"الوسطية الدولية" سبيلاً لحل الازمات كما يدعو الملك سلمان
"الوسطية الدولية" سبيلاً لحل الازمات كما يدعو الملك سلمان
- أحمد عياش
الكلمة التي أدلى بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الثامنة لمجلس الشورى السعودي، وضعت تحت المجهر أحوال العالم الغارق الآن بشتى أنواع الازمات التي تتراوح بين حرب تحمل ملامح حرب عالمية تدور في أوكرانيا وبين أزمة ركود تعصف بالاقتصاد العالمي بأسره، لكن كلمة الملك سلمان لم تكتف بالتوصيف، بل ذهبت الى مقاربة الحلول التي لا بدّ منها سبيلاً للخروج من هذه الأزمات.
قد يكون مفيداً على سبيل المقارنة، العودة الى حركة عدم الانحياز التي أنشئت وتأسست إبّان انهيار النظام الاستعماري، ونضال شعوب أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وغيرها من المناطق في العالم من أجل الاستقلال، وفي ذروة الحرب الباردة. وعلى مدار تاريخها، لعبت حركة دول عدم الانحياز دوراً أساسياً في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. أما اليوم، فهناك حرب باردة بدأت تنشب نتيجة الانقسام حيال سبل معالجة الحرب الأوكرانية التي دعا الملك سلمان بشأنها الى اعتماد الحلول السلمية لهذه الحرب ودعم الجهود الدولية لإنهائها.
من مظاهر الانقسام التي نشأت عن هذه الحرب، كيف تعاملت الإدارة الأميركية مع قرار أوبك بلس الأخير والذي تبنى بإجماع الأعضاء خفض إنتاج المنظمة بمعدل مليونيّ برميل يومياً. وبحسب الخبير النفطي وليد خدوري، فإن الإحصاءات والتوقعات الاقتصادية المتوفرة تدل على أن هناك أسباباً عدة نفطية للقرار، أهمها، المؤشرات والتوقعات الاقتصادية السلبية للنصف الثاني لعام 2022 ولعام 2023، ما يدل على انخفاض الطلب على النفط خلال هذه المرحلة وضرورة تقليص الإنتاج لوقف التراجع في الأسعار للحفاظ على المصلحة الاقتصادية للدول المنتجة، كما تدل المؤشرات على أن النمو الاقتصادي العالمي قد دخل في نفق مظلم، مليئاً بعدم اليقين والشكوك، من تصاعد معدلات التضخم العالمية، ارتفاع أسعار الفوائد واستمرار المشاكل والتأخير في سلسلة تزويد السلع والبضائع، الناتج عن صرف العمال والموظفين من وظائفهم أثناء الجائحة وصعوبة إعادة تعيينهم بالسرعة اللازمة لاحقاً. بالإضافة إلى كل هذا، هناك إمكانية عودة انتشار الجائحة في الصين خلال فصل الشتاء المقبل، مما أربك الأمور كثيراً، بالذات لانخفاض الطاقة الإنتاجية الإضافية العالمية.
ومن المفارقات التي انتهى اليها غضب الإدارة الأميركية من قرار أوبك بلس ما صرّحت به مسؤولة أميركية ممسكة بعدد من ملفات الشرق الأوسط في إدارة الرئيس جو بايدن، فأقرّت بأن تقديرات واشنطن لنتائج قرار الخفض، اختلفت، قبل القرار، عن تقديرات السعودية وبقية الأعضاء الرئيسيين في مجموعة أوبك بلس.
وما قاله الملك سلمان في كلمته الأخيرة: "تعمل بلادنا جاهدة ضمن استراتيجيتها للطاقة، على دعم استقرار وتوازن أسواق النفط العالمية، بوصف البترول عنصراً مهماً في دعم نمو الاقتصاد العالمي، ويتجلى ذلك في دورها المحوري في تأسيس واستمرار اتفاق مجموعة (أوبك بلس) نتيجة مبادراتها لتسريع استقرار الأسواق واستدامة إمداداتها، وكذلك حرص المملكة على تنمية واستثمار جميع موارد الطاقة التي تتمتع بها".
قد يكون ما شهده العالم من توتر الإدارة الأميركية على المستوى النفطي هو جزء من الصورة الشاملة لأحوال العالم الراهنة. ويقول المفكر المعروف رضوان السيّد:"
كان الاتحاد السوفياتي بين المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وقد حصل على حصة رئيسية في تقاسم العالم. أما النظام الدولي الذي ما يزال موجوداً في نصوصه ومؤسساته فقد أنشأته الولايات المتحدة وقادت إليه حلفاءها وخصومها. وأهم من المؤسسات في النظام (نظام السلام الدائم أخذاً من تعبيرٍ للفيلسوف الألماني كانط) كانت الأفكار والقيم: استدامة السلام من طريق الديمقراطية وحقوق الإنسان. وصحيح أنّ التفوق الاقتصادي والعسكري الأميركي في الحرب الباردة (1950 - 1990) كان أهمّ عوامل السيادة الأميركية على النظام الدولي؛ لكنّ الأميركيين وطوال العقود الأربعة حتى سقوط الاتحاد السوفياتي ركّزوا في دعايتهم على "التفوق الأخلاقي" في الحرب الباردة الثقافية، والمتمثل بالديمقراطية وحقوق الإنسان، كما في ميثاق الأمم المتحدة (1945)، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)".
ويخلص السيّد الى القول: "يستطيع الأميركيون أن يعدّدوا تحديات روسيا والصين للقانون الدولي، وللسلام العالمي، لكنّ الاعتراض على الحجج وعلى الاقتران يأتي من جهتين: الجهة الروسية - الصينية، وحلفاء الولايات المتحدة مثل الهند وتركيا والدول العربية في الخليج ومصر، ودول في أوروبا وأميركا اللاتينية...نحن العرب بين الأشدّ تضرراً من "عولمة الحرب". فلدينا أربع أو خمس دول عربية تتغلغل فيها نزاعات وتدخلات لا تنتهي. ولذلك ففي الوقت الذي يقول الزعماء العرب للأميركيين: نقبل كذا ولا نقبل كذا، ينصرفون للوساطة في كل النزاعات للتخفيف من أهوال الحروب، وليس في النزاع الأوكراني فقط. لقد تدخل السعوديون في تبادل الأسرى، والآن يتدخل رئيس دولة الإمارات مع الرئيس بوتين في محاولة لاستعادة السلام".
وفي سياق متصل، شدّد الملك سلمان في كلمته الأخيرة على "ضرورة العودة لتغليب صوت الحكمة والعقل وتفعيل قنوات الحوار والتفاوض والحلول السلمية بما يوقف القتال ويحمي المدنيين ويوفر فرص السلام والأمن والنماء للجميع، مؤكداً موقف بلاده الداعم للجهود الدولية الرامية إلى إيجاد حل سياسي يؤدي إلى إنهاء الأزمة الروسية - الأوكرانية، ووقف العمليات العسكرية بما يحقق حماية الأرواح والممتلكات ويحفظ الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين".
في رأي المراقبين" أن الموقف المتوازن السعودي والإماراتي، في الأزمة الأوكرانية، "ينطلق من حسابات استراتيجية دقيقة، ليس أقلّها محاولة منع موسكو من الانزلاق أكثر نحو تحالف أمر واقع مع إيران، وتبديد شعور بوتين بالعزلة، وفتح أبواب الحل السياسي، بعيداً عن الخيارات التي قد يلجأ إليها محارب يائس، لا شيء يمنعه من هدم الهيكل على رؤوس الجميع".
هل ستكون هناك مبادرات للعودة الى المنطقة الوسطى في هذه الحرب المعولمة؟ يجيب الملك سلمان: "كانت المملكة العربية السعودية ولا تزال وسيطةً للسلام ومنارة للإنسانية وللعالم قاطبة، لمكانتها الرفيعة بين الأمم ودورها المحوري في السياسة الدولية، وريادتها في دعم كل ما فيه خير للبشرية. وتبرز في هذا السياق جهود سمو ولي العهد في تبني المبادرات الإنسانية تجاه الأزمة الروسية - الأوكرانية، ونجاح وساطته بالإفراج عن أسرى من جنسيات عدة، ونقلهم من روسيا إلى المملكة وعودتهم إلى بلدانهم"، مضيفاً: "وانطلاقاً من دورها الإنساني والريادي واستشعاراً لمسؤولياتها تجاه المجتمع الدولي، فإن المملكة ملتزمة بمساعدة الدول الأكثر احتياجاً، والدول المتضررة من الكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية، وهي أكبر دولة مانحة للمساعدات الإنسانية والتنموية على المستويين العربي والإسلامي، وإحدى أكبر ثلاث دول مانحة على المستوى الدولي".
في هذا الوقت الذي تتصاعد الدعوات الى الحلول السلمية، وفيما تتركز الجهود الأوروبية على حشد الدعم العالمي لأوكرانيا، أطل كبير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل بكلام مثير للجدل وصف فيه العالم بأنه "غابة" وأوروبا بأنها "حديقة" معرّضة لخطر الاجتياح. ورداً على هذا الوصف سأل رضوان حسين، وهو مستشار كبير لرئيس الوزراء الأثيوبي، في تغريدة: "هل لا تزال أفريقيا غابة تهدف فقط إلى تأثيث حديقة شخص آخر؟" كما قال بوب راي، سفير كندا لدى الأمم المتحدة، في تغريدة مماثلة: "يا له من تشبيه رهيب قام به السيد بوريل... من المؤكد أن التاريخ وتجربتنا المعيشية يعلمنا أنه لا يوجد جزء من العالم خال من العنف".
ما ورد حول كلام الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، ليس خروجاً عن موضوع هذا المقال، بل هو يأتي في صلبه. فما قاله بوريل هو عيّنة لما يأتي من الرؤوس الحامية في زمن الازمات. في المقابل، يعطي الملك سلمان مثالاً مقابلاً ينطلق من الوسطية الدولية التي تجد أصداء واسعة في العالم بعدما انزلقت العلاقات الدولية الى متاهات تجعل العالم "غابة بلا حديقة" ولا بدّ من وقف هذا الانزلاق كما تعمل المملكة الآن.
الأكثر قراءة
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا
-
ماذا تتضمن نشرة الإحصاءات الزراعية في السعودية لعام 2023؟
-
قطر: شراكة بين وزارة الاتصالات و"ستارتب جرايندر" لتعزيز الابتكار وريادة الأعمال