأجنبية، مما تتطلب لعب البنوك التجارية لدور محوري كقناة داعمة للحفاظ على سعر الجنيه، كما حدث العام 2018.
وتضاف إلى الضغوط على حيازة مصر للنقد الأجنبي، خدمة الدين الخارجي للبلاد، والذي وصل إلى 112.7 مليار دولار. فوفق "جي.بي.مورغان"؛ يتعيّن على مصر سداد سندات دولية بقيمة مليار دولار حان موعد استحقاقها في 29 نيسان/أبريل الماضي، وسداد فوائد على ديونها بقيمة 1.824 مليار دولار على ديونها خلال العام 2020.
احتياطات النقد الأجنبي توفر وقاية
من أي نزوح ضخم للأموال
عناصر القوة
على الرغم من الضغط الاستثنائي الذي يعيشه الجنيه المصري، بسبب جائحة كورونا وانعكاسها المباشر على تدفق النقد الأجنبي إلى قطاعات البلاد الحيوية، وخروج نسبة ملحوظة من الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومية، فإن لدى مصر أدوات وآليات ومقوّمات صمود متنوعة للحفاظ على سعر الجنيه، ولاسيما من خلال البنك المركزي بقيادة المحافظ طارق عامر، تتمثل في التالي:
بحسب "موديز"؛ فإن مصر تمتلك قاعدة تمويلية محلية واسعة واحتياطات قوية من النقد الأجنبي، يمكن أن تغطي واردات البلاد لنحو 6 أشهر، وتوفّر وقاية من أي نزوح ضخم للأموال من السوق، كما يمثل القطاع المصرفي قاعدة تمويلية مستقرة وعميقة تُسهم في تعزيز السيولة الخارجية.
موافقة صندوق النقد الدولي، وبسرعة، على تقديم قرض لمصر (يُتوقع أن يبلغ 7 مليارات دولار، والدفعة الأولى منه 2.7 مليار دولار) مما يدعم ثقة المستثمرين.
قرار صندوق النقد الدولي قبول "اليوان" الصيني كعملة رئيسية في سلة العملات الدولية، سيُتيح لمصر الاستيراد بقيمة 8 مليارات دولار لكن بالعملة الصينية، ما يعنى توفير 8 مليارات دولار سنوياً للاحتياط المصري من الدولار، وباشر البنك المركزي المصري بإجراءات عملية في هذا الاتجاه، عن طريق مبادلة العملة عبر وضع مبلغ بالجنيه المصري في بنك الشعب الصيني مقابل وضع الصين مبلغ مماثل بـــ "اليوان" في البنك المركزي المصري.
العائد على أدوات الدين المصرية ما زال مرتفعاً مقارنةً بالأسواق الناشئة الأُخرى، إذ يعتبر بنك الإمارات دبي الوطني أن السندات المصرية المقوّمة بالجنيه المصري هي الأفضل أداءً على مستوى العالم للعام 2019، متوقعاً مزيداً من التحسن في أدائها خلال العام الحالي.
ارتفاع الفوائد على الودائع بالجنيه في البنوك، مقابل خفض الفائدة على الودائع الدولارية.
توقع إقبال كبير على الجنيه من المستثمرين والمصنعين بفضل خفض البنك المركزي للفائدة على القروض للمؤسسات الصناعية والزراعية والسياحية والعقارية.
طرح البنكين الحكوميين "الأهلي المصري" و"مصر" لشهادات ادخار جديدة بالجنيه لأجل عام بفائدة 15 في المئة، بهدف تقليل شهية الأفراد على تحويل أموالهم إلى دولار.
بعد ان بلغت السحوبات المصرفية للأفراد والشركات خلال شهر/آذار مارس الماضي نحو 30 مليار جنيه، وضع البنك المركزي المصري سقوفاً يومية للسحوبات، بواقع 10 آلاف جنيه للأفراد و50 ألف جنيه للشركات.
هدوء وتيرة خروج المستثمرين الأجانب من أسواق الدين المصرية إلى نحو 500 مليون دولار في نيسان/أبريل بعد أن سجلت نحو 3 مليارات دولار في آذار/مارس.
الانحسار الكبير لظاهرة "الدولرة" منذ بداية العام 2017 مع تراجع الشركات والمواطنين عن اكتناز الدولار بعد التعويم.
استمرار البنك المركزي المصري في تضييق الخناق على السوق الموازية للصرف التي كانت تتسبب في فوارق أسعار كبيرة بين السعر الرسمي للدولار وسعره في "السوق السوداء".
مؤشر قياس الضغط على سوق الصرف (EMPI) يعكس القيمة الحالية للجنيه.
ختاماً، يُقدّر "بنك أوف أميركا" أن الجنيه المصري يزيد عن قيمته الفعلية مقابل الدولار بنحو 15 في المئة، ويرى أن العملة المصرية تتحرك داخل نطاق ضيق جداً منذ منتصف آذار/مارس، كما تتفق العديد من التوقعات الصادرة عن بنوك استثمار دولية بأن ارتفاع الدولار مقابل الجنيه أمر منطقي وطبيعي ويُمكن حدوثه، لكنها تتفق أيضاً على أرجحية عدم استمراراه وتحوله إلى ظاهرة كما كان الوضع عليه في الفترة التي أعقبت تعويم الجنيه.
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال