هل من عصر جديد للطاقة بعد الاختراق في الاندماج النووي؟
هل من عصر جديد للطاقة بعد الاختراق في الاندماج النووي؟
- أحمد عياش
بينما كان العالم منغمساً في متابعة المباريات النهائية لمونديال قطر، أطلت وسائل الدولية في 13 كانون الأول/ ديسمبر الحالي بنبأ كان في زمن سابق ينتمي الى الخيال العلمي. وفي هذا النبأ، أعلن العلماء الاميركيون الذين يدرسون طاقة الاندماج في مختبر لورانس ليفرمور الوطني في كاليفورنيا أنهم تجاوزوا معلماً طال انتظاره في إعادة إنتاج طاقة الشمس في المختبر.
في المقابل، هبت على الولايات الاميركية في 23 كانون الأول/ديسمبر الحالي، عاصفة أدت الى خفض إنتاج النفط والغاز والطاقة في الولايات المتحدة، ورفعت الأسعار، وبدت هذه العاصفة بمثابة جرس تنبيه، الى ان العالم ما زال على مسافة من عالم جديد للطاقة سيغيّر وجه الحياة على الكوكب.
ماذا في أنباء العاصفة اولاً؟ تقول رويترز إن البرد القارس والرياح العاتية تسببت في انقطاع الكهرباء وخفض إنتاج الطاقة في أنحاء الولايات المتحدة مما أدى إلى ارتفاع أسعار التدفئة والكهرباء مع استعداد الناس لاحتفالات الأعياد، وقد جلبت العاصفة الشتوية إليوت درجات حرارة دون التجمد وتنبيهات الطقس القاسي إلى نحو ثلثي الولايات المتحدة، مع استمرار البرد والثلوج في بعض المناطق خلال عطلة عيد الميلاد. وانقطعت الكهرباء عن أكثر من 1.5 مليون منزل وشركة، فيما خفضت مصافي النفط في تكساس إنتاج البنزين والديزل بسبب أعطال المعدات، وارتفعت أسعار التدفئة والكهرباء بسبب الخسائر. عانى إنتاج النفط والغاز من داكوتا الشمالية إلى تكساس من التجمد، مما أدى إلى قطع الإمدادات.
من أنباء العاصفة التي تذكّر العالم بالعصور الجليدية التي مرّت بكوكب الارض، الى نبأ الاختراق العلمي الذي يضاف الى منجزات العقل البشري عبر التاريخ. وقد كتب كينيث تشانغ في النيويورك تايمز يقول ان ما تحقق في مختبر لورانس ليفرمور الوطني، أثار حماسة عامة حيث تحدث العلماء لعقود عن كيف يمكن للاندماج، وهو التفاعل النووي الذي يجعل النجوم تتألق، أن يوفر مصدراً مستقبلياً للطاقة الوفيرة. والنتيجة التي تمّ الإعلان هي أول تفاعل اندماج في بيئة معملية أنتجت بالفعل طاقة أكثر مما استغرقه بدء التفاعل.
وقال أراتي برابهاكار، المستشار العلمي للبيت الأبيض، خلال مؤتمر صحفي في مقر وزارة الطاقة في واشنطن العاصمة: "هذا مثال رائع على إمكانية تحققت، ومعلم علمي تم تحقيقه، وطريق إلى الأمام لإمكانات الطاقة النظيفة"، وحتى فهم أعمق للمبادئ العلمية التي يتم تطبيقها هنا. ووصفت وزارة الطاقة الأميركية بدء الاشتعال الاندماجي بأنه "اختراق علمي كبير" من شأنه أن يؤدي إلى تحقيق "تطور في مجالات الدفاع الوطني ومستقبل الطاقة النظيفة". واعتبر مدير مختبر لورانس ليفرمور كيم بوديل الاندماج النووي بأنه "أحد أهم التحديات العلمية التي واجهتها الإنسانية على الإطلاق".
ووفق العلماء، فإنه إذا أمكن نشر الاندماج على نطاق واسع، فإنه سيوفر مصدراً للطاقة يخلو من التلوث وغازات الدفيئة الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري والنفايات المشعة الخطيرة الطويلة العمر التي تنتجها محطات الطاقة النووية الحالية، التي تستخدم تقسيم اليورانيوم لإنتاج الطاقة.
ومنطلق الانجاز العلمي الجديد هو محاكاة ما يتم داخل الشمس والنجوم، حيث يتم جمع الاندماج باستمرار بين ذرات الهيدروجين في الهيليوم، ما ينتج عنه ضوء الشمس والدفء الذي يغمر الكواكب.
وكانت صحيفة فاينانشال تايمز نشرت تقريراً أثار الكثير من الجلبة في المجتمع العلمي. وقالت إن باحثين في مختبر لورانس ليفرمور، نجح لأول مرة في إنتاج "رصيد صافٍ من الطاقة" من الاندماج النووي، وهذا يعني إنتاج طاقة أكبر في التفاعل مما تم استخدامه في تفعيلها.
ولإنتاج الطاقة، تستخدم محطات الطاقة النووية حول العالم حالياً الانشطار - الذي يقوم على شطر نواة ذرة ثقيلة. أما الاندماج فيجمع بين ذرتين من الهيدروجين الخفيف لتكوين ذرة أثقل من الهيليوم ويُطلق كمية كبيرة من الطاقة خلال هذه العملية، وهذه هي العملية التي تحدث داخل النجوم، بما فيها الشمس.
على الأرض، يمكن إثارة تفاعلات الاندماج عن طريق تسخين الهيدروجين إلى درجات حرارة قصوى داخل أجهزة متخصصة. ويستخدم الباحثون في مختبر لورانس ليفرمور الوطني منشأة الإشعال الوطنية الضخمة - تضم 192 ليزراً فائقة القوة موجهة جميعها إلى أسطوانة بحجم كشتبان مملوءة بالهيدروجين.
ومع ذلك، كان هناك دائماً تحذير مزعج. في جميع الجهود التي بذلها العلماء للسيطرة على القوة الجامحة للاندماج، استهلكت تجاربهم طاقة أكثر من تفاعلات الاندماج المتولدة. لكن ذلك تغيّر يوم 5 كانون الأول/ ديسمبر عندما قام 192 ليزر عملاق في مرفق الإشعال الوطني بالمختبر بتفجير أسطوانة صغيرة بحجم ممحاة قلم رصاص تحتوي على نوي مجمّد من الهيدروجين مغطى بالماس. وقد دخلت أشعة الليزر في أعلى وأسفل الأسطوانة، ما أدى إلى تبخيرها. ان تجاوز هذا العتبة التي يسميها علماء الاندماج بالليزر الاشتعال، هو الخط الفاصل حيث تساوي الطاقة الناتجة عن الاندماج طاقة الليزر الوارد الذي يبدأ التفاعل.
ويتوقع أن توفر هذه النتيجة أخيراً دليلاً على المبادئ الفيزيائية التي حددها باحثو الاندماج قبل عقود. وستمثل كما قال توني رولستون، المحاضر في جامعة كامبريدج، بأنه "نجاح للعلم".
ومثل الانشطار، يكون الاندماج خالياً من الكربون أثناء التشغيل، ولكن مزاياه لا تتوقف عند هذا الحد؛ فهو لا يطرح خطر حدوث كارثة نووية وينتج نفايات مشعة أقل بكثير من الانصهار.
كيف تبدو الأمور في عالم الطاقة بناء على هذا الاكتشاف؟ جواب العلماء هو ان الطريق ما زال طويلاً قبل أن يصبح الاندماج قابلاً للتطبيق على نطاق صناعي.
وبحسب علم الفيزياء جيريمي تشيتندين "لتحويل الاندماج إلى مصدر طاقة، سنحتاج إلى زيادة ما نكسبه من الطاقة على نحو أكبر. سنحتاج أيضاً إلى إيجاد طريقة لإعادة إنتاج التأثير نفسه على نحو متكرر وبتكلفة أقل بكثير قبل أن نتمكن من تحويل هذا بشكل واقعي إلى محطة لإنتاج الطاقة".
من جهته، قال إريك لوفيفر مدير المشروع في لجنة الطاقة الذرية الفرنسية إن ذلك قد يستغرق 20 أو 30 عاماً أخرى.
ولكن خبراء المناخ يحذرون من أن العالم لا يمكنه الانتظار كل هذا الوقت لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والحد من تأثيراته الخطيرة.
ويجري تطوير مشاريع أخرى للاندماج النووي في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك المشروع الدولي الكبير المعروف باسم المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي (إيتر) ITER وهو قيد الإنشاء حالياً في فرنسا.
بدلاً من الليزر، سيستخدم ITER تكنولوجيا تعرف باسم الحصر المغناطيسي تحتوي على كتلة دوامة من بلازما الهيدروجين الاندماجية داخل حجرة ضخمة على شكل كعكة دائرية.
هل يمكن للاندماج أن يحل أزمة المناخ؟ يجيب هنري فاونتن في النيويورك تايمز: "إذا كنت تعتقد أن هذا يعني أن أيام حرق الوقود الأحفوري للكهرباء ستنتهي قريباً، ما يمكن العالم من تحقيق هدف الحد من الاحترار بسهولة أكبر هذا القرن، فقد ينتهي بك الأمر بخيبة أمل".
وسوف يكون الاندماج في الأساس مصدراً خالياً من الانبعاثات، وسيساعد في تقليل الحاجة إلى محطات توليد الطاقة التي تحرق الفحم والغاز الطبيعي، والتي تضخ مليارات الأطنان من ثاني أوكسيد الكربون المسببة لارتفاع درجة حرارة الكوكب في الغلاف الجوي كل عام.
لكن الأمر سيستغرق بعض الوقت قبل أن يصبح الاندماج متاحاً على نطاق واسع وعملي، إن وجد.
في الخلاصة، يبدو ان العالم بدأ يتجه الى إنتاج الطاقة عبر الاندماج. وهنا لا تبدو عقود من السنين أمراً جديداً في مسار العلم. هذا ما كان عليه عالم الطاقة الحالي عندما جرى إكتشاف الوقود الاحفوري منذ الازمنة السحيقة الى ان شاهدنا كيف تطورت صناعة النفط في القرن الماضي. لذا، يبدو انه بات على العالم ان يستعد لعصر جديد ولو بدا ان بلوغه لن يكون وشيكاً.
الأكثر قراءة
-
تعاون بين "أدنوك" و"مصدر" و"مايكروسوفت" في مجالي الذكاء الاصطناعي والحلول منخفضة الكربون
-
المصارف المركزية الخليجية تخفّض أسعار الفائدة بعيد قرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي
-
الأرباح المعدلة لـ"فيرتغلوب" تبلغ 496 مليون دولار في 9 أشهر
-
أرباح "أوراسكوم للتنمية مصر" ترتفع 25.7% خلال الربع الثالث 2024
-
منتجع وسبا فندق إنديغو الجبل الأخضر: أكثر من مجرّد وجهة للإقامة الفاخرة