صناعة الألبان والأجبان في لبنان: خسائر برغم ارتفاع الطلب

لم تثن الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان المستثمر والصناعي وصاحب مصنع "جنوبي" علي فرحات عن المضي قدماً في مشروعه الجديد لإنشاء مصنع للألبان والأجبان في الجنوب وزيادة قدرته الإنتاجية لتلبية الطلب المتزايد على تلك المنتجات. واليوم يخطط فرحات مع شركائه لاستثمار نحو 15 مليون دولار في مصنع تبلغ قدرته الإنتاجية نحو 30 طناً من الحليب يومياً، ويقول: "الألبان والأجبان من الصناعات المجدية اقتصادياً وتدر أرباحاً جيدة".

تضاعف الطلب

يجمع أصحاب مصانع الألبان والأجبان في لبنان على أن الطلب على تلك المنتجات يزداد باطراد، ولاسيما في ظل ارتفاع أسعار الحليب المستورد ومشتقاته بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وتراجع القدرة الشرائية للمستهلكين، ويشير فرحات إلى أن الطلب على منتجات المصنع تضاعف منذ بداية الأزمة، وإنتاج طن من الحليب الطازج يومياً لتشكيلة واسعة من الأجبان تشمل البلدية والقشقوان والموتزاريلا، لم يعد يلبي الطلب.

بدوره، يشير صاحب مزارع ومعمل سكاف في البقاع كميل سكاف إلى ارتفاع الطلب على منتجات المصنع بنسبة خمسين في المئة، وقد دفعه الطلب المتنامي إلى زيادة الإنتاج الذي يبلغ 2 طن يومياً بنسبة 30 في المئة، ويتوقع سكاف المزيد من الارتفاع في الطلب، إذ إنه من المحتمل أن تتراجع نسبة استيراد بعض منتجات الأجبان من الخارج.

ارتفاع التكلفة

لكن هذا الارتفاع في الطلب، لم يمنع بعض أصحاب المصانع من رفع الصوت عالياً بسبب ارتفاع الكلفة نتيجة تأرجح سعر الدولار وارتفاع أسعار الحليب والعلف والمضافات العلفية والأدوية البيطرية واللقاحات. ويقول الشريك الإداري في معمل أبناء جابر جابر محمود جابر: "إن ارتفاع الطلب لم يعوض الخسائر التي منينا بها"، لافتاً الانتباه إلى أن العلف يشكل أكثر من 90 في المئة من كلفة الحليب، وتملك الشركة مزرعة خاصة تتضمن مئة رأس من الأبقار وتنتج نحو أربعة أطنان يومياً.  

وفي هذا الإطار، يشير المصنعون إلى أن سعر كيلوغرام الحليب، قبل بدء أزمة الدولار، كان ألف ليرة، لكنه تخطى الألفي ليرة حالياً، وقد بادرت وزارة الزارعة إلى احتساب سعر الحليب 60 سنتاً، واعتمدت آلية جديدة لاحتسابه (33 سنتاً على سعر صرف الدولار في السوق، و27 سنتاً على سعر صرف 1500 ليرة)، وهذه الآلية جعلت سعر الحليب يتغير ويرتفع يومياً لأنه بات مرتبطاً بالدولار. ويقول رئيس تجمع معامل الألبان والأجبان في البقاع ألكسي شديد: "هذه الآلية الجديدة خلقت مشكلة كبيرة للمصنعين، بسبب الاختلاف الكبير بين سعر المبيع وسعر الشراء".

لكن لـ فرحات من معمل "جنوبي" رأياً مخالفاً، فهو يشير إلى أن أصحاب المعامل غالباً ما يتفقون مسبقاً مع أصحاب المزارع على الكمية والسعر ويلتزمون بها، لافتاً النظر إلى أنه لا يزال يدفع سعر كيلوغرام الحليب 1700 ليرة، ويضيف أنه من يريد أن يلجأ إلى مراكز تجميع الحليب للحصول على كميات إضافية سيضطر إلى شرائه على سعر السوق اليومي.

إلى جانب ارتفاع أسعار الحليب، ارتفعت أيضاً أسعار بعض المواد الأولية التي تدخل في صناعة الألبان والأجبان، مثل مواد البلاستيك والنايلون المخصصة للتعليب، وعمد بعض أصحاب المصانع أيضاً إلى زيادة رواتب العمال بنسبة تتراوح ما بين 15 و20 في المئة، ويلفت جابر إلى أن المشكلة الرئيسية تكمن في أن موردي المواد الأولية يطلبون الحصول على أموالهم نقداً وبالدولار، هذه العوامل مجتمعة دفعت أصحاب المصانع إلى زيادة أسعار الأجبان بنسبة تتراوح ما بين 30 و40 في المئة، والألبان بنسبة أقل لم تتخط العشرة في المئة. ويقول:"هذه الزيادة في الأسعار لم تغط الزيادة في التكاليف"، مشيراً إلى صعوبة زيادة الأسعار بالنسبة ذاتها التي ازدادت فيها التكلفة، لعدم قدرة المستهلكين على تحملها".

تراجع الإنتاج

تأرجح الأسعار ترافق مع مشكلة أكبر تتمثل في تراجع إنتاج الحليب في البقاع من 400 طن ما قبل الأزمة إلى 250 طناً حالياً، وفق أرقام تجمع المعامل في البقاع، ويرد شديد السبب إلى توجه شريحة كبيرة من أصحاب المزارع إلى بيع رؤوس الأبقار الحلوب إلى أصحاب الملاحم، وانخفاض عددها من 35 ألف رأس ما قبل الأزمة إلى 15 ألفاً حالياً.

مصنعو حليب الماعز يرفعون الأسعار

حال مصنعو منتجات حليب الماعز أيضاً ليس بمغاير، إذ عمد مربو الماعز إلى زيادة أسعار الحليب من 1500 إلى 1650 ليرة على الرغم من أن المربين يعتمدون على المراعي الطبيعية لا العلف الذي ارتفعت أسعاره، وبالتالي ارتفعت كلفة إنتاج الألبان. وتقول الشريكة الإدارية ومديرة الإنتاج في معامل Go Baladi جويل حجار إنهم اضطروا إلى زيادة أسعار المنتجات بنسبة 20 في المئة في آذار/مارس لتغطية كلفة المواد الأولية التي ارتفعت أسعارها مثل النايلون والبلاستيك، وينتج معمل Go Baladi نحو طن من حليب الماعز يومياً ويوزع حصراً في السوبر ماركات، وتلفت حجار إلى أن الطلب على منتجات حليب الماعز لم يشهد ارتفاعاً.  

الحل... تثبيت سعر الدولار

لا حلول عملية تلوح في الأفق لمصنعي الألبان والأجبان، طالما أن سعر الدولار يتأرجح، ويلفت شديد النظر إلى أن الحل الأكثر فعالية في الوقت الحاضر هو تثبيت سعر صرف الدولار عند حد معين، ليتمكن المصنعون من تسعير المنتجات بناء على تكلفتها.

بدوره، يستبعد جابر فكرة زيادة الأسعار وفقاً لسعر صرف الدولار في السوق لعدم قدرة المستهلكين على شرائها بالأسعار الجديدة، ويقول سيكون توجه المستهلك في المرحلة المقبلة نحو شراء منتجات الألبان بدلاً من الأجبان. ويقول: "لا نزال صامدين حتى الآن وندفع جميع الالتزامات المستحقة علينا للموظفين والتجار، ولكن لا نضمن استمراريتنا إذا بقي الوضع على ما هو عليه".

في مقابل هذه الصورة القاتمة، ثمة بعض المصنعين الذين لا يزالون يرون فرصاً ماثلة في القطاع، ويلفت فرحات الانتباه إلى أن أرباحه من هذه الصناعة تبلغ 30 في المئة حتى في ظل هذه الظروف الاقتصادية والفرق في سعر صرف الدولار. ويقول: "الاعتراض والامتعاض بات النشيد الوطني للمصنعين والتجار، وعلى الرغم من كل المشاكل والتحديات لا تزال هذه الصناعة تدر بعض الأرباح الصافية وإن لم يكن بالوتيرة السابقة ذاتها".