هل يهدّد كورونا مستقبل صناعة الساعات التقليدية؟

ما يرفض أو يتجنب بعض قادة الدور الكبرى قوله بشأن تداعيات فيروس كوفيد-19 على صناعة الساعات، تكشفه أرقام الاتحاد السويسري لصادرات الساعات، وما يتجرأ آخرون على قوله، فهو بمثابة تأكيد المؤكد.

في نيسان/ أبريل الماضي، هبطت صادرات الساعات السويسرية التي تعد مؤشراً رئيسياً على واقع قطاع الساعات في العالم، بنسبة 81.3 في المئة إلى 328.8 مليون فرنك سويسري مقارنة مع نيسان/ أبريل 2019، وبانخفاض نسبته 75.8 في المئة مقارنة مع آذار/ مارس الماضي.

غير إن هذا الانخفاض في حجم الصادرات وقيمتها، رغم ضخامته، كان متوقعاً من قبل الاتحاد، في ظل الجمود المسيطر على الإنتاج بسبب إغلاق عدد لا بأس به من المصانع أبوابه- وقد عاد بعضه أخيراً إلى الفتح التدريجي وبعضه الآخر يعود قريباً- وفي ضوء الانكماش في التوزيع والبيع نتيجة إغلاق الدور ووكلاء التجزئة متاجرهم في معظم الأسواق العالمية نتيجة تفشي الفيروس.

"أزمة غير مسبوقة"

إزاء هذا الواقع، يجمع رؤساء دور الساعات الراقية ومسؤولون فيها استطلع موقع "أولاً- الاقتصاد والأعمال" آراءهم حول تأثير كوفيد-19 على صناعتهم، على كون هذه الأزمة التي تعيشها الصناعة لم تشهد مثيلاً لها قط، ربما منذ أزمة الكوارتز في سبعينات القرن الماضي وما تسببت به من توقف بعض العلامات العريقة عن الصدور قبل إحيائها من جديد بدخول مجموعات كبرى وعائلات على خط تملّكها.

وفي آذار/ مارس الماضي، وصف بيان إعلان دار هوبلو Hublot إغلاق مصنعها في سويسرا والذي يعود تدريجياً إلى الإنتاج في حزيران/ يونيو المقبل، الأزمة "بغير المسبوقة". ويقول الرئيس التنفيذي للدار ريكاردو غوادالوبي إن "قطاع الساعات يواجه أزمة إستهلاك حالياً، ما سينتج عنها خسائر مهمة"، متوقعاً "تراجع إيرادات الدور ما بين 30 و40 في المئة مقارنة بالعام 2019، وتأثر العلامات الصغيرة والمستقلة أكثر من الكبرى منها من تداعيات الفيروس".

وفي حين يتوقّع الرئيس الشريك في دار شوبارد Chopard كارل- فريدريك شويفوليه أن تدوم تداعيات الوباء طويلاً على صناعة الساعات"، يؤكد رئيس قسم التعقيدات في دار أوديمارس بيغيه Audemars Piguet مايكل فريدمن بدوره "تأثير وباء كورونا على صناعة الساعات ككل"، قائلاً إنها "المرة الأولى التي نواجه فيها أزمة عالمية بهذا الحجم الضخم، وبالتالي سنشهد مثل جميع الصناعات خسائر واضطرابات".  

كورونا: تحد جديد يضاف إلى جملة تحديات القطاع

تداعيات كوفيد-19 الهائلة على صناعة الساعات جاءت لتضيف إلى التحديات التي كانت تواجهها هذه الصناعة في الأصل تحدياً جديداً. فإلى أزمة النفط منذ نهاية العام 2014، وتحرير سعر صرف الفرنك مقابل اليورو في سويسرا والذي وضع الدور أمام تحدي ارتفاع أسعار منتجاتها في بلد المنشأ مقارنة بالأسواق الأخرى، والتباطؤ الاقتصادي في أوروبا وقضية الـ"بريكزيت"، والتطور التكنولوجي وما رافقه من تطور في قنوات التسويق والتواصل الاجتماعي واستثمار العلامات فيها لمواكبة هذه المتغيرات، جميع هذه العوامل حدت بالكثير من الدور إلى تعديل إستراتيجيات عملها بدءاً من طرح منتجات جديدة بأسعار متدنية نسبياً لاستقطاب شريحة جديدة من العملاء الشباب لتوسعة قاعدة عملائها والتعويض عن شبه الجمود في السوق، وكنوع من الرد على ظهور الساعات الذكية التي كانت لبعض العلامات مبادرات فيها إنما ظلت محدودة جداً، مقابل رفض الغالبية العظمى من الدور التقليدية الدخول في مجالها، وهو ما يأخذه بعض المحللين في القطاع على العلامات السويسرية التقليدية، معتبرين أنه تقصير من قبلها في مواكبة هذه الظاهرة والمنافسة في سوق تسيطر عليها آبل Apple بشكل كبير إذ باعت العام الماضي 30 مليون ساعة ذكية.  

في سياق متصل، قال الرئيس التنفيذي في دار برايتلينغ Breitling جورج كيرن في حديث سابق إلى موقع "أولاً- الاقتصاد والأعمال" في وقت سابق إنه "صحيح أن فيروس كورونا سيؤثر بلا شك على صناعة الساعات، لكنه لا يشكل خطراً وجودياً عليها"، متوقعاً حصول اندماجات في القطاع في الأعوام المقبلة ستؤدي إلى قيام كيانات كبرى عالمية ووازنة".

وكان تقرير لـ "جي بي مورغن ستانلي" بالتعاون مع وكالة الاستشارات "لوكس كونسالت" عن صناعة الساعات السويسرية يستند إلى مبيعات العلامات في العام 2019، أظهر أن سبع علامات فقط من ضمن ترتيب أول 50 علامة ساعات سويسرية شملها التقرير حققت مبيعات تجاوزت عتبة المليار فرنك سويسري، وذكرت لوكس كونسالت أن جميع الدور في العام الحالي ستعاني من تداعيات كوفيد-19، وإن بدرجات متفاوتة، متوقّعة زوال ما بين 30 إلى 60 علامة ساعات سويسرية نتيجة لذلك والتي يقدر عددها بـ300 علامة.

ضرورة التكيّف والتركيز على الزبون المحلي

إزاء هذا الواقع، ومع انخراط الدور أكثر فأكثر في عالم التجارة الإلكترونية والأونلاين للتعويض عن تراجع مبيعاتها الكبير، تمنى كيرن أن "تتكيف الصناعة والعلامات مع البيئة التي تشهد تغييراً واضحاً، تماماً كما فعلت بنجاح في الماضي". 

وينبّه غوادالوبي إلى أنه يتعيّن على "جميع علامات الساعات إعادة النظر بإستراتيجيات بيعها لتجاوز هذه المرحلة والعودة إلى الوضع الطبيعي، فالتباعد الإجتماعي يمثّل مشكلة حقيقية وسيبقى الحذر مسيطراً على تحركات الناس ولاسيما حركة سفرهم، لذلك على الدور أن تركّز اهتمامها على المستهلكين المحليين ومعاملتهم معاملة خاصة والتواصل معهم مباشرة، لأن الأمور ستأخذ وقتاً للعودة إلى وضعها "الطبيعي" كما قبل كوفيد-19".

وفي هذا السياق، يلتقي غوادالوبي مع رئيس مجموعة الرفاهية كيرينغ Kering المالكة لعلامات فاخرة مثل غوتشي Gucci و إيف سان لوران Yves St Laurent، وعلامات ساعات مثل أوليس ناردين Ulysse Nardin وجيرارد بيروغو Girard-Perrgaux فرانسوا- هنري بينو إذ قال خلال جولته على متاجر المجموعة في باريس بعيد تخفيف إجراءات الإغلاق في فرنسا إن "المتاجر الباريسية خسرت 50 في المئة من زبائنها، وهم السياح، لذلك يجب عليها التركيز على الزبائن المحليين"، كما ذكرت صحيفة لو فيغارو الفرنسية.

أرقام قليلة وكلام كثير

بالعودة إلى الأرقام، تعكس نتائج صادرات الساعات السويسرية التعافي التدريجي للسوق الصينية التي لطالما شكلت محور اهتمام العلامات الراقية، إذ وحدها سارت بالاتجاه المعاكس إلى حد ما للمنحى التنازلي الحاد في الصادرات، واقتصر تراجع وارداتها على ما نسبته 16.1 في المئة بعد زيادة في آذار/ مارس بنسبة 10.5 في المئة.

في المقابل، هبطت واردات الولايات المتحدة من الساعات السويسرية إلى 27.9 مليون فرنك من 226.7 مليون في آذار/ مارس الماضي، وكذلك اليابان، فبعد زيادة ولو ضئيلة بنسبة 2.3 في المئة في آذار/ مارس الماضي، هبطت وارداتها في نيسان/ أبريل بنسبة 85.9 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وعلى مستوى المنطقة، تراجعت واردات الإمارات التي حافظت على موقعها في المركز العاشر ضمن قائمة أول 30 دولة مستوردة للساعات السويسرية بنسبة 89.2 في المئة، وانخفضت واردات السعودية بنسبة 94.2 في المئة.