الدرس التركي: في انتظار الزلزال المقبل ما هي الخيارات؟
الدرس التركي: في انتظار الزلزال المقبل ما هي الخيارات؟
- رشيد حسن
اقترب عدد ضحايا الزلزال التركي المدمر من 50،000 وتجاوز عدد الأبنية التي انهارت المئتي ألف وانقشع الغبار في تركيا وفي سوريا عن دمار شامل، ليس فقط للمنازل والأبنية، بل للبنى التحتية، كما يتضح الآن حجم الخسائر الهائلة للاقتصاد التركي والإنفاق الضخم الذي سيتعين على الحكومة التركية توفيره من أجل إعادة بناء ما تهدم وإسكان مئات الألوف ممن فقدوا بيوتهم.
قد يهمك:
لكن وبغض النظر عن المسيرة الشاقة المتوقعة لإعادة البناء والتحديات التي تنطوي عليها، فإن السؤال الكبير الذي سيبقى ماثلاً أمام الجميع هو: وماذا بعد؟ وبتحديد أكبر: أين ومتى سنواجه في منطقتنا الزلزال التالي وأين سيضرب، وماذا سيحدث لو كان لبنان هو الساحة لهذا الزلزال؟ وأحد أهم دروس الزلزالين في تركيا وسوريا هي أنهما سلطا الأضواء على أن مخاطر الزلازل في منطقتنا حقيقية وأجبرانا على العودة إلى سجل الكوارث الطبيعية في المنطقة وعلى التقييم العلمي للمخاطر والاحتمالات وعلى طرح السؤال، هل نحن مستعدون لمواجهة زلزال على نمط الزلزال التركي؟ وبتعبير أكثر تحديداً: هل لدينا الحكومات الكفوءة والقوانين الملزمة والأجهزة القادرة على وضع القوانين موضع التنفيذ؟ أم أن بعض مجتمعاتنا المسيسة والمنقسمة يصعب عليها إنتاج وتطبيق الأنظمة التي يمكن أن تحمي من الكوارث أو على الأقل ان تخفف وقعها. فإن لم يكن لنا ذلك، فهل يعني ذلك أن السياسة الوحيدة المتاحة هي الانتظار والقبول الضمني بأن الزلزال ليس حادثاً يمكن درأه بل قدر لا يمكن رده.
يمكنك المتابعة:
ما حصل لتركيا قد يحصل في لبنان
وإذا كان المجتمع الذي نعيش فيه غير قادر على أن يتبنى، مثل المجتمعات المتقدمة، استراتيجية فعالة للاحتياط ضد الزلازل، فما هي الخيارات الشخصية أو الفردية التي تبقى متاحة لأولئك الذين يريدون التعامل مع خطر الزلزال باعتباره واقعاً ويمكن ويجب الاحتياط له لأن التجاهل قد يكون مكلفاً للغاية.
للمزيد:
إن النظر مجدداً في الدرس التركي ثم تقييم الوضع الراهن في لبنان أو في سوريا او في احد البلدان العربية التي تعاني من ضعف السلطة المركزية وعدم الاستقرار السياسي لا يقدم إجابات مريحة أو مطمئنة وهناك أكثر من سبب لذلك:
السبب الأول: هو عدم التعامل مع خطر الزلزال باعتباره خطراً قريباً أو متوسط الأمد، إذ إن معظم الناس يعتبرون الزلزال أمراً حدث في التاريخ القديم ومن المستبعد جداً أن يحدث مجدداً في زمانهم، وبهذا يخرج موضوع الاحتياط ضد الزلزال من جدول الاهتمامات والاولويات.
السبب الثاني: هو أن الشرق كان دوماً منطقة حروب ونزاعات وأنه دخل منذ عقدين على الأقل مرحلة من الاضطرابات والانهيارات الاقتصادية وتحلل سلطة الدولة تسببت بانهيار مستويات معيشة السكان ودفعت إلى الخلف بالتالي بمواضيع عديدة لتجعل من تأمين العيش الهم الأول للناس.
السبب الثالث: ما زالت الدول النامية عموماً تسجل معدلات نمو سكاني تزيد سنوياً الطلب على كل شيء وخصوصاً الطلب على السكن وتزحف جموع الباحثين عن العمل إلى المدن وضواحيها بحثاً عن مسكن في الأحياء المنظمة او العشوائية التي يتم تطويرها باستمرار لتلبية الطلب غالباً من دون مراعاة مواصفات الحد الأدنى لسلامة البناء.
السبب الرابع: هو الفساد أو ضعف دولة القانون التي يمكنها حتى في بلدان مهددة باستمرار مثل تركيا ضمان توافر متطلبات الأمان والسلامة في القطاع السكني، وقد تبين أن تركيا وضعت بعد زلزال العام 1999 مجموعة قوانين وأنظمة فعالة لتأمين أبنية مقاومة للزلازل، لكن هذه الأنظمة وبسبب ضغوط التطوير العقاري والحاجة لتلبية الزيادة السكانية عبر إيجاد ألوف المساكن سنوياً لم تطبق إلا في حالات قليلة بل تمت مخالفتها مع رهان المطور العقاري على إمكان الحصول على إعفاءات من الدولة التي تريد تلبية الطلب الكبير على الوحدات السكنية الجديدة. حسب تقرير لوزارة البيئة والتخطيط المدني صدر في العام 2018 فإن نحو 50 في المئة من المباني في تركيا أو نحو 13 مليون مسكن بنيت بصورة غير قانونية، وهذا على الرغم من الوتيرة العالية للزلازل في البلاد ورغم وجود تقنيات لتعزيز متانة الأبنية القديمة وثباتها في وجه الزلزال فإن عدداً قليلاً فقط من أصحاب تلك المباني لجأوا إلى هذه التقنية، على العكس من ذلك، فإن الحكومة التركية نظمت في العام 2018 حملة لإعفاء المباني التي بنيت بصورة مخالفة للقانون بعد زلزال العام 1999 وذلك مقابل رسوم محددة. وقد تبين أن تلك الأبنية التي سمح بإشغالها رغم ما يشوبها من عيوب سقط الآلاف منها بتأثير الزلزال التركي الأخير، وبالطبع فإن الوضع الذي برز في تركيا موجود على نطاق أوسع في بلدان ممزقة مثل سوريا أو لبنان أو في العراق أو اليمن وغيرها، وبالتالي فإنه ومهما كان احتمال حصول زلازل مدمرة قوياً فإنه لا يبدو أن هناك الكثير الذي يمكن فعله في مجتمعات مأزومة لوضع استراتيجيات فاعلة للحماية من الزلازل والكوارث الطبيعية وتأمين البناء بمواصفات عالية قادرة على الصمود بشكل افضل امام الزلازل.
العيش في منطقة كوارث
لقد دفع الزلزال التركي لدى الكثيرون إلى البدء بالبحث بإمعان في تاريخ الزلازل وجيولوجيا المنطقة وخارطة الفوالق الزلزالية فيها وما حدث في الماضيين القريب والبعيد ليجدوا بأن الرأي العام غائب تماماً عن ذلك التاريخ وإن هذا الماضي الذي نظنه كان هادئاً نسبياً لفترات طويلة كان في الواقع حافلاً بالزلازل والكوارث الطبيعية. وعلى سبيل المثال، فإن التاريخ المدون والمعروف لزلازل المنطقة أنها كانت عديدة وأكثر تقارباً في الزمن كما إنه وفي عدد من الحالات يتبين أن زلزالاً معيناً كان في الواقع سلسلة من الأحداث الزلزالية امتدت على عشر أو عشرين سنة ولم يكن حدثاً كبيراً واحداً. ومن أهم الزلازل التي ضربت منطقتنا في التاريخين البعيد والقريب:
زلزال وتسونامي عام 551
يعتبر هذا الزلزال من الزلازل العنيفة التي تسببت بألوف القتلى كما تسببت بتراجع البحر كيلومترات عدة قبل ارتداده العنيف على شكل تسونامي هائل دفن شريطاً واسعاً من المدن الساحلية اللبنانية وقضى على الأساطيل التجارية كما قضى على مدرسة الحقوق الشهيرة في بيروت. ولقد مضى على ذلك الزلزال العنيف نحو 1500 سنة كما مضى الآن نحو 1000 عام على زلزال سنة 1202 مما يجعل أكثر الجيولوجيين يعتبرون أن لبنان تجاوز الموعد الافتراضي للزلزال المقبل والذي يجب التعامل معه باعتباره محتمل الحدوث في أي وقت الآن.
زلزال دمشق لسنة 847
ضرب هذا الزلزال سوريا ولبنان قبل نحو 355 عاماً من زلزال 1202 وكان حسب المؤرخين شديداً ونجم عنه موت نحو 20,000 شخص في منطقة أنطاكية ونحو 50,000 شخص في منطقة الموصل من الزلازل وليس زلزالاً واحداً.
زلزال حلب 1138
اعتبره الباحثون ثالث أعنف زلزال في التاريخ القديم وسمي بزلزال حلب بالنظر لحجم الضحايا الذين سقطوا في تلك المنطقة رغم أنه تسبب بقتلى ودمار في المناطق المجاورة.
زلزال سوريا الكبير 1202
خلّف هذا الزلزال دماراً غير مسبوق وقتلى بعشرات الألوف وأصاب بآثاره مدن صور وعكا ونابلس، وتشير بعض المراجع التاريخية إلى أنه كان عبارة عن حدثين زلزاليين كبيرين أولهما كان بدرجة 6.8 وحصل في 20 أيار/مايو 1202 أما الثاني والأعنف فقد حدث في 6 حزيران/يونيو 1201 وكان بدرجة 7.6 على مقياس ريختر.
زلازل العام 1759
حصلت بين شهري تشرين الاول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام موجة من الزلازل العنيفة في شرق البحر الأبيض المتوسط كان أولها بدرجة 6.6 على مقياس ريختر وتأثر بهذه السلسلة من الهزات والزلازل لبنان وفلسطين وسوريا وتركيا وتأثرت بها بصورة خاصة آثار مدينة بعلبك.
زلازل معاصرة
يجب الآن أن نضيف إلى ما سبق زلزال العام 1956 في لبنان ثم زلزال تركيا الأخير في منطقة أنطاكية وشمال سوريا وكذلك الزلزال الشديد الذي سبقه في العام 1999 وضرب شمال شرقي الأناضول ومنطقة إسطنبول وسقط فيه أكثر من 17,000 قتيل ودمرت بسببه عشرات ألوف المباني.
استنتاجات أولية
يظهر السرد التاريخي السابق أن منطقة الشرق الأوسط الممتدة من خليج العقبة وسوريا وحتى شمال تركيا هي منطقة غير مستقرة جيولوجياً وتتعاقب عليها الأحداث الزلزالية عبر فترات زمنية أكثر تقارباً مما يظنه الرأي الشائع.
وبالطبع، فإن الغالبية الكبرى من اللبنانيين مرت وتمر بتجربة الهزات الخفيفة التي تصيب البلد بين الحين والآخر، وهناك حسب موقع متخصص نحو 600 هزة تحصل في لبنان سنوياً، لكن أكثرها يقع بدرجات تتراوح ما بين 2.5 و3.2 فلا نشعر به، لكن ما نتحدث عنه كاحتمال مخيف هو حصول زلزال كبير وبقوة قد تفوق 7 درجات على مقياس ريختر، وأي زلزال من هذا النوع لا يمكن تصور نتائجه على لبنان والمناطق الأخرى التي قد يصيبها بالنظر للنوعية الرديئة من البناء التي انتشرت عبر السنين خلال وبعد الحرب بسبب التطوير التجاري لأبنية بقصد بيعها وحيث المصلحة الأولى للمطور هو التوفير في تكلفة البناء وخفض السعر بما يمكنه من بيع الوحدات المطورة. وعلى سبيل المثال، فإن زلزال العام 1956 الذي دعي بزلزال شحيم (نسبة إلى البلدة التي كانت مركزاً له وتضررت أكثر من غيرها بسببه) فإنه تراوح في قوته ما بين 5.3 و5.5 على مقياس ريختر وأي زلزال يكون بقوة 7.5 درجة على مقياس ريختر سيكون أقوى بمئة مرة من زلزال شحيم وسيكون مماثلاً في قوته التدميرية للزلزال التركي.
الخيارات المتاحة
لقد تسبب الزلزال التركي والهزات الارتدادية التي أحدثها في لبنان قلقاً بل حالات ذعر حقيقية بين السكان في لبنان وتجنّب العديد من سكان المباني العالية النوم في بيوتهم وانتقل بعضهم إلى فيلات أو شاليهات في الجبل أو الساحل اعتبرت أكثر أماناً، وتحدث كثيرون عن حالات أرق وتوتر شديد شعروا بها نتيجة لمشاهد الدمار في تركيا وسوريا ثم نتيجة لتأكيد عدد من الجيولوجيين أن لبنان أصبح أرضاً ممكنة لزلزال كبير بقوة مشابهة لزلزال بيروت تاريخ 551 أو زلزال العام 2102. وقد طرح هذا الواقع بصورة جدية موضوع الخيارات المتاحة لتعزيز مناعة البيوت القائمة ضد الزلازل أو لبناء بيوت اكثر اماناً في حالة زلزال عنيف ومدمر.
التدعيم ضد الزلازل
يعتبر تدعيم أي منزل ليصبح مقاوماً للزلازل خياراً متاحاً وقليل التكلفة من الناحية الهندسية، ويشير موقع متخصص لولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية (وهي معرضة باستمرار لمخاطر الزلازل) إلى أن تكلفة التدعيم الزلزالي تتراوح ما بين 3,000 و7,000 دولار ويرتبط ذلك بالطبع بنمط هندسة البيوت المعتمد في الولاية وفي أكثر الولايات الأميركية لكنه يدل لوحده على أن المباشرة بدرس المتانة الهيكلية لأي بناء ممكنة أيضاً ويمكن القيام بها بواسطة مكاتب هندسية مختصة وذات خبرة. ويمكن زيارة الموقع الخاص بالوقاية من الزلازل في ولاية كاليفورنيا ويدعى: California Earthquake authority ويتميز الموقع بمهنية عالية ومعلومات وإرشادات مفصلة يمكن الاستنارة بها لتدعيم أي مسكن ضد خطر التصدع من جراء زلزال عنيف.
تقنيات جديدة
وبالنظر لتجربة اليابان الطويلة مع الزلازل وخصوصا زلزال العام 1923 الذي قضى على طوكيو التاريخية بمبانيها الخشبية الجميلة وتسبب بسقوط نحو 140,000 ضحية، فقد سعى عدد من المهندسين اليابانيين لابتكار أنظمة لبناء منازل مقاومة للزلازل وأدخلوا إلى تصاميم البناء هياكل التثبيت الفولاذية أو الشباك الحديدية أو الركائز المطاطية وأذرع امتصاص الحركة الزلزالية أو العمود المحوري الرابط لكل البناء، إلا أن بعض المهندسين ركز على ابتكار مواد وقطع بناء خفيفة من الخشب أو الكرتون المقوى لبناء منازل شخصية قوية ومقاومة للزلازل يمكن للناس العاديين بناؤها من دون حاجة لمساعدة خارجية.
ويعتبر المهندسون أن المخاطر الأساسية للبناء الحديث تأتي من ارتفاع البناء ومحاولات التوفير في التكلفة مثل استعمال قدر أقل من حديد التسليح أو كثافة أقل من الإسمنت أو أنظمة ضعيفة لربط البناء بعضه ببعض، وهناك أيضاً ما يمكن أن يحصل بعد استكمال البناء مثل إضافة طوابق تزيد من حمل الهيكل أو إزالة أعمدة في الطابق الأرضي بهدف خلق محلات تجارية. ولهذا، فإن إحدى وسائل تخفيف الأضرار الناجمة عن زلزال عنيف هو وضع حد لارتفاعات المباني ومقاومة نزعة المصممين المعماريين لبناء أبراج جذابة ومبتكرة لكن على حساب المتانة الهندسية، كما إن من الممكن في المناطق التي تتوافر فيها مساحات الأراضي التشجيع على بناء المساكن الشخصية أو العائلية مع استخدام مكونات بناء جديدة يمكن إدماجها بالهياكل الصلبة للبناء مثل الكرتون المقوى و"المسلح" وقصب البامبو الذي يعتبر خفيفاً وقاسياً ويمكن زراعته على نطاق واسع لتوفيره كمادة أولية لقطاع البناء. وقد نجح مهندسون ومصممون في ابتكار مبان خفيفة ومقاومة للزلازل ويمكن إصلاحها في حال تضررها، كما إنه حتى في حالات انهيار بعض هذه المباني فإن أثر تداعيها على السكان يبقى معتدلاً وغير مميت كما هي حال الأبنية الإسمنتية، ويعتبر المعيار الأساسي لسلامة البناء في اليابان أن يبقى المسكن صامداً في مكانه لزلزال عنيف ولا ينهار ويتسبب بموت ساكنيه.
لمتابعة ملف زلزال تركيا وسوريا: الكارثة!
الأكثر قراءة
-
"فورسيزونز" تتعاون مع شركة "بلو آيريس للاستثمارات" لإنشاء منتجع في جزيرة ميكونوس اليونانية
-
الملتقى الاقتصادي التركي - العربي الخامس عشر: لمزيد من التعاون المشترك بين تركيا والبلدان العربية
-
المركزي الصيني: 98.5 مليار دولار تسهيلات إقراض متوسط الاجل
-
الخزانة الأميركية تعتزم بيع سندات طويلة الأجل بـ 183 مليار دولار الأسبوع المقبل
-
"جلف كابيتال" قوة استثمارية مؤثرة في الخليج وآسيا