ميقاتي يبادر .. فهل ينجح بتصويب خطة الانقاذ المالي في لبنان؟

  • 2022-07-04
  • 10:21

ميقاتي يبادر .. فهل ينجح بتصويب خطة الانقاذ المالي في لبنان؟

  • علي زين الدين

وسّع تحرك الرئيس نجيب ميقاتي "المتسلّح" بحمل مهمتي تصريف الاعمال لحكومة مستقيلة دستورياً والمكلّف بتأليف الحكومة جديدة، قاعدة المشاركة الداخلية لخطة التعافي التي أقام فريقه الوزاري حولها سياجات محصّنة بالكتمان، ليكتشف لاحقاً ان تسريب المحتوى وما يعتمده من خيارات "علاجية" للفجوة المالية المقدرة بنحو 75 مليار دولار، وضع الحكومة عينها في موقف حرج نظير تنامي الاعتراضات وحدتها في الأوساط كافة وحتى من أطراف أساسية في السلطة التنفيذية.

وينشد ميقاتي من خلال هذه المبادرة التي أفصح "شفهياً" عن معالمها عبر مداخلاته في اجتماع لجنة المال والموازنة النيابية، اعادة تكوين قاعدة سياسية واقتصادية صلبة وواسعة تواكب جهود السلطة التنفيذية للانتقال بملف لبنان لدى صندوق النقد الدولي من صيغة الاتفاق الاولي على مستوى الخبراء، والذي تمّ ابرامه اوائل ابريل /نيسان الماضي، الى محطة عرض الاتفاقية بصياغتها النهائية وملحقاتها التشريعية على اجتماعات الخريف لمجلس محافظي الصندوق وادارته العليا في شهر اكتوبر المقبل، وبما يمكن لبنان من بدء الاستفادة من البرنامج التمويلي المحدد بنحو 3 مليارات دولار لمدة 4 سنوات، والاهم حيازة مفتاح تدفق التزامات الدول والمؤسسات الاقليمية والدولية المانحة.

وبدا أن القطاع المالي لم يكن بمنأى عن الاجواء المستجدة، بدليل التصحيح الاقرب للتراجع عن مضمون كتاب وجهه مستشار لجمعية المصارف الى بعثة الصندوق المنوطة بالملف اللبناني، لتعود الجمعية وتصدر بياناً رسمياً نقيضاً، وفيه "يهم جمعية مصارف لبنان أن توضح أنها لا تعارض بالمطلق الاتفاق بين الدولة اللبنانية وصندوق النقد الدولي، خصوصاً أنها تعتبر أن هذا الاتفاق هو أحد أهم أبواب الحل للخروج من الأزمة الحالية، إلا أن الجمعية تشدّد في الوقت عينه على أن أي حل يجب أن يوفق ما بين تراتبية المسؤوليات ونسبة تحمل الخسائر، فلا يتم تحميل القطاع المصرفي والمودعين كافة الخسائر التي تسبب بها القطاع العام على مرّ السنين، وأن الجهود يجب أن تتضافر للبحث في الحلول المتوفرة حالياً لردم الفجوة المالية عبر المحافظة على الودائع وليس شطبها".

وفي موقف مواكب للتوجهات الايجابية قبيل مداخلات ميقاتي في مجلس النواب، كرر مجلس ادارة جمعية المصارف موقفه الداعي الى ضرورة التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي كونه السبيل الأفضل لإعادة هيكلة الاقتصاد وتأهيله من خلال إقرار الإصلاحات الضرورية والشروع بتنفيذها، كما اكد "أن توزيع المسؤوليات يجب أن يتم بشكل عادل وقانوني يحمي أموال المودعين كافة بالدرجة الأولى، ذلك أن الدولة التي أنفقت الأموال لديها ما يكفي من الموارد المستقبلية لتغطية مسؤولياتها وذلك من خلال هيكلية تحافظ على أصول الدولة وتحسن إدارتها وتزيد مردودها بما يساهم بحل أزمة المودعين ويصبّ بالخير العام وتكون خطوة واقعية وبناءة في مسار الإصلاح".

وفي المقابل، يطلب الفريق الحكومي تعاوناً نيابياً صريحاً وضمن الوقت الضيق المتاح خلال الشهرين المقبلين، لانضاج وإقرار كامل التعهدات التنفيذية والتشريعية التي التزمتها الحكومة في الاتفاق الاولي، والتي تصنفها ادارة الصندوق كشروط واجبة قبل عرض الملف النهائي على اجتماع المجلس التنفيذي للصندوق، كما يتوخى نقل الأجواء الايجابية والحرص "المستحدث" على التعاون والتنسيق مع مكونات القطاع المالي.

وما تحقّق في الجولة الاولى المستهدفة تذليل حالة الاعتراض الواسعة من قبل المودعين وجمعية المصارف ومصرف لبنان ليس بقليل، بحسب مصادر مالية ومصرفية معنية ومواكبة، ولا سيما اذا ما جرى استلحاقه ومن دون مواربة أو عقد " أكاديمية" تتحكم احياناً بذهنية الفريق المفاوض وبعض المستشارين. فالسند حتى إشعار آخر غير متين، طالما هو قائم  على الجهر "شفهياً" بتوجهات لادخال "تعديلات جوهرية" خلال جلسة " الاستماع " لرئيس الحكومة في جلسة "لجنة المال والموازنة"، وهو ما تنبّه له العديد من النواب الذين علت اصواتهم داخل الاجتماع واكمله متحدثون باسم كتل وازنة بعده، بالمطالبة الفورية من قبل بضرورة تقديمها "مكتوبة" وتوثيق "النوايا" الطيبة بالتعديل والاضافة ضمن الصياغة النهائية للخطة التي ستعود ادراجها الى أروقة المجلس النيابي ولجانه المختصة.

 مع ذلك، أضفت مشاركة ميقاتي والفريق الوزاري الاقتصادي وممثلين للبنك المركزي، البعد الاستثنائي المرتقب على اجتماع اللجنة، وعزّزها الحضور النيابي الكثيف من الاعضاء وغير الاعضاء في اللجنة، توخياً للاطلاع عن كثب على وجهة التعديلات المستحدثة التي سيجري اعتمادها ضمن استهداف تأمين التأييد الاوسع لمذكرة السياسات المالية والاقتصادية الملحقة بخطة التعافي.

وتبيّن ان مداخلات النواب واسئلتهم ركزت، بحسب مصادر مشاركة، على ضرورة استنباط افضل المقاربات التي تفضي الى حماية المودعين من كل الفئات وعدم تعريضهم لاقتطاعات مجحفة في ظل ما يعانونه اساساً من صعوبات في ادارة مدخراتهم والحسومات المطبقة على حصص السحوبات، والتأكيد على شمول جميع المودعين بخط الحماية المقترح عند مستوى 100 الف دولار لكل حساب، والنظر في اقتراحات مجدية لمساهمة الدولة والبنك المركزي كشريكين اساسيين الى جانب الجهاز المصرفي في حمل اعباء الفجوة المالية، ضمن معادلة التوزيع العادل للمسؤوليات.

ولوحظ ان التوجهات الجديدة للحكومة والتي يتوقع ان تتم ترجمتها بادخال تعديلات منسّقة مع لجنة المال، ستتطرق الى انشاء صندوق تشاركي مع القطاع المالي، على ان تتعهد السلطة التنفيذية بضخ موارد مالية فيه من خلال ترقب تحقيق فوائض اولية في الموازنة العامة، حيث سيتم التزام برنامج اصلاحي للمالية العام يستهدف اعادة هيكلة الانفاق والواردات، الى جانب الموارد المالية المتأتية لاحقاً من ثروة النفط والغاز.

 ووفقاً للمعطيات التي تمّ رصدها، فإن قناعات مستجدة ترتكز على تحديد اوضح للمسؤوليات عن الخسائر المحققة والمقدرة بنحو 75 مليار دولار، افضت الى تصورات جديدة سيطرحها رئيس الحكومة تتوخى احترام مطلب "العدالة" بتوزيع الاعباء المترتبة تحت مظلة تشاركية والتخلي تماماً عن عبارة "شطب" ومآلاتها تنفيذياً، وبحيث تتوزع الاحمال المالية الرئيسية على ثلاثي الدولة ومصرف لبنان والمصارف، وبما يضمن بالتالي تأمين الحماية التامة حتى مستوى 100 الف دولار من حسابات المودعين ضمن فترة زمنية محددة مسبقاً وتراوح ما بين 5 و10 سنوات وفقاً للموارد المتاحة، والتخفيف بالحد الاقصى الممكن من الاقتطاع او اعادة الهيكلة على الشرائح الاعلى وفق مروحة خيارات تشمل اشراك جزء منها كأسهم او سندات ضمن الاموال الخاصة للبنوك التي ستخضع بدورها لعمليات تصحيحية بنيوية.

واذ حذّر رئيس الحكومة بأن كل تأخير في عدم إقرار الخطة والتوقيع مع صندوق النقد يكلفنا يومياً خسارة تقدر بنحو 25 مليون دولار يومياً، فقد تقدم  بحزمة اقتراحات جديدة لها علاقة اعتبرها النواب بمنزلة خطة جديدة، حيث اقترح انشاء صندوق للتعافي من أجل المساهمة في إعادة جزء من الودائع المصرفية. كما شدد، بحسب المعلومات، على ان هذه الاقتراحات لا تفسد الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد، وقد طالبه النواب بصياغة هذه الاقتراحات وإحالتها إلى مجلس النواب. 

 واكد رئيس اللجنة ابراهيم كنعان بعد الاجتماع وجود "تغييرات وتطويرات وامور جوهرية يتم العمل عليها، منها انشاء صندوق، والعمل على الودائع"، "وموقفنا هو بأن حقوق المودعين مكفولة في الدستور ويجب ان تؤمن من خلال توزيع عادل للخسائر في خطة التعافي التي لم تتم احالتها بعد الى المجلس النيابي.  

واشار​، إلى "اننا طلبنا من ​وزارة المال​ اعداد دراسة خلال ايام بموضوع تحديد ​سعر الصرف​، ومدى تأثيره على المواطن من اجل اقرار الموازنة التي تتضمن تعدداً في اسعار الصرف"، لافتاً إلى أنه "هناك تعديلات على خطة التعافي وفق ما سمعناه من الحكومة، والتصور المقبل سيأخذ في الاعتبار الودائع وتأمين الحقوق للناس".

بالتوازي، يحوز مشروع قانون موازنة العام الحالي اولوية لا تقل اهمية ووزناً في "تثمير" نتائج الدينامية الجديدة، حيث يرتقب ان يتركز البحث على صلاحية بيانات الانفاق والايرادات، وملاحظات لجنة المال عليها والمعايير المالية والنقدية التي ارتكزت عليها الحكومة في مشروع الموازنة لتحقيق الإيرادات كما المعدلات الأخرى الواردة فيها المتعلقة بالعجز والنمو.

وتستعجل الحكومة اقرارالموازنة استجابة لشرط اساسي التزمته في الاتفاق الاولي مع بعثة صندوق النقد الدولي، وبهدف تحسين اداء المالية العامة وموارد الخزينة عبر رفع تسعيرة الدولار الجمركي واكلاف الخدمات العامة والرسوم وسواها، وذلك مع ابداء الاستعداد لتفهم اي تعديلات نيابية في اللجنة والهيئة العامة للمجلس تراعي التطورات المستجدة على المسارين النقدي والمالي، وتنسجم مع موجبات تزايد الاحتياجات المالية للدولة واجهزتها الوظيفية شبه المعطلة بسبب الاضراب المستمرعن العمل الذي ينفذه العاملون في الادارات العامة مطالبة بتصحيح المداخيل المتآكلة.