الصواف.. رجل أعمال برؤية ناقدة يؤسس لفن الكاريكاتير العربي
الصواف.. رجل أعمال برؤية ناقدة يؤسس لفن الكاريكاتير العربي
رفع الكاريكاتير من الوظيفة الصحافية إلى مكانة جعلته نداً للفنون التشكيلية العالمية
- خاص - "أوّلاً-الاقتصاد والأعمال"
بين أحد أبرز وجوه الأعمال والبناء في العالم العربي وبين الكاريكاتير علاقة حب يحار كثيرون في تفسيرها، إذ متى وأين يمكننا أن نجد رجل أعمال ومقاولات ومال ينفق قسماً كبيراً من وقته في إبداع ما لا يحصى من رسوم الكاريكاتير ثم إصدارها في مجموعات أو في أشرطة متحركة، وأين أيضاً يمكن أن نجد رجل أعمال لا يكتفي فقط في إبداع رسومه وموضوعاته بل ينفق وقتاً ثميناً ومالاً في البحث عن رسامي كاريكاتير مثله لكي يرفعهم من زوايا الإهمال إلى العالم الواسع للفنون التشكيلية.
حقيقة الأمر أن قصة هذا الرجل الطويلة مع الكاريكاتير يصعب فهمها من دون فهم شخصيته وتكوينه الفكري ورؤيته وأسلوب تفاعله مع حياته اليومية بدءاً بأسرته نفسها ثم أصدقائه ثم مجتمعه الواسع وما يعتمل فيه من تيارات وتحديات. والصوّاف على الرغم مما يبدو من إنجازاته المهنية هو رجل أعمال part time لأنه في أكثر وقته ناقد لعصره ولبيئته وروائي ومؤرخ لكن بلغة النقد والمبالغة الكاريكاتيرية، بتعبير آخر، هو رجل أعمال نجح بامتياز لكنه بقي يتحرك في دائرة أوسع وبرؤية مختلفة لعصره ومجتمعه، وهذه الرؤية المختلفة تعني أن الصوّاف يحتفظ بحق الرأي المختلف أيضاً والقدرة على التعبير المختلف، وهذا ما جعله منذ سبعينات القرن الماضي، وكان في مقتبل عمره، يسافر إلى بريطانيا ويدخل أهم المعاهد الفنية للتمكّن من لغة الصورة والتعبير الساخر عبر فن الكاريكاتير الذي يمكن اعتباره مرآة لفطرته الناقدة وشهاداته الناطقة بالصورة على نجاحات وإحباطات حقبة بكاملها.
لكن المعتزّ الصوّاف، وفي تحوّل لاحق، انتقل من الاهتمام بالفن إلى الاهتمام بالفنانين، أي بهذا العدد الكبير من الرسامين المبدعين في العالم العربي وإنتاجهم الواسع، وهو توجه إلى رسامي الكاريكاتير العرب باعتبارهم شركاء له في النظرة الفاحصة إلى الحياة اليومية وفي العناء الصامت، وهو اعتبرهم جزءاً من النخبة المستنيرة التي يحتاج إليها المجتمع العربي، لكنه وجدهم في الوقت نفسه، نخبة مهملة بسبب إدماجها في عالم الإعلام والوظيفة الصحافية وعدم التعامل مع فنّانيها كمبدعين ومع إنتاجهم كفرع من أصل أكبر وأرقى هو الإبداع الفني بمعناه الواسع.
كان أول عمل قام به المعتزّ الصوّاف لذلك هو إعلاء شأن الفن الكاريكاتيري وفنون الرسم التعبيري العربي بهدف تمييزه وفصله عن صناعة الإعلام، وهو بدأ لهذا الغرض بجمع أعمال الفنانين وتصنيف روائعها ونشرها في مجلدات قدمها في معارض راقية في أكثر من عاصمة عربية، وحضرت تلك المعارض النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمثقفون ووسائل الإعلام، هكذا وبتطور نوعي واحد قلب الصوّاف النظرة إلى فن الكاريكاتير وأدخله الصالونات والمعارض المتخصصة جاعلاً منه مهنة إبداع لها كيانها واحترامها إلى جانب بقية الفنون وفروع الثقافة المعاصرة.
وفي تلك المرحلة بالذات، انضمت قرينة المعتزّ السيدة رادا إلى جهوده في المجالين الثقافي والخيري وتميّزت بصورة خاصة في إسهاماتها الأساسية في تنظيم المعارض التي خُصِّصت للتعريف بأعمال فناني الكاريكاتير العرب، وبرز دورها بصورة خاصة في إطلاق جائزة الفنان الراحل محمود كحيل للشرائط المصورة والكاريكاتير والرسوم التعبيرية بالتعاون الوثيق مع الجامعة الأميركية في بيروت، هذه الجائزة التي تحول حفلها السنوي إلى "حديث المدينة" وإلى أحد أبرز الأحداث الثقافية الدورية في العاصمة اللبنانية بيروت.
وفي الواقع، فإن جائزة محمود كحيل ليست جائزة واحدة لأنها تضم تحت جناحها مجموعة جوائز سخية (نحو 36 ألف دولار أميركي) تغطي فروعاً مثل الكاريكاتير السياسي والرواية المصورة والشرائط الكوميدية المصورة والرسوم التعبيرية ورسوم كتب الأطفال.
وأدخل إطلاق الجائزة عاملاً بالغ الأهمية في تطوير فنون الرسم الكاريكاتيري والتعبيري في المنطقة هو عامل التنافس على الإبداع بين الفنانين والفنانات كما إنه وفّر منصة شاملة لإطلاق الفنانين والمبدعين الجدد أو المخضرمين والتعريف بهم، وبالتالي تعزيز مكانتهم والفرص المتاحة لهم، كما إن إطلاق الجائزة استكمل هيكلة هذا القطاع المهم من النشاط الثقافي والإبداعي العربي عبر إدخال جملة من المعايير لتقييم الأعمال الفنية وتصنيفها وإخضاع الحكم فيها إلى لجنة حكم تضم مرجعيات راسخة ومشهود بكفاءتها في حقول الفن التصويري والكاريكاتيري أو في الحقل الثقافي.
بهذا المعنى بات ممكناً، وبفضل المعتزّ الصوّاف، تأريخ فن الرسم الكاريكاتيري والتصوير التعبيري المعاصر في العالم العربي بالحديث عن مرحلتين، الأولى هي مرحلة "الدروشة" والوظيفة الصحافية أو الإعلامية، وبين مرحلة النهضة والاستقلال التدريجي عن الإطار الضيق لوظيفة بأجر والانتقال به إلى صعيد الفن الراقي الذي يتخذ مكانه بجدارة إلى جانب بقية الفنون التشكيلية، وعلى هذا التفريق القاطع الذي حققه الصوّاف وقرينته رادا بجهد وتصميم تطلع شمس عصر جديد وواعد لفن التصوير التعبيري والكاريكاتير العربي ومستقبل أفضل للفنانين التصويريين.
جائزة محمود كحيل
للعام 2019
حتى العام 2019 كان الحفل السنوي لتوزيع جائزة محمود كحيل بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت، حديث المدينة والأوساط الفنية في لبنان والعالم العربي، لكن الحفل الذي كان مقرراً لهذا العام تأجل إلى العام المقبل بسبب القيود المفروضة على اللقاءات الاجتماعية نتيجة تفشي وباء الكورونا، إلا أن اللجنة المنظمة وهيئة التحكيم قررت في مطلع العام الحالي إعلان أسماء الفائزين والفائزات التي جاءت كالتالي:
جائزة فئة الكاريكاتير السياسي وهي الفئة الأبرز بين الجوائز، وقدرها عشرة آلاف دولار، فازت بها البحرينية سارة قائد التي تعيش حالياً في المملكة المتحدة.
جائزة فئة الروايات التصويرية، فازت بها الفنانة اللبنانية لينا مرهج، عن كتاب "سلام لمرسيليا".
جائزة فئة الشرائط المصوّرة وقيمتها 6000 دولار، فاز بها العراقي حسين عادل داود.
جائزة فئة الرسوم التصويرية والتعبيرية وقيمتها 5000 دولار، فاز بها الأردني حسان مناصرة.
جائزة فئة رسوم كتب الأطفال وقيمتها 5000 دولار، فاز بها الرسام المصري محمد طه.
جائزة إنجازات العمر الفخرية وقيمتها 5000 دولار، فاز بها اللبناني جورج خوري (جاد) وهو فنّان شرائط مصوَّرة وناقد فنّي وأستاذ جامعي.
جائزة راعي الشريط المصوّر الفخرية وقيمتها 5000 دولار ومنحت الى "مخبر 619" وهي مجموعةٌ تونسية تُعنى بفنّ الشرائط المصوّرة التجريبية، تأسّست في 2013.
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال