مطورو الألعاب الرقمية يكسبون المواجهة مع كورونا
مطورو الألعاب الرقمية يكسبون المواجهة مع كورونا
- رانيا غانم
ساهمت القيود المفروضة على الحركة والأنشطة الاجتماعية والاقتصادية لاحتواء فيروس كورونا المستجد في زيادة الإقبال على تطبيقات الألعاب على أجهزة الهواتف الذكية والحواسيب. إذ مع اضطرار الناس للبقاء في منازلهم لأوقات طويلة، لجأ كثيرون لتلك الألعاب كوسيلة للتسلية والترفيه.
واستفادت الشركات الناشئة الناشطة في تطوير تطبيقات الألعاب الرقمية في البلدان العربية من هذه الفورة، وتمكنت في الأشهر الثلاثة الماضية من زيادة عدد المستخدمين اليوميين لتلك الألعاب وكذلك عدد الأشخاص الذين حملوا تلك التطبيقات.
عوامل جاذبة لمطوري الألعاب
لقد ظلت صناعة الألعاب في البلدان العربية مهملة لسنوات طويلة، لكن في السنوات الأخيرة بادر عدد لا بأس به من رواد الأعمال إلى إطلاق شركاتهم الناشئة بهدف تطوير ألعاب تتناغم مع ثقافة المنطقة ولغتها العربية. عوامل عدة شجعت رواد الأعمال على خوض غمار استثماراتهم وإطلاق تطبيقات محلية، وهي أن اللغة العربية هي رابع أكبر لغة محكية في العالم، فضلاً عن أن المحتوى المتوافر في اللغة العربية لا يشكل أكثر من ثلاثة في المئة فقط من إجمالي المحتوى المتوافر على الإنترنت، بحسب تقرير Internet World Stats 2019.
إن ارتفاع نسبة اختراق الإنترنت ومستخدمي الهواتف الذكية حفزت المؤسس والرئيس التنفيذي في شركة Infinite8 المتخصصة في تطوير تطبيقات الألعاب الرقمية والمتمركزة في دبي حميد فاثاليان، والذي يتجذر من أصول عربية، على الانتقال من ألمانيا إلى الإمارات في العام 2017 لتأسيس الشركة مع شريكه فرشاد خميسي باستثمار أولي يقدر بنحو ثلاثة ملايين دولار. ويقول فاثاليان: "كان ثمة نقص هائل في الألعاب المحلية التي تحاكي الثقافة العربية، لذا قررت أن أوظف خبرة تزيد عن 20 عاماً في صناعة تطبيقات الألعاب لتطوير ألعاب تتماشى مع ثقافة المنطقة المتنوعة ولغتها".
هذه العوامل إلى جانب ارتفاع نسبة الشباب في المنطقة العربية، (نحو نصف السكان أعمارهم ما دون 25 عاماً)، وارتفاع معدل إنفاقهم على الألعاب الرقمية، شجعت رائد الأعمال حسام حمو على تأسيس شركة طماطم في العام 2013 في الأردن لتطوير وتصميم الألعاب باللغة العربية. ويبلغ معدل استهلاك الفرد في الخليج على الألعاب الرقمية 148 دولار مقابل 48 دولار للفرد في الصين، فضلاً عن 30 في المئة من سكان بلدان الخليج يستخدمون الألعاب الرقمية، بحسب تقرير Newzoo.
إن النقص في المعروض من الألعاب المحلية دفع الأخوان لبنان وأرز نادر إلى تأسيس شركة Game Cooks ومقرها لبنان في العام 2012. وقد تمكنت الشركة على مدار السنين من النمو ليشمل فريق عملها 30 شخصاً، وتمكنت من تطوير ألعاب على الهواتف الذكية مستوحاة من المنطقة العربية ومصممة باللغة العربية مثل لعبة سليم وغيرها وحصلت على الكثير من الجوائز في كندا وأوروبا، وكذلك جائزة برج خليفة في العام 2018. ويقول الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي في Game Cooks لبنان نادر: "لا يزال الطلب على الألعاب الرقمية في المنطقة العربية أعلى بكثير من العرض المتوافر، لا سيما في ظل ارتفاع نسبة الشباب من إجمالي السكان، وقدرتهم المرتفعة على الإنفاق".
ما قبل كورونا ليس كما بعده
صحيح أن شركات تطبيقات الألعاب كانت تخطو خطوات حثيثة إلى الأمام، لكن فيروس كورونا سرعت النمو وأعطاهم دفعة قوية إلى الأمام من حيث زيادة عدد المستخدمين ورفع الإيرادات. ويشير المؤسس والرئيس التنفيذي في طماطم حمو إلى أن الشركة، التي تأخذ من شركات عالمية في الصين وكوريا والولايات المتحدة وأوروبا تطبيقات الألعاب وتعربها وتعدلها بما يتلاءم مع ثقافة المنطقة، كانت تحقق نمواً سنوياً بنسبة مئة في المئة منذ تأسيها. ولكن بعد انتشار فيروس كورونا، وتحديداً بين شباط/فبراير وأيار/مايو تضاعفت الأرقام من حيث عدد المستخدمين والمحملين للتطبيقات، وكذلك العائدات. ويوجد لدى الشركة حالياً نحو 100 مليون شخص حملوا تطبيقات الألعاب للشركة، و600 ألف مستخدم ناشط يومياً. وهذا الرقم لم يكن يتخط 300 ألف مستخدم ناشط يومياً ما قبل كورونا.
بدوره، يشير فاثاليان من Infinite8 أن العام الأول لانطلاقة الشركة لم يكن سهلاً إطلاقاً، لافتاً النظر إلى أن دراسة السوق وتحديد النقص فيه أخذ منهم جهداً ووقتاً طويلاً. ويقول: "حققت الشركة نمواً بنسبة 11 في المئة في العام الماضي بالمقارنة مع العام الي سبقه". ويؤكد أن جائحة كورونا ستعزز سوق الألعاب الرقمية، لأنها أحدثت تغيرات جذرية في قطاعات عدة وحفزت الدفع الإلكتروني وهذا من شأنه أن يعزز سوق الألعاب الرقمية. ويضيف: "بات لدى الناس ثقة أكبر بوسائل الدفع الإلكتروني، وفي المرحلة المقبلة سنرى شريحة كبيرة من المستخدمين بما فيهم الأولاد سيستخدمون التطبيقات ويشترون عبر منافذ البيع داخل الألعاب". ويتوقع فاثاليان أن ينمو سوق الألعاب الرقمية في المنطقة في العامين المقبلين بنسبة عشرة في المئة.
وشهدت شركة Mixed Dimensions، المتخصصة في تطوير الألعاب الرقمية وتكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد التي تأسست في الأردن في العام 2013 وتوسعت عالمياً إلى الولايات المتحدة نمواً ملحوظاً في الطلب على خدماتها. ويشير الرئيس التنفيذي في الشركة مهند تصلق إلى ارتفاع الطب على خدمات الطباعة الثلاثية الأبعاد بنسبة 40 في المئة في ظل جائحة كورونا.
جولات استثمارية في عز كورونا
ونجح بعض الشركات في منتصف أزمة كورونا في جذب المستثمرين والحصول على تمويل بهدف تعزيز أدائهم وتطوير ألعاب جديدة متناغمة مع الثقافة والقيم العربية. وحصلت طماطم في كانون الثاني/يناير الماضي على تمويل بقيمة 3.5 مليون دولار من مجموعة من شركات رأس المال الجريء، لترتفع قيمة الأموال المجمعة إلى ستة ملايين دولار، ستستثمرها في تطوير التطبيقات الخاصة بها وزيادة عدد الألعاب. وحصلت Mixed Dimensions على تمويل بقيمة عشرة ملايين دولار بهدف تطوير مصنع الطباعة الثلاثية الأبعاد للألعاب عالمياً. وأنجزت Infinite8 جولة تمويلية بقيمة 1.2 مليون دولار لتطوير ألعاب عبر الإنترنت ولإطلاق لعبة جديدة على facebook.
عائدات مغرية
يجمع مطورو الألعاب على أن العائدات المتأتية من تطبيقات الألعاب الرقمية جيدة وتضمن لهم استمرارية الشركة وديمومتها، وتسمح لهم بتوسيع نطاق أعمالهم. وتتأمن إيرادات شركات الألعاب من مصادر عدة، فإما تعرض على apple store أو Play store لقاء بدل مالي، وتعطي الأخيرة نسبة إلى شركات الألعاب، وإما تكون مجانية. وفي الحالة الأخيرة تتنوع مصادر الدخل بين الإعلانات أو منافذ البيع داخلها (In-app Purchase). ويشير نادر من Game Cooks إلى أن جميع الألعاب التي طورتها ساهمت إلى حد كبير بتغطية الأكلاف التشغيلية وبتوسيع فريق العمل. ويلفت بدوره حمو، إلى أن الألعاب التي تنجح وتلقى رواجاً بين المستخدمين فقط تدر الأرباح، أما الألعاب التي لا تنجح فتخسر، لذا تعدل بعضها. ويضيف: "نحرص على اختيار الألعاب العالمية التي نجحت ونعمل على إعادة نشرها باللغة العربية، لافتاً إلى أن لعبة أوراق الشدة VIP بلوت كانت من أبرز الألعاب الناجحة لدى الشركة.
من جهته، يؤكد فاثاليان أن الإعلانات هي أفضل نموذج لدر الأرباح في الألعاب الصغيرة، لافتاً إلى أن معظم الألعاب التي أطلقوها مثل SportMob وNaxia وBackgammon كانت مربحة. وقد حمل تطبيق SportMob 350 ألف شخص، وتطبيق Naxia أكثر من عشرين ألف شخصاً، ويقول: "هذه الأرقام كانت كفيلة بنجاح التطبيقات وجعلها مربحة".
تحديات الربحية
لكن لم يكن تحقيق تلك الأرباح بالأمر السهل بالنسبة لشركات الألعاب، إذ تحديات عديدة واجهتهم قبل البدء بتحقيقها. ويتمثل التحدي الأبرز في تصميم ألعاب مربحة وذات عائد مالي جيد. ويقول حمو: "إن تطوير ألعاب مربحة عملية مضنية ويجب أن تصمم بناء على العلم والدراسة لتحديد المرحلة المناسبة لإدخال عملية الشراء وتحفيز المستخدم على شراء المراحل أو المنتجات داخل التطبيق لاستكمال اللعبة". ويلفت إلى أن الاعتماد على الإعلانات ليس مربحاً، لأن غوغل مثلاً تدفع للشركات الأجنبية عشرة أضعاف الأموال التي تدفعها للتطبيقات العربية. ويوضح أن هذا التحدي دفع طماطم إلى التحول من تطوير التطبيقات الخاصة إلى ناشر للألعاب المصنعة في الخارج. ويتفق تصلق من Mixed Dimensions مع حمو على الثغرة الكبيرة المتوافرة في مسألة توافر المصممين القادرين على تطوير تطبيقات جاذبة للمستخدمين تحفزهم على الإنفاق. وأحد أبرز التحديات أيضاً هو النقص في اختصاصات تطوير تطبيقات الألعاب وربحيتها في الجامعات العربية، ويلاحظ حمو أن هذا يشكل عائقاً منيعاً للشباب لتعلم هذه الصناعة لأنهم لا يدرون كيف تدر الأموال والعائدات. تنفق شركات الألعاب العالمية أموال طائلة على الحملات الإعلانية لتسويق الألعاب، إلا أن الإنفاق على تسويقها لا يزال خجول جداً عربياً، وفق تصلق.
الفرص الكامنة كبيرة
في المحصلة، لا تزال الفرص واعدة جداً أمام شركات الألعاب العربية وثمة إمكانية للحصول على حصة وافية في السوق. وبحسب تقرير Newzoo 2019، أن الإيرادات من صناعة الألعاب بلغت 4.8 مليار دولار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما يشكل ثلاثة في المئة من قيمة الإيرادات العالمية البالغة 149 مليار دولار. وتعتبر تلك المنطقة، بحسب التقرير أيضاً، الأسرع نمواً في استخدام الألعاب الرقمية بمعدل نمو سنوي يقدر بنحو 25 في المئة، بالمقارنة مع 14 في المئة في أميركا اللاتينية و9 في المئة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ويشير تصلق، وهو أيضاً مستثمر ملائكي (angel investor) إلى أن ثمة فرصاً للاستثمار في الألعاب التثقيفية، وألعاب ورق الشدة لأنه ثمة إقبال كبير عليها في المنطقة العربية، وكذلك الألعاب التي تعتمد تقنية الواقع الافتراضي والواقع المعزز أيضاً، على أن يتفاعل اللاعب داخل اللعبة. وبهدف مواكبة التطورات، انتقلت شركة Game Cooks في العامين الأخيرين إلى تطوير ألعاب الواقع الافتراضي بحيث يعيش المستخدم في اللعبة الواقع. وتعمل منذ عام على تطوير لعبة على الكمبيوتر معتمدة أسلوب (moba) أي اللعبة التي تسمح للاعبين عدة خوض معارك عبر الإنترنت، تجمع بين التفكير الاستراتيجي والحركة، ومن المنتظر إطلاقها بعد ثلاثة أشهر.
وثمة فرص كبيرة أمام الشركات الألعاب للتوسع في الشرق الأوسط، ويشير فاثاليان إلى أن الشركة تخطط لفتح مكاتب لها في باقي دول الخليج ومصر وأوروبا.
شركات
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال