عدنان يوسف علامة فارقة في الصناعة المصرفية العربية، لا سيما في مجال الصيرفة الإسلامية. فالرجل الذي كون أول معالم نجاحاته مع المؤسسة العربية المصرفية كمشروع مصرفي عربي ودولي، نجح باقتدار في نقل تجربته إلى مجموعة البركة المصرفية، فتمكن من جمع مصارفها وحولها إلى كيان مصرفي متناسق يدار تحت مظلة المجموعة الأم من البحرين، مكرساً بذلك نهجاً إدارياً جديداً قبل أن ينتقل بها إلى مرحلة جديدة من التوسع إلى أن بلغت دول أفريقيا.
يجمع عدنان يوسف بين كفاءة عملية عريقة وصفات أخلاقية يشهد له بها كل من عمل معه وعرفه عن كثب. فهو ابن عائلة أعمال بحرينية عريقة. مهني يتابع أدق التفاصيل، إداري مرن، صاحب علاقات كثيرة حبكها بدقة فحولته إلى "مصرفي ديبلوماسي" تمكّن من لعب أدوار مهمة في أكثر من محطة عربية ودولية مهمة.
يرد عدنان يوسف جزءاً مهماً من ثراء تجربته إلى انطلاقته في المؤسسة العربية المصرفية، حيث عمل تحت كنف رئيسها عبد الله السعودي. فهذه المؤسسة شكّلت المحطة الأهم في مسيرته لجهة صقل تجربته المهنية بالنظر إلى التنوع الجغرافي الذي عرفته استثماراتها، ما أكسبه خبرات مصدرها أسواق عدة من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأميركية إلى آسيا وأميركا الجنوبية. كذلك منحته معرفة وافية عن الخدمات والمنتجات، وقربته من الأسواق وذلك إلى جانب قربه من الأسواق العربية وعلاقاته الوطيدة التي كونها فيها.
الرئيس الشاب
سريعاً أثبت يوسف قدرة على التماهي مع تطلعات المؤسسة العربية وقيادتها برغم تجربته الفتية، وجرى تكليفه في العام 1986 من قبل عبد الله السعودي بتأسيس ذراع إسلامية وتولى الإشراف عليه، وهنا يقول:" كان هناك حرصٌ على التقيد بدقة بالشريعة وتعاونت مع كبار فقهاء في تلك المرحلة، وكان التحدي الأهم يكمن في تقديم منتجات ذات قيمة مضافة، غير أن الثقة التي تحظى بها المؤسسة العربية المصرفية كاسم تجاري مرموق، شكلت عامل دعم مهم في انطلاقة مصرفنا الإسلامي التابع في البحرين". سبق ذلك أن خاض يوسف تجربة امتدت لنحو 5 سنوات مع "أميركان إكسبرس" التي دخلت إلى منطقة الخليج في ظل الفورة النفطية، ويملك تحت مظلته مؤسسات متنوعة في عدة قطاعات، ما اكسبه خبرات مهمة نظراً لتنوع المنتجات.
من الحديث عن البدايات يُعرّج يوسف على مرحلة مهمة إذ يقول:" عاصرت مجموعة من المصرفيين والمؤسسيين المخضرمين ممن كانوا يتمتعون برؤية مستقبلية واضحة، كان حبهم للعمل المصرفي العربي يأتي في مقدمة أولوياتهم، لذلك كنا نرى انخراطاً أكبر لتلك المؤسسات كما هو الحال مع المؤسسة العربية المصرفية في مشاريع تمويل امتدت من موريتانيا إلى سلطنة عُمان". أما الجيل الثاني فلم يكن متشبعاً بهذه التوجهات، إذ طغى الجانب الفني لديه على الرؤية العامة.
ويضيف في تلك الفترة كنت الأصغر سناً بين مجموعة من العمالقة ممثلاً بنك المؤسسة المصرفية العربية رئيساً لمجلس الإدارة، فاكتسبت منهم الكثير وكان من بينهم المرحوم علي محمد نجم الذي تولى قيادة عدة مصارف مصرية قبل توليه مهام محافظ البنك المركزي المصري، محمود عبد العزيز الرئيس السابق للبنك الأهلي المصري، الوزير أنور الخليل وغيرهم من الأسماء اللامعة.
قصة البركة
قبل قدومه إلى مجموعة البركة، كانت مصارفها تعمل تحت أسماء عدة إلى أن أشرف على دمجها تحت اسم موحد وأصبحت مؤسسة مصرفية مترامية الأطراف. يعود عدنان يوسف إلى بدايات تلك المرحلة: " في فبراير من العام 2000، قدمت للشيخ صالح كامل ورقة عمل تضمنت خطة استراتيجية حول النتائج التي نتطلع إلى تحقيقها، آنذاك كانت الصورة واضحة بالنسبة لي عن الأولويات والأهداف المرحلية وكيفية تحقيقها." واليوم وبعد مرور نحو عقدين نستطيع القول أن كافة البنود التي تضمنتها تلك الورقة أصبحت واقعاً، فالمؤسسة التي انطلقت من 132 فرعاً في العام 2003 باتت تملك أكثر من 703 فروع بمعدل نمو بلغ 36 فرعاً في كل عام، وارتفع عدد الموظفين من 3233 إلى 12695 موظفاً، وبلغت أرباح العام الماضي نحو 217 مليون دولار، ولو تم تجنيب تأثر تقلب أسعار العملات الأجنبية في الأسواق الخارجية، لكانت الأرباح وصلت إلى نحو 573 مليوناً.
وتظهر مختلف المؤشرات المالية الرئيسية للمجموعة نمواً معتدلاً مستمراً ما بين العام 2003 ونهاية أيلول/سبتمبر الماضي، إذ قفزت إجمالي التمويلات والاستثمارات من 2.7 إلى نحو 19.1 مليار دولار بمعدل سنوي يبلغ 13 في المئة، وارتفعت حقوق المساهمين من 490 مليون دولار إلى 2.215 مليار دولار بمعدل نمو بلغ 10 في المئة، وارتفع إجمالي الدخل التشغيلي من 182 إلى 677 مليون دولار بنسبة نمو مماثلة.
تمويل التوسعات
بين المحطات المهمة في مسيرة البركة، يتوقف يوسف عند الطرح الأولي لأسهم المجموعة (IPO) وإصدار الصكوك، ويوضح أن تلك الخطوات كانت من بين العناصر التي تضمنتها ورقة العمل المشار إليها، إذ جرى الطرح الأولي في العام 2006، وتطلعنا لجمع نحو 300 مليون دولار، فيما جمع الاكتتاب نحو 900 مليون دولار أي ثلاثة أضعاف المبلغ المطلوب، فدخل على إثر ذلك مجموعة جديدة من المساهمين فيما انخفضت حصة الشيخ صالح كامل إلى نحو 30 في المئة بعد أن كان المساهم الرئيسي.
وبعد نحو عقد جرى إصدار صكوك في وقت لم تكن فيه هذه الأداة شائعة الاستخدام كمصدر للتمويل، ومع ذلك حققت هي الأخرى نجاحاً لافتاً، إذ بلغ حجم الإصدار نحو 400 مليون دولار مستقطبة 3 إلى 4 أضعاف المبلغ المطلوب، وشكلت هاتتن الخطوتين أساساً مهماً لتمويل التوسعات.
إدارة مُحّكمة
يقول يوسف:" في المحصلة نجحنا في بناء مؤسسة بتناغم وتعاون بين مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية والوحدات خارج البحرين، معتبراً أن هذا التناغم شكل أحد مقومات النجاح. وحرص الرئيس التنفيذي على اعتماد إدارة مُحّكمة تبقي المؤسسة الأم على إطلاع بتفاصيل كافة المؤسسات التابعة، كان من بينها أن يكون متواجد شخصياً في تركيبة مجالس إدارات مختلف المصارف التابعة وتولي رئاستها بما يمكنه من البقاء على إطلاع عن كثب على التطورات الحاصلة فيها.
كذلك جرى منذ العام 2000 تكريس مبدأ الاجتماعات الاستراتيجية السنوية للمجموعة وكافة وحداتها التابعة والتي تعقد في شهر كانون أول/ديسمبر من كل عام، ويبدأ التحضير لها من خلال إعداد الميزانية التقديرية للعام التالي منذ شهر نوفمبر من كل عام، إلى جانب إعداد خطة العمل (Business Plan) لمدة 4 سنوات، مع التأكيد على أهمية هذه الاجتماعات في تعميق العلاقات وتبادل الخبرات وتطوير المنتجات وغيرها.
ويضيف يوسف عنصراً آخر يتمثل بتبني المؤسسة الأم في البحرين مفهوم الشركة القابضة من دون مواكبة التوجهات السائدة في بعض المصارف العربية الذي يصمم منتجات وخدمات من خلال المقر الرئيسي. كل هذه الخطوات بحسب يوسف نجحت في تكريس معايير إدارية قائمة على الحوكمة وتحقيق عدم تعارض المصالح.
وصفة النجاح
شكل التوسع أحد أبرز معالم نجاحات مجموعة البركة المصرفية، والاهم أن التوسعات استمرت على وتيرتها حتى بعد مرحلة الأزمة المالية العالمية، في وقت كانت فيه مؤسسات مصرفية ومالية عدة قد انكفأت إلى أسواقها. وفي هذا السياق يلخص يوسف وصفة النجاح تلك بالانطلاق من التوسع المدروس وكذلك مدى قدرة الأسواق المستهدفة على النمو، مشيراً إلى أن اقتصاديات الدول العربية حيث تتواجد المجموعة حققت أيضاً نمواً جيداً على مدى السنوات الماضية رغم الظروف التي مرت بعض البلدان.
إلى ذلك، تبدو طموحات يوسف بنقل البركة إلى أسواق جديدة لا تعرف حدوداً، إذ يقول نجحنا في أسواق شمال أفريقيا العربية فبعد التواجد في مصر وتونس والسودان والجزائر وليبيا والمغرب، بالإضافة إلى تجربتنا المشجعة في جنوب أفريقيا، حيث تملك المجموعة 10 فروع هناك، نتطلع إلى تعزيز تواجدنا في شرق أفريقيا في دول ككينيا وتنزانيا وأوغندا، نظراً لكون أنظمة هذه الدول مشابهة لأنظمة دولنا كما أنها دول أقرب إلينا في المسافة مقارنة بدول غرب أفريقيا.
تصويب الصيرفة الإسلامية
نظراً إلى خبرته في العمل المصرفي الإسلامي من الطبيعي أن يتطرق الحديث إلى تقييم هذه التجربة، ولا يتردد يوسف بالقول إنه ومنذ مرحلة التسعينات التي أخذت فيه المصارف الإسلامي تشهد ازدهاراً، فقد استقطبت إليها شريحة هدفت إلى تحقيق الربح أكثر من إيمانها بالنموذج الحقيقي الذي قامت عليه هذه الصناعة، وهو ما أثر على فلسفة المصارف الإسلامية. ويخلص يوسف إلى القول نحن الآن، لا سيما على صعيد مجموعة البركة المصرفية وبقيادة الشيخ صالح كامل أمام مرحلة تصحيح للصيرفة الإسلامية، عبر تصويب بعض المنتجات وإضفاء مزيد من الزخم عليها، مشيراً إلى أن هناك شريحة واسعة من المنتجات لا بد من أن تواكب التغيرات الاقتصادية عليها بعد أن مرور عدة سنوات على وضع إطار شرعي لها.
هذا الواقع يفتح الباب على المراحل الأولى إذ يقول يوسف إنه لا بد من استذكار عدد من الشخصيات التي ساهمت في وضع أسس هذه الصناعة، ويأتي في مقدمتهم الشيخ صالح عبد الله كامل والأمير محمد بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود، والحاج سعيد بن أحمد لوتاه من الإمارات والشيخ أحمد بزيع الياسين من الكويت، مشيراً إلى الدور المؤثر الذي لعبه الشيخ صالح كامل من خلال "ندوة البركة" السنوية في مناقشة الطابع الشرعي وإصدار الفتاوى الشرعية الخاصة بعدة منتجات أصبحت في ما بعد في صلب عمل المصارف الإسلامية. ويشير إلى الدور الذي لعبه مصرف البحرين المركزي في العام 1985 بتأسيس قسم خاص للرقابة على المصارف الإسلامية والتشجيع على تأسيسها، معتبراً أنه لولا اتخاذ مملكة البحرين هذه الخطوة لما كانت هذه الصناعة على ازدهارها اليوم.
صناعة أكثر مؤسسية
من جهة أخرى يرى يوسف بأن المعايير المحاسبية الخاصة بالصناعة المصرفية الإسلامية دخلت مرحلة النضوج وباتت تضاهي نظيرتها الخاصة بالمصارف التقليدية والصادرة عن لجنة بازل أو غيرها، متناولاً أهمية الدور الذي تلعبه هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية "أيوفي" سواء لجهة شرحها المفصل للمعايير الخاصة بالصناعة أو التوسع في وضعها سلة من المعايير التي تتجاوز تلك المحاسبية ومن بينها الالتزام والحوكمة وغيرها. وهنا يتوقف يوسف عند المعايير المحاسبية الدولية المتعلقة بالمصارف التقليدية، مشيراً إلى أنه رغم التجربة الثرية التي توفرها على اعتبار أنها تعد "أفضل الممارسات" غير أنها صدرت في بيئة اقتصادية مختلفة عن بيئتنا المحلية، وبالتالي لا بد من وضعها في أطر تتلاءم مع بيئتنا.
البركة بأمان
إن سألت يوسف عن طموحاته المهنية، تراه صريحاً بالقول:" لطالما قلت في قرارة نفسي، إنه متى ما بلغت الأرباح مستوى 330 مليون دولار، يجب أن أتوقف بعد أن أديت الواجب" ويضيف خلال العام الماضي قاربت الأرباح هذا المستوى، ومع ذلك فإنني مؤمن بالمبدأ القائل:" لو دامت لغيرك لما اتصلت إليك". ويضيف:" ربما استمر لنحو 4 أو خمس سنوات إضافية". وهنا يطرح تلقائياً السؤال عن مدى وجود جيل جديد مؤهل للقيادة، فيجاوب يوسف بالقول:" أؤمن أن أي إنسان ناجح لا بد وأن يكون لديه من يخلفه كخيار ثاني ثالث أو رابع سواء أكان رقم 2 أو ثلاثة أو أربع، وإذا لم يتحقق ذلك، فهذا يعني أنه لم يحقق نجاحاً كاملاً أو التزامه بمؤسسته، ويقدم في الوقت نفسه نصيحة مهمة بأن التواصل يعد عنصراً مهماً في قاعدة النجاح".
لمسة وفاء ثلاثية
لعل السمة الأكثر وضوحاً في حديث عدنان يوسف حول مختلف مراحل حياته المهنية هي تلك التي تجلّت في لمسة وفاء نادرة لشخصيات عمل معها وتركت تأثيرها عليه. إذ لطالما كرر في مختلف محاور الحديث اسم المصرفي عبد الله السعودي والذي رافقه على وجه الخصوص في بداياته من موقعه كرئيس لمجلس إدارة المؤسسة العربية المصرفية، مشيراً بشكل مستمر إلى صورته المركونة إلى يمين مكتبه بين عدد محدود من الصور، قائلاً:" لقد أعطاني الأستاذ عبد الله السعودي الكثير."
أما الشخصية الأكثر حضوراً خلال الحديث كان اسم الشيخ صالح كامل تلك الشخصية التي يصفها يوسف بالمتكاملة:" إذ أنه مفكّر ورجل أعمال ومتعمق في الصيرفة الإسلامية، وقد كان لموقعي اللصيق به عنصر مهم في تحقيق النجاحات الاستثنائية لمجموعة البركة. كما أعرب يوسف عن عمق تقديره وتأثره بتجربة جوزف طربيه الذي عاصره في اتحاد المصارف العربية وتولى بعده رئيساً لمجلس إدارة الاتحاد بين العامين 2007 و2013، ليعبر بإخلاص قائلاً:" لا أنسى فضل جوزف طربيه".