السعودية: الدولة تأخذ وضعية القيادة لقطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص

  • 2021-04-04
  • 15:37

السعودية: الدولة تأخذ وضعية القيادة لقطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص

مبادرة "شريك" إطار طوعي وتعاوني بين القطاعين

  • رشيد حسن

 

أطلق ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز أوسع مبادرة حكومية سعودية لتحقيق تكامل أفضل في الأدوار بين الإنفاق الاستثماري الحكومي وبين الدور المرجو من القطاع الخاص في إطار رؤية 2030 والتي وضعت بين أهم أهدافها زيادة مساهمة القطاع الخاص السعودي من 40 إلى 65 في المئة من الناتج المحلي في العام 2030.

وبالطبع، منذ الإعلان عن ذلك الهدف الطموح تحول الاهتمام إلى نوع السياسات والآليات التي ستؤمن تحقيق أهداف الرؤية. وهذه الآليات، لم يعدّ ممكناً في ظل هدف تقليص دور القطاع العام وتنويع الاقتصادي السعودي، أن تعتمد بصورة شبه تامة على الإنفاق الحكومي وميزانية الدولة كما كانت الحال على مدى عقود طويلة، لكن في الوقت نفسه، فإن تحقيق برنامج التحول الوطني وتنويع الاقتصاد السعودي بعيداً عن الارتهان بالنفط لن يتم بالاعتماد فقط على آليات السوق التي تتحكم في النشاط الاقتصادي وفي الاقتصادات المتقدمة، وبالتالي فإن من الضروري توافر ديناميكيات مختلفة وصيغ مشتركة حيث يكون للقطاع الخاص دور ومسؤولية في دعم أهداف التحول والمساهمة في المجهودات الشاملة لهذا التحول.

برنامج "شريك"

لا بدّ هنا من التوقف مليّاً أمام مبادرة برنامج "شريك" التي أطلقها حديثاً ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، معطياً بذلك إشارة الانطلاق لتحول العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص من صيغ عمومية مثل "التعاون" و"الدعم" إلى صيغة عملية تنتقل بهذه العلاقة إلى صيغة الشراكة وتكامل الأدوار، ومن أجل ذلك تمّ تحقيق خطوات نوعية غير مسبوقة أهمها:

  1. إطلاق برنامج "شريك" كإطار مؤسسي يستهدف تأطير الشراكة كصيغة للعمل المشترك وتزويد البرنامج بأمانة عامة ومجلس إدارة مع احتفاظ الأمير محمد بن سلمان بدور الإشراف العام بهدف وضع ثقله خلف أهداف البرنامج.
  2. وضع أهداف كمية للشراكة لتمكين القطاع الخاص (عبر منظومة من آليات الدعم والتحفيز المقدمة من مختلف وزارات وأجهزة الدولة) من استثمار نحو 5 تريليونات ريال خلال السنوات العشر المقبلة، والمساهمة بالتالي في رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي إلى 65 في المئة في حلول العام 2030.

بدلاً من الكلام العام عن القطاع الخاص، اختار برنامج "شريك" التركيز على 50 من "الشركات السعودية الكبرى" المساهمة وغير المساهمة، والتي سيتم التباحث معها في سبل توطيد الشراكة وتوزيع الأدوار والمشاركات والمساهمات في المشاريع التنموية المختلفة.

بينما حرص برنامج "شريك" على وضع أهداف إجمالية للاستثمارات المشتركة العامة والخاصة المأمول استقطابها، فإنه لم يدخل في أي تفاصيل تتعلق بقطاعات معينة، كما أكد على أن المساهمة في البرنامج من قبل أي شركة سعودية، سيكون طوعياً ومبنياً على قناعة الشركة بالفرص أو المشاريع المقترحة، ولهذا الغرض، فإن مجلس استثمارات الشركات الكبرى الذي يرأسه محافظ عام صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميّان سيبحث موضوع الشراكات مع كل شركة على حدة، آخذاً في الاعتبار وضعية كل شركة وميزاتها وما يمكن أن ينسجم مع أهدافها الاستراتيجية ومصالح مساهميها. وبهذا المعنى، فإنه سيكون على فريق برنامج "شريك" والمسؤولين الحكوميين المعنيين أن يوفروا أفضل الظروف المشجعة للاستثمارات ويجتهدوا في التوافق مع إدارات الشركات ومساهميها على صيغ مساهمتها في خطط الاستثمار والتنمية الوطنية في المملكة.

دور الدولة

تجدر الإشارة هنا إلى أن المشاركة المطلوبة من القطاع الخاص تقابلها التزامات ومساهمات من قبل الدولة السعودية، خصوصاً ممثلة بصندوق الاستثمارات العامة الذي بات يلعب دور الشريك المحفز والراعي للمشاريع المشتركة والاستثمارات الكبيرة التي قد تتجاوز طاقة القطاع الخاص وحده. وقد أشار الأمير محمد بن سلمان أيضاً إلى الدور المتوقع لـ "الاستراتيجية الوطنية للاستثمار" التي يتوقع أن يتم الإعلان عنها قريباً والتي ستساهم، بحسب خطة ولي العهد بنحو 4 تريليونات ريال في المشاريع الاستثمارية المشتركة بين القطاعين العام والخاص.

إحدى الظواهر المهمة التي برزت في الإعلان عن برنامج "شريك" هي النهج التطبيقي الذي تأخذه كل استراتيجيات وسياسات وبرامج التنمية في المملكة، إذ إنه لا يتم إطلاق مبادرة إلا ويترافق ذلك مع إنشاء مؤسسة أو هيئة حكومية تكون مسؤولة عن تنفيذ برنامجها وتحقيق غاياتها، كذلك لا يتم إطلاق مبادرات إلا ويتم وضع أهداف كمية لبرنامج عملها وأفق زمني يكون بمثابة معيار الأداء والنجاح في تحقيق الأهداف المحددة. 

تطور كبير في بيئة الاستثمار

إن مبادرة برنامج "شريك" يجب النظر إليها في سياق التحولات الكبيرة والمتسارعة التي تحققها السعودية في مجال سهولة تأسيس الأعمال والتوحيد المرتقب للتشريعات المدنية والتجارية والجزائية وأحكام الأحوال الشخصية، والتطوير المتواصل لسوق المال وإصلاح سوق العمل، وتحسين العلاقة التعاقدية للعاملين بالمؤسسات المستخدمة وإطلاق المبادرات الهادفة لاستقطاب المهارات العالية والخبرات عبر منح الإقامات الدائمة، فضلاً عن تمكين المرأة وزيادة مساهمتها في سوق العمل ورفع جاذبية الحياة الاجتماعية والثقافية والرياضية، واعتماد أهداف محددة في مجال تحسين جودة الحياة للسعوديين والمقيمين.

قطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص انطلق إذن، لكنه ما زال في المحطة الأولى في رحلة طويلة نسبياً ستتطلب وضع طاقات الوزارات وصندوق الاستثمارات العامة ومجلس استثمارات الشركات السعودية الكبيرة في إنتاج صيغ تشارك مرضية ومجزية لجميع الأطراف. وفي الحقيقة فإنه على نجاح أطراف المنظومة التشاركية من الفريقين في تأسيس شراكات واضحة وناجحة تتوقف قدرة المملكة على استقطاب الاستثمارات الخارجية، إذ إنه من خلال "شريك" يمكن للشركات السعودية الكبرى ان تقدم نموذجاً واضحاً على حجم الفرص المتاحة وعلى جاذبية بيئة الاستثمار، كما إنها ستقدم دليلاً على ثقة القطاع الخاص بالاستثمار في الاقتصاد السعودي وهو أهم عامل تشجيع للمستثمرين الأجانب للحاق بقافلة المشاريع والفرص السعودية.