ثلاثة تنازلات أثيوبية تمهّد لحسم الصراع على مياه النيل
ثلاثة تنازلات أثيوبية تمهّد لحسم الصراع على مياه النيل
واشنطن تلقي بثقلها منعا لتطور النزاع
- رشيد حسن
انتهت أزمة نهر النيل ولم تنته.
على الأقل هذا ما يتضح من قراءة البيان المشترك الذي صدر عن مصر والسودان وأثيوبيا في واشنطن، إثر اجتماعات ماراثونية استغرقت 3 أيام (بعد تمديدها يوما كاملاً).
الأزمة انتهت وتراجعت معها مخاطر المواجهة المباشرة بين مصر وأثيوبيا لأن الأخيرة قدمت للمرة الأولى، وبعد 4 جولات من المفاوضات، تنازلات أساسية أرست الأسس للإعلان المبدئي الذي صدر باسم الدول الثلاث في واشنطن، وفي رأس تلك التنازلات، إقرار أديس أبابا بصورة واضحة بأن مياه النيل الأزرق ليست ملكها وحدها وأن موضوع ملء البحيرة الهائلة خلف السد وإدارة تدفقات النيل الأزرق في المستقبل ليست أمرا سياديا يمكنها التصرف به كما تشاء. بالتالي فإن الإنجاز الأهم لاجتماع واشنطن الأخير كان إقرار أثيوبيا بأن هذه الأمور لا بد وأن تتم بنوع من التشاور والتنسيق مع مصر والسودان.
لكن الأزمة لم تنته لأن الإعلان، الذي أقر مبدأ التشاور، ترك موضوع ترجمته العملية، وبالتالي الاتفاق على تفاصيله، إلى اجتماع لاحق يعقد في العاصمة الأميركية في نهاية كانون الثاني/ يناير الحالي.
لذلك وبالرغم من أن الدول الثلاث مصر والسودان وأثيوبيا تنفست الصعداء نتيجة تراجع التوتر واحتمالات الصدام حول مياه النهر، فإنها لا تزال تواجه المهمة الصعبة وهي الاتفاق على التفاصيل وذلك أمر أصعب من الاتفاق على المبادئ العامة.
الدور الأميركي
اجتماع واشنطن الذي لعبت فيه إدارة الرئيس ترامب دوراً مباشراً مع البنك الدولي لتقريب المواقف وبلورة أسس مبدئية لحل النزاع، ارتدى أهمية خاصة نظراً إلى بدء العد العكسي في أثيوبيا للبدء في تحويل مياه النيل الأزرق نحو البحيرة الهائلة التي تقع خلف سد النهضة والذي شارف على الاكتمال. وقد حددت أديس أبابا شهر نيسان/أبريل المقبل موعدا للبدء في تحويل مياه النيل الأزرق إلى البحيرة التي تتسع لنحو 70-80 مليار متر مكعب أو ما يعادل ضعفي التدفقات السنوية لنهر النيل الأزرق والمقدرة في المتوسط بنحو 49 مليار متر مكعب. هذه الناحية كانت منذ البدء نقطة الاختلاف الأساسية بين أثيوبيا التي تريد ملء البحيرة بحيث يمكنه البدء في إنتاج الطاقة الكهربائية وبين مصر التي حذرت من أن الإسراع في ملء البحيرة سيؤدي إلى خفض تدفقات مياه النيل الأزرق باتجاه مصر وقد يتسبب ذلك بانخفاض منسوب السد العالي وبالتالي الطاقة الكهربائية المولدة منه وكذلك كارثة على القطاع الزراعي.
القضية المركزية
لهذا السبب فإن القضية المركزية التي ينبغي الاتفاق عليها هي المدة الزمنية التي ستعطى لأثيوبيا من أجل استكمال ملء بحيرة سد النهضة، وهذه المدة تريد أثيوبيا أن لا تتجاوز 3 إلى 5 سنوات بحيث يمكنها البدء في وقت مبكر في استغلال الطاقة الكهربائية، فيما اعتبرت مصر أن هذه المدة ليست كافية للتدرج في ملء بحيرة السد من دون الإضرار بها وبالسودان، لأن ملء البحيرة بهذه السرعة لن يبقي الكثير من مياه النيل الأزرق التي يمكن تحويلها إلى البلدين. لذلك اقترحت مصر أن يتم ملء البحيرة في مدة تتراوح بين 12 و20 سنة وهو ما تعتبره أثيوبيا مدة طويلة ستحرمها لسنوات من الشروع في استغلال الطاقة الكهربائية.
كما في مثل هذه الحالات فإن الاتفاق قد يستقر على حل وسط بين الموقفين، وهذا الحل نجد ملامحه في دراسة وضعها خبير مياه أميركي قريب من المفاوضات، وشدد فيها على أن المسألة الأهم ليست المدة التي سيستغرقها ملء بحيرة سد النهضة، بل كمية المياه التي ستبقى متاحة سنويا لمصر خلال تلك المدة وخصوصا في فترات شح الأمطار. وقد طرح الخبير ويدعي كفين ويلر في هذا المجال ما يعتقد أنه الحل الوسط وهو أن تضمن أثيوبيا لمصر نحو 35 مليون متر مكعب سنويا (مقابل مطالبة مصر بنحو 40 مليون متر مكعب سنويا) وأن يكون لها تحويل كميات المياه الزائدة عن هذه الحصة إلى بحيرة السد.
موقف "ليّن" من أثيوبيا
لكن تحقيق توزيع عادل لتدفقات النيل الأورق لسنوات طويلة، يحتاج كما اتضح إلى حد أدنى من التنسيق في إدارة هذا المورد المائي الضخم، وبالتالي إلى دور مصري في إدارة منابع النيل، وهو أمر كانت أثيوبيا ترفضه إلا أنها أصبحت مقتنعة بأنه لا بد منه من أجل تمكين الدول الشريكة في الحوض ولاسيما مصر من متابعة تدفقات المياه والتأكيد من مطابقتها للكميات المقررة لها حسب الاتفاق.
موافقة أثيوبيا على مبدأ توفير "آلية" لتنفيذ أي معاهدة حول مياه النيل أزال أهم العقد أمام الاتفاق على النقاط التالية فصدر البيان الثلاثي من واشنطن مؤكدا على بنود ثلاثة:
أن يتم ملء البحيرة الواقعة خلف سد النهضة بصورة لا تضر بمصالح مصر والسودان .
أن يتم إدارة السد وفق "آلية" لتحويل المياه إلى السد تأخذ في الاعتبار عوامل مثل مستوى خزن مياه النيل الأزرق اللازم لتمكين سد النهضة من توليد الطاقة الكهربائية ولتوفير الإجراءات التعويضية المرافقة التي تضمن أن لا تؤدي عملية تحويل مياه النيل إلى الإضرار بالمصالح الحيوية لمصر والسودان.
أن يتم التعاون بين الأطراف الثلاثة في ما يتعلق بتحويل المياه إلى سد النهضة في فترات شح الأمطار فوق منابع النيل وذلك بما يحقق مبدأ عدم التسبب بضرر لمصر أو السودان جراء عملية التحويل.
نحو اتفاق تاريخي
الأنظار ستكون مشدودة إلى واشنطن في نهاية الشهر الحالي، والذي سيشهد ما يفترض أن يكون الجولة النهائية التي قد تفتح الطريق نحو معاهدة تاريخية حول النيل الأزرق، وهذه الاتفاقية ستنهي خلافا عمره نحو 100 عام ومراحل تفاوض مستمرة منذ 18 عاما ومفاوضات متقطعة بين أثيوبيا ومصر عمرها 8 سنوات ومفاوضات رسمية مستمرة بين البلدين برعاية الولايات المتحدة منذ اربع سنوات.
الطريقة التي يتم فيها حسم الخلاف الصعب حول مياه النيل ستمثل سابقة مهمة برسم خبراء المياه وواضعي السياسات، لاسيما وأن هناك ملفات خلافية عديدة حول الأنهار المشتركة بين الدول والتي سيمكنها الإفادة بقوة من الجهود الكبيرة التي بذلت على مدى أعوام في سبيل اتفاق مستدام وشامل حول مياه النيل الأزرق.
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال